الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
مواقف من حياة عراب الموسيقى.. الموسيقار هاني شنودة
نجاة خافت من أغانيه.. وعدوية تردد في تقديم "زحمة يا دنيا".. وعمرو دياب تحمس لتكرار تجربة منير

كيوبوست
وثَّق الموسيقار المصري هاني شنودة، مسيرته الفنية بمذكراته التي أصدرها مؤخراً بعنوان «مذكرات عرّاب الموسيقى هاني شنودة»، والتي كتبها الصحفي مصطفى حمدي، وتحدث فيها الموسيقار المصري عن حياته في مسقط رأسه بمدينة طنطا بدلتا مصر، قبل أن ينتقل إلى القاهرة؛ ليدرس الموسيقى التي أحبها، وكيف قام بتأسيس فرقة “المصريين”، وتعاونه مع عدد كبير من نجوم الغناء في مصر.

يقول هاني شنودة، في مذكراته: “كنت صاحبَ الرصاصة الأولى في كل شيء؛ كنت أول مَن أدخل الهارموني للموسيقى المصرية، أول مَن أعاد توزيع أغاني لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، أول مَن قدَّم مقطوعات موسيقية يمكن وصفها بالموسيقى البحتة كما هي الحال في مقطوعات (لونجا 79 و85 و88. حتى عبدالوهاب عندما قدَّم الموسيقى البحتة في مقطوعة عزيزة استخدم الكورال خوفاً من رد فعل الجمهور الذي يريد دائماً الغناء؛ ولكنني انتصرتُ للموسيقى في تجربتي، مع اعترافي الكامل بأن عمر خيرت هو صاحب الفضل في انتشار الموسيقى البحتة بين المصريين في ما بعد”.
يواصل هاني شنودة حديثه عن مسيرته الفنية، قائلاً: “كنت أول مَن أدخل الآلات الحديثة؛ مثل الدرامز والإلكتريك جيتار في الأغنية الشعبية مع أحمد عدوية، والجميع قلدونا بعدها. أول مَن قدَّم محمد منير وعمرو دياب، وأول مَن أسس فرقة موسيقية تغني باللغة العربية المصرية على موسيقى مواكبة لتطور الغرب.. فعلت ذلك لأنني مؤمن بمقولة الفيلسوف ثيروندايك إن (الفرق بين العبقري والمجنون هو النجاح)؛ نعم ما قدمته وصفه البعض بالجنون وقتها؛ لأنه كان جديداً ومختلفاً”.

ألحان في الصباح
يستيقظ هاني شنودة مبكراً للعمل، وهذا الأمر يميزه عن غيره من الموسيقيين، يقول شنودة “كل الدراسات العلمية أثبتت أن قدرة أعضائك الحيوية على العمل تكون في أعلى معدلاتها، كما أن قدراتك الذهنية تكون في أفضل حالاتها؛ خصوصاً بعد الحصول على قسط جيد من النوم”.
يضيف شنودة: “أول شيء أفعله صباحاً هو التلحين قبل أن تدخل ذهني أي أمور تشتته، وتخرجه من حالته المستقرة، المسألة ليست مزاجاً أو (موداً)، كما تسمونها الآن؛ ولكن العلم أكد هذا والتجربة أكدت لي ولغيري، كل ألحاني الناجحة لحنتها في الصباح وأنجزتها في وقت قياسي”.

