الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
مهمة تايوان العاجلة: استراتيجية جديدة لإبعاد الصين

كيوبوست – ترجمات
يقدم مايكل براون، الباحث في معهد هوفر بجامعة ستانفورد والمدير السابق لوحدة التطوير في وزارة الدفاع الأمريكية، في هذا التحليل، بعضاً من النصائح لصناع القرار في الإدارة الأمريكية الحالية بشأن التعامل مع ملف تايوان والتهديد الصيني المستمر في هذا السياق. وينطلق من إعلان الرئيس شي جين بينغ، في أكتوبر، أن “الصين مستعدة لاتخاذ جميع التدابير اللازمة ضد التدخل الأجنبي في الجزيرة، وأن عجلات التاريخ تتجه نحو إعادة توحيد تايوان مع الصين”، وما تلاه من تحذير وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، من أن بكين “قد تنوي الاستيلاء على تايوان في إطار زمني أسرع بكثير مما كان يُعتقد سابقاً”. هذه التطورات دفعت المسؤولين في الإدارة الأمريكية إلى اعتبار أن ردع عمل عسكري صيني ضد تايوان هو ضرورة ملحة.

- هل الردع الأمريكي كاف؟
يعتقد براون أن الولايات المتحدة عليها تقييم نهجها الحالي للردع، وهل هو كافٍ ومناسب لمواجهة التهديدات المتسارعة. ويرى أنه في حال نُشبت مواجهة عسكرية بين تايوان والصين، فلن تصب في صالح تايوان؛ خصوصاً أن الولايات المتحدة لم تتخذ خطوات كافية لوضع الموارد العسكرية في مكانها الصحيح وزيادة قدرتها على الإمداد المستمر، تحسباً لمثل هذا الحدث. ويحذر براون من أن الغزو الصيني لتايوان في حال حدوثه لن يشبه الصراع في أوكرانيا؛ حيث تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من فرض عقوبات اقتصادية وتزويد أوكرانيا بأسلحة بشكل متزايد على مدى عدة أشهر. فبالنظر إلى موقع تايوان شديد القرب من الصين (على بُعد 100 ميل فقط) بينما تبعد 5000 ميل من مقر قيادة الولايات المتحدة في المحيطَين الهندي والهادئ في هاواي، فلن يكون لدى واشنطن الوقت لإعداد رد بمجرد بدء الغزو. وفي حال قامت الولايات المتحدة بالدفاع عن تايوان دون تخطيط كافٍ؛ فقد تكون النتيجة كارثية، وفي حال دخلت الصين والولايات المتحدة في الحرب؛ فسيكون هناك القليل من الحوافز لأي من الجانبين للتراجع ومسارات عديدة للتصعيد السريع. ومن ثمَّ فإن ضمان الردع الفعال هو التحدي الأكثر أهمية للأمن القومي الأمريكي في آسيا، والأكثر إلحاحاً إلى حد بعيد.

- نهج استباقي مطلوب من تايوان
ينصح براون بتبني نهج استباقي يجعل استراتيجية الردع ممكنة، فيجب على تايوان إعادة تصميم الطريقة التي يتم بها تنظيم وتسليح ونشر قواتها؛ حتى تتمكن من حرمان الصين من تحقيق نصر سريع. في الوقت نفسه، تحتاج واشنطن إلى توضيح بما لا يدع مجالاً لأي شك أن الدعم العسكري المباشر متاح لتايوان اليوم وغداً، وأن تعزيزات تحتاج إليها تايوان ستكون متاحة. ويجب على الولايات المتحدة وتايوان السعي بشكل كبير إلى إشاعة حالة من عدم اليقين في ذهن شي بشأن ما إذا كان العمل العسكري ضد الجزيرة سينجح. لكن لكي يكون الأمر ذا مصداقية، يقترح براون أن تقوم تايوان بتطوير قدراتها العسكرية غير التقليدية. رغم امتلاك تايوان 400 طائرة مقاتلة و800 دبابة؛ فإن قواتها تتضاءل أمام 1600 مقاتلة صينية و6300 دبابة. ومن ثمَّ ففي مواجهة هذا التفاوت الهائل في القوة، يمكن للحكومة التايوانية، على سبيل المثال، شراء البيانات من الأقمار الصناعية التجارية، والتي يمكن أن توفر صوراً للحشود وعدد القوات الصينية لتقديم أكبر قدر ممكن من الإنذار المبكر.
اقرأ أيضًا: ما يجب فعله لتجنب الحرب في تايوان
كما يقترح براون أن تبني تايوان شبكة اتصالات مرنة تتيح مقاومة الهجمات المتكررة على بنيتها التحتية دون فقدان الاتصالات لجيشها أو مواطنيها. كذلك من المفيد لتايوان استثمار المزيد من الموارد في كل من الدفاعات الإلكترونية لحماية بنيتها التحتية الحيوية والقدرات الهجومية السيبرانية لتعطيل عمليات جيش التحرير الشعبي أثناء الهجوم. ويقترح أيضاً حصول تايوان على المزيد من الأنظمة العسكرية الجديدة؛ مثل الطائرات الصغيرة دون طيار التي يمكنها جمع المعلومات الاستخبارية.

