الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

مهرجان الجعة في المغرب يشعل ساحة الجدل

سجال بين إسلاميين وحداثيين مغاربة حول مدى شرعية إقامة الفعالية الأولى من نوعها في شمال إفريقيا

كيوبوست – حسن الأشرف

تجددت السجالات والجدالات بين إسلاميين وحداثيين في المغرب بسبب “معركة الحلال والحرام”، وذلك بعد إعلان الغرفة التجارية والصناعية الألمانية في المغرب تنظيم مهرجان الجعة بضواحي مدينة الدار البيضاء “Oktoberfest Casablanca” في 28 أكتوبر المقبل.

ويرى إسلاميون أن دستور المغرب ينص على أنه دولة إسلامية، والإسلام يحرم الخمور، داعين التمثيليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأجنبية إلى أن تحترم عقيدة المغاربة. وبالمقابل، يعتبر حداثيون أن تيار التطرف الديني يعتقد أنه باستعمال عبارة “دولة إسلامية” يمكنه ممارسة الوصاية على عقول الناس وحياتهم الخاصة واختياراتهم الشخصية.

اقرأ أيضاً: “الصراع القيمي” في المغرب.. بين الفضائل الأخلاقية والحريات الفردية

تذوق الجعة

وفي وقت لم يصدر فيه عن الحكومة المغربية بعد أي موقف بشأن جدل تنظيم مهرجان الجعة على أراضي المملكة لأول مرة خارج ألمانيا، خرجت الغرفة التجارية والصناعية بالمغرب لتقدم معطيات وتفاصيل وافية عن المهرجان المذكور.

ووَفق إعلان الغرفة التجارية والصناعية الألمانية في المغرب، فإن مهرجان الجعة سوف ينظم في مدينة بوسكورة في ضواحي العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء؛ لتكون بذلك سابقة في عمر هذا المهرجان الذي ينظم سنوياً في مدينة ميونخ الألمانية.

إعلان الغرفة التجارية الألمانية تنظيم مهرجان الجعة بالمغرب

ويسع المهرجان عادةً في ميونخ الألمانية أكثر من 6 ملايين شخص وزائر، ليعتبر أحد أضخم المهرجانات في العالم من حيث العدد، والذي يستمر زهاء 16 يوماً متتالياً؛ يتم استهلاك ملايين اللترات من الخمور فيه خلال هذه المدة.

ويضم مهرجان الجعة حفلاً لتذوق مختلف أصناف الخمور من طرف الزوار والحاضرين، وأيضاً تناول أطباق مختلفة من أنواع الأكل الذي تشتهر به المنطقة البافارية، فضلاً عن أنشطة الرقص وارتداء الأزياء التقليدية المتنوعة.

اقرأ أيضاً: المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا: تاريخٌ موجز

ولكن في مهرجان الجعة الذي سينظم في المغرب، فإن العدد -حسب الغرفة التجارية الصناعية الألمانية بالمغرب- لن يتجاوز 3 آلاف شخص، كما أن المدة سيتم تقليصها من 16 يوماً المعتادة إلى يومين أو ثلاثة أيام فقط، علاوة على أن الحاضرين مدعوون إلى دفع مبالغ مالية للمشاركة، تتراوح بين 800 درهم و1200 درهم مغربي.

وتتعامل الدولة مع مسألة الخمور بشكل يتأرجح بين المنع وغض الطرف أو حتى الإباحة؛ ولكن وَفق القانون المعمول به، فإنه “يعاقب بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر، وغرامة يتراوح قدرها بين 150 و500 درهم، أو بإحدى هاتين العقوبتَين فقط، كل شخص وجد في حالة سُكر بيِّن في الأزقة أو الطرق أو المقاهي أو الكباريهات أو في أماكن أخرى عمومية أو يغشاها العموم”.

احترام عقيدة المغاربة

د.محمد بولوز

يقول في هذا الصدد الدكتور محمد بولوز، الواعظ الديني والباحث الشرعي، في تصريحات أدلى بها إلى “كيوبوست”: “إن الخمرة سُميت كذلك لأنها تغطي العقل، أي تشوش عليه، فلا يكون في أحسن أحواله، ولا يؤدي وظائفه بشكل سليم”.

واستطرد بولوز بأن “الإسلام كما الدين الحق من قديم جاء لحفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، ولا توجد هناك حضارة أو تقدم ولا مدنية في تدمير العقول أو إضعافها أو التشويش عليها بالمخدرات أو الخمر أو أية مادة مشابهة، ولو لفترات تُسمى ترفيهاً أو ترويحاً”.