زواج سعيد
يتحدث هاني شنودة عن حياته الشخصية وعلاقته مع زوجته، قائلاً: “بعد هذا العمر الطويل لو سألتني هل أنا سعيد بزواجي، سأقول لك طبعاً، وسعيد أكثر بما نتج عن هذا الزواج؛ وهو أولادي، وسعيد بأنني كنت أباً جيداً، وأنهم فخورون بي. زواجي ناجح لأنني رأيت إنجازاتي في عملي وفي أولادي بأم عيني. إذن شريكة هذه الحياة نجحت معي”.
يشير شنودة إلى أنه في فترات كان يلوم نفسه، ويقول يا ليتني تزوجت فنانة، مضيفاً: “لكن كلما عُدت بالذاكرة ونظرت إلى تجارب أصدقائي الفنانين الذين تزوجوا من فنانات أجدها فشلت؛ الغالبية فشلت لا لشيء سيئ في هذا أو ذاك، ولكن لأن الفن أناني جداً، لا يريد شريكاً له؛ الفن هو الزوجة الثانية في حياة أي فنان، فكيف ستسير الحياة وكلا الزوجين متزوج من الفن؟!”.
اقرأ أيضًا:مواقف وذكريات من حياة ماجدة الصباحي
“زحمة يا دنيا زحمة”
استدعى المنتج عاطف منتصر، هاني شنودة، وعرض عليه التعاون مع أحمد عدوية بعد تراجع مبيعاته في آخر “شريطَين”، وطلب منه اختيار الأغنية التي يراها مناسبة من ملف مليء بالأغاني الشعبية. وبعد بحث في جميع الأغنيات، اختار أغنية “زحمة يا دنيا”؛ أغنية وجد فيها رسالة اجتماعية وسياسية أكثر من مجرد أغنية للفرفشة، وعلى عكس رغبة عاطف منتصر، تحمَّس للأغنية وتلحينها.
لم يستغرق تلحين الأغنية سوى عدة أيام، لكن عدوية اعتذر عن عدم المجيء إليه في أحد الأيام؛ كونه معروفاً بالموسيقى الغربية، قبل أن يزوره برفقة عاطف منتصر وعمر بطيشة، واستمع إلى اللحن، وغادر وهو خائف من المغامرة، ثم اتصل به وطلب منه تسجيلها في اليوم التالي؛ لشعوره بأن “اللحن يزن في ودنه”.
يتذكر هاني شنودة يوم التسجيل، قائلاً: “ذهبنا لنجري بروفة في استوديو 35 بالإذاعة. كنا نعزف مقاطع من الأغنية وعدوية يغنِّي، بينما موظفو الإذاعة يتجمهرون في غرفة الكنترول؛ ليتابعوا ما يولد بالداخل وكأنه شيء غريب وعجيب، وهو كذلك فعلاً؛ فقد كانت المرة الأولى التي يشارك فيها البيز جيتار والدرامز في عزف أغنية شعبية، ومن بعدها وكل الأغاني الشعبية تستخدم هاتين الآلتَين”.
اقرأ أيضًا: رحيل عزت أبو عوف.. “ميموزا” الطبيب الذي فضَّل الموسيقى على الطب
يقول هاني شنودة: “أنا شُفت نجاح (زحمة يا دنيا) وهيّ بتتسجل من قبل أن تُطرح بالأسواق. وبعد أن حققت مبيعات خرافية جاءني عاطف منتصر، كعادته، وقال لي: كان عندك حق يا هاني.. أنت عملت حاجة ما حصلتش في تاريخ الأغنية الشعبية المصرية”.
اكتشاف منير
يروي هاني شنودة تفاصيل اكتشافه الفنان الكبير محمد منير، قائلاً: “منير بدأ رحلته مع الفن قبل لقائي بأربع سنوات تقريباً، كانت له محاولات مختلفة مع ملحنين آخرين؛ ولكن التجربة قوبلت برفض المنتجين وعدم توفر فريق كامل من الشعراء والملحنين والموزعين بحماس كاف لفرض هذا الشاب النوبي على الساحة الفنية. سأعترف بأنني قبل لقاء منير رفضت العمل مع محمد حمام؛ قدمه لي عبدالرحيم منصور أيضاً، ولكنني لم أشعر بأي تناغم بين أفكاري وصوته، إلا أن الأمر اختلف مع منير؛ لسبب مهم، وهو أنه ما زال عجينة لينة يمكن تشكيلها وصياغتها وإكسابها روحاً وشخصية مختلفة ومميزة”.

يواصل الموسيقار المصري حديثه عن محمد منير، قائلاً: “في بداياته كان متحمساً جداً، متعطشاً للنجاح والشهرة والغناء والتعبير عن أفكاره التي كانت في الأصل أفكارنا؛ لأنه شاب صغير تشبَّع بما يقوله عبدالرحيم منصور وصلاح جاهين، تشكلت شخصيته في صالونات منازلهما وجلسات الطرب والدردشة في الفن والموسيقى والسياسة أحياناً، حتى هيئة منير وملابسه التي كونت جزءاً كبيراً من شخصيته الفنية تشكلت بنصائحنا”.
تعاون مع عمرو دياب
يروي شنودة، في مذكراته، كيف رأى في عين عمرو دياب “بريق النجومية” من اللحظة الأولى التي التقاه فيها ببورسعيد، وكيف كان الفنان المصري الشاب مشحوناً بإعجاب شديد بتجربة محمد منير. يروي الموسيقار المصري هذه المواقف، قائلاً: “رأيت أن عمرو صوت وصورة مختلفة تماماً عن منير، يجب أن يكون عمرو في الجهة المقابلة لمشروع منير، يجب أن يغني للشباب كلمات أكثر رشاقة وخفة، بينما منير يغني موضوعات دسمة واجتماعية وفيها فلسفة؛ عمرو هو الوجه البسيط والتجاري للأغنية الحديثة التي سعيت لتقديمها، بينما منير هو الوجه الأكثر عمقاً المرتكز على موروث ثقافي وفني”.