- دعم أمريكي مسبق
يؤكد براون من جانب آخر، أنه في حال حصلت تايوان على القدرات السابق الإشارة إليها؛ لكنها وحدها لن تكون كافية لمقاومة الغزو الصيني. ستحتاج القوات التايوانية أيضاً إلى وصول فوري للوقود والذخائر والمواد الغذائية والإمدادات الطبية لدعم جهودها الدفاعية في المرحلة الأولى لأي هجوم. ومن ثم فعلى الولايات المتحدة أن تضع هذه الإمدادات قبل هجوم صيني محتمل أو حصار بحري لتايوان. على سبيل المثال لدى تايوان إمدادات وقود لمدة سبعة أيام فقط، ومن ثم تحتاج إلى توزيع وقود وإمدادات أخرى في جميع أنحاء الجزيرة، وكذلك على الجزر المجاورة.
ويرى براون أهمية أن تدرج وزارة الدفاع الأمريكية تايوان في تدريباتها العسكرية المشتركة. التدريبات الحالية في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ تضم العديد من الدول؛ منها أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة، لكنها لا تشمل تايوان. وعلى الرغم من أن الصين قد تعتبر مثل هذه المشاركة استفزازية، فيمكن للدبلوماسيين الأمريكيين الإشارة إلى أن الصينيين بدؤوا الاستفزاز من خلال الطيران بشكل متزايد في المجال الجوي التايواني وعبور الخط البحري الذي يفصل بين الصين وتايوان بوتيرة متزايدة.

ويضيف براون أن الولايات المتحدة، وفقاً لتصريحات بايدن، ليست ملتزمة صراحة بالدفاع عن الجزيرة؛ بل تحتفظ بدلاً من ذلك بالحق في الرد في حالة وقوع هجوم، لكن نهج الانتظار والترقب هذا لن يخدم مصالح الولايات المتحدة. إذا لم تكن الولايات المتحدة مستعدة مسبقاً بتوفير المواد في الجزيرة والقدرة الفورية على إعادة إمداد تايوان، فإن تصريحات الإدارة تصبح خطاباً فارغاً. ومع ذلك، فإن التخلي عن الغموض الاستراتيجي كسياسة سيكون استفزازاً مباشراً لبكين، ومن المرجح أن يؤدي إلى استجابة تصعيدية.
بالإضافة إلى ذلك، وفقاً لبراون، يجب على الكونجرس إعطاء أولوية قصوى لتسليم 19 مليار دولار من الأسلحة التي طلبتها تايوان، وهذا من شأنه أن يمكن البنتاجون من إرسال الإمدادات العسكرية مباشرةً إلى تايوان.
وبالإضافة إلى هذه الاستراتيجيات العسكرية الأمريكية الفردية، ينصح براون الإدارة الأمريكية بمواصلة جهودها لتعزيز التحالفات الإقليمية؛ مثل الاتفاق الأمني الثلاثي بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والحوار الأمني الرباعي بين أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة. فبهذه التكتلات يمكن أن تصل رسالة واضحة لبكين بأن جبهة موحدة مستعدة لمساعدة تايوان في حالة وقوع هجوم غير مبرر. ويمكن لواشنطن وحلفائها الإعلان مقدماً عن مجموعة من العقوبات المالية والحظر التجاري التي قد تنجم عن أي عمل عسكري صيني ضد تايوان. مثل هذا الإعلان من شأنه أن يشير بوضوح لبكين إلى الأزمة الاقتصادية الحادة التي قد يتسبب فيها هجوم غير مبرر وقد يكون ذلك رادعاً مهماً.

سيستغرق إكمال بعض هذه المقترحات، وفقاً لبراون، وقتاً قد يصل إلى سنوات؛ لكنه سيعني بوضوح أن غزو أو محاصرة تايوان من شأنه أن يؤدي إلى مواجهة قد تخسرها الصين. ولدى بكين بالفعل أسباب لتجنب أزمة جيوسياسية جديدة، في ظل حزمة التحديات التي تواجه شي بالفعل في الداخل؛ بما في ذلك تباطؤ النمو الاقتصادي بشكل كبير نتيجة تبني سياسة صفر كورونا التي أثبتت فشلها ونتيجة تزايد شريحة سكانها في سن الشيخوخة. من جانب آخر؛ إذا لم تستطع الصين الحصول على أشباه الموصلات من تايوان، فسوف يعجل ذلك بانهيار 70% من إنتاج الإلكترونيات الصينية التي تعتمد الصين على تصديرها.
ويختتم براون توصياته بأهمية أن تُظهر تايوان والولايات المتحدة وحلفاؤها عزمهم على إحباط أي غزو محتمل، ومع تصريحات الصين العدائية المتزايدة حول استعادة السيطرة على الجزيرة، بدأ الوقت ينفد، وعلى واشنطن إظهار التزامها عملياً.
المصدر: فورين أفيرز