اقرأ أيضاً: الحالة الدينية في المغرب.. صعوبات تواجه الإسلاميين وتحديات تهدد التصوف

وتساءل المتحدث: “لماذا يمنع السكران من السياقة؟ أليس خوفاً من تهوره وارتكاب حماقات؟ فما المراد بتنظيم مهرجان لتذوق الخمر، إلا أن يكون كسب مزيد من الضحايا لهذه العادة المشينة ومصيبة السكر وشرب الخمرة والتلاعب بالعقول؟”.

وزاد بولوز: “في زماننا أمام تفاقم المشكلات يجب عقد أنشطة وحتى مهرجانات لتقوية العقول وحسن استخدامها بهدف الإبداع ومواجهة القضايا المختلفة، وليس السير خلاف هذه التوجهات النبيلة”.

الدستور ينص على أن المغرب دولة إسلامية

وأكمل بولوز بأن “المغرب دولة تاريخها وحضارتها وهويتها الإسلام، ومعلوم موقف الإسلام الذي يحرم الخمر بمختلف أشكاله وألوانه؛ فكل ما أسكر كثيره فقليله حرام، والمفروض في السفارات والقنصليات والتمثيليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأجنبية أن تحترم عقيدة المغاربة وشريعتهم وقيمهم كما يريدون هم من المسلمين أن يحترموا قيم ومبادئ الغرب عندما يكونون في ديارهم ودولهم”.

ممارسة الوصاية على الناس

على الضفة المقابلة، يقول أحمد عصيد، الكاتب والناشط الحقوقي، إن مهرجان الجعة عادةً ينظم في البلدان المشتهرة بصناعة هذا المشروب الروحي وتسويقه على نطاق واسع، وذلك مثل ألمانيا وبلجيكا وهولندا.

أحمد عصيد

ويكمل عصيد، في تصريح أدلى به إلى “كيوبوست”، بأن تنظيم هذا المهرجان في المغرب يطرح السؤال حول الهدف؛ هل هو الدعاية للبيرة (الجعة)؟ وكيف يمكن ذلك في بلد يعتبر قانونه أن المشروبات الكحولية لا تُباع إلا لغير المسلمين، ويعتبر تناولها من قِبل المسلمين جريمة في القانون الجنائي؟

واسترسل الناشط ذاته: “أذكر أنه قبل سنوات أُقيمت ضجة من طرف التيار الديني المتطرف بسبب حفل تذوق الخمور بمدينة مكناس، والذي يقيمه مصنعو الخمور الكبار بالمغرب، وتمنح فيه جائزة لأفضل إنتاج في السنة”.

اقرأ أيضاً: الهامش.. وصناعة التطرف في المغرب

وتابع عصيد قائلاً: “يظهر هذا أن الدولة المغربية غارقة في التناقضات والازدواجية الشيزوفرنية؛ حيث تمنع شيئاً في قانونها الجنائي وتسمح به واقعياً؛ مما يجعل جميع مواطنيها في حالة حرية مؤقتة أو حياة تحت المراقبة البوليسية، والغريب والمضحك هو عندما يقوم شرطي بإلقاء القبض على مغربي يقتني الخمور وهو نفسه يعاقرها، أو عندما يُصدر قاضٍ الحكمَ بالسكر العلني على مواطن مغربي بينما القاضي نفسه يتناول الكحول”.

المحاكم المغربية تنظر في قضايا السكر العلني

واعتبر عصيد أن “السؤال المطروح إذن هو الهدف من هذه التظاهرة التي قيل إنها ستنظم بالمغرب، فإذا كان الهدف دعائياً فهذا غير ممكن بالنسبة إلى بضاعة محظورة؛ فالبلدان التي تقيم هذا النوع من الحفلات هي في الأصل بلدان حرية منذ قرنَين تقريباً ولم يعد فيها مَن يناقش حرية المواطن في مأكله ومشربه، بينما في المغرب ما زالت الدولة مترددة”.

وأردف عصيد بأنه “في المغرب ما زال تيار التطرف الديني يعتقد أنه باستعمال عبارة (دولة إسلامية) يمكنه ممارسة الوصاية على عقول الناس وحياتهم الخاصة واختياراتهم الشخصية، في الوقت الذي لا تعني فيه تلك العبارة ما يُراد بها من استعمالات غير منطقية”.

اقرأ أيضاً:  مسلسل “الشيخة” في رمضان يثير جدل الفن والأخلاق بالمغرب

وخلص إلى أنه “سواء تم تنظيم مهرجان الجعة فعلاً بالمغرب أو لم يتم تنظيمه، فسيكون له مفعول مهم في النقاش العمومي؛ لأنه سيُحرك واحداً من (تابوهات الدولة)، وهو الحريات الفردية ويجعلها مرة أخرى في عمق النقاش العمومي، وهي من نوع القضايا التي عدوُّها الكبير هو الصمت وحليفها الأول هو استمرار النقاش في المجتمع.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

حسن الأشرف

صحفي مغربي

مقالات ذات صلة