يواصل هاني شنودة حديثه، قائلاً: “في تلك الفترة سعينا لاعتماد عمرو في الإذاعة؛ ولكنني رأيت أنه في حاجة إلى المزيد من التدريب، كي يعدل من لهجته؛ لأن لجنة الاستماع في الإذاعة لن تقبله وهو ينطق الحروف والكلمات بهذه الطريقة. وبالفعل تدرب كثيراً معي بجانب دراسته في المعهد، وتقدم لاختبارات الإذاعة وتم قبوله، وكانت هذه الانطلاقة الحقيقية”.
ذكريات مع نجاة
تعرف هاني شنودة على الفنانة القديرة نجاة، من خلال صديقه عبدالرحيم منصور الذي أخبره بأن نجاة معجبة بأغانيه وترغب في التعاون معه؛ لكنه لم يكن متحمساً في البداية، لخوفه من رغبة نجاة في تغيير مساره الفني وفرض وجهة نظرها عليه؛ خصوصاً أنها مشهورة بالقصائد والقوالب الكلاسيكية في الغناء، لكن حماس الفنانة المصرية للتغيير جعلهم يتوافقون ويبدؤون العمل على أغنيتَي “أنا باعشق البحر” و”بحلم معاك”.
يقول شنودة عن تلحين هاتين الأغنيتَين: “ونحن نعمل كنت أتخيل دائماً صوت نجاة وأتذوقه، أقيس مشاعري وهي تستمع إلى صوتها، كيف ستترجم هذا الصوت، وهذه نظرية مهمة في التلحين؛ فكل صوت له انطباع وجداني لدى المستمع، هذا الانطباع ينعكس على تأثير الأغنية حتى لو كانت كلماتها حزينة أو مبهجة، وهكذا عندما لحنت (بحلم معاك) التقطت إحساس الحلم في صوت نجاة، هذا الصوت البرزخي الذي يداعب خيالك برومانسية لا تعرف معها هل أنت نائم أم مستيقظ، في واقع أم في خيال”.
لكن نجاة أجَّلت طرح الأغنيتَين بعد الانتهاء من تسجيلهما بعدما استشارت شاعراً كبيراً تثق في رأيه وانتقد الأغيتَين قبل طرحهما؛ لكنها تتصل به مجدداً بعد 6 أشهر، وتخبره بإشادة كمال الطويل بالأغنيتين وطلبه طرحهما على الفور؛ لتكونا بداية جديدة للتعاون بينهما أسفرت عن 6 أغنيات أخرى، لكن نجاة لم تقُم بطرح أي منها حتى اليوم بعد تسجيلها. ويتذكر دائماً توصيفها له عندما قالت: “الناس بتلحن على الأرض، وأنت بتلحن فوق في السحاب!”.
طلبات فاتن حمامة
وضع هاني شنودة الموسيقى التصويرية لفيلم “ولا عزاء للسيدات” لسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، التي اختارته وطلبت من المخرج هنري بركات، الحديث معه، وأعطاه ورقة فيها 16 شرطاً لفاتن حمامة في تصورها للموسيقى التصويرية؛ وهي الشروط التي شعر فيها بالانزعاج قبل أن يبدأ في تنفيذها، ويعمل على الموسيقى لمدة يومين.

وأرسلت فاتن حمامة صديقتها كاتيا ثابت، صاحبة قصة الفيلم، لتسمع الموسيقى، وتحكم عليها؛ وهي ذات الأصول الإيطالية ودارسة للموسيقى، واتصلت بسيدة الشاشة العربية في المنزل وأخبرتها بأن الموسيقى عظيمة، وجرى الاتفاق على حجز الاستوديو في اليوم التالي؛ لبدء التسجيل.
مع عادل إمام
يروى هاني شنودة تفاصيل تعاونه، للمرة الأولى، مع الفنان عادل إمام، من خلال وضع الموسيقى التصويرية لفيلم “المشبوه”؛ وهو أول أفلام الزعيم في الأكشن. واعتمد في الموسيقى الخاصة به على خلق تيمة مبنية على حالة الحيرة الموجودة في السيناريو، ليلتقي مع عادل إمام، للمرة الأولى، في نهاية العرض الأول للفيلم في سينما مترو، ويقول له: “يا هاني أنت موسيقار عظيم، أنت عملت مزيكا هتفضل بصمة عايشة مع الفيلم، ويمكن تفكَّر الناس بالفيلم كمان”، ويستمر تعاونهما معاً في عدة أفلام بعدها.