الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
من هو الندوي الذي فَجَّرت أفكاره سريلانكا؟
كيف انتقل الفكر التكفيري والإرهابي إلى سريلانكا؟ .. ولماذا استضافت قطر وتركيا مؤسس الجماعات الإرهابية في الهند وسريلانكا؟

كيوبوست
منذ تفجيرات سريلانكا والعالم أصبح مشغولًا بحقيقة أعضاء جماعة التوحيد الوطنية منفذي التفجيرات؛ هل الجماعة فرع من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” طبقًا لمبايعتها أبا بكر البغدادي في الفيديو الشهير؟ أم هي فرع من التنظيم العالمي لـ”الإخوان المسلمين”، طبقًا لظهور مؤسس الجماعة في صورة مع يوسف القرضاوي؟ وهل “داعش” هو الذي وصل إليها أم هي التي ذهبت إليه؟ ولماذا نجح أعضاء جماعة التوحيد الوطنية في مهمتهم بهذا الشكل الكبير؟
وحسب ما نقلته “نيويورك تايمز“، فإن جماعة “التوحيد الوطنية” (NTJ) هي المتهمة بتنفيذ التفجيرات الإرهابية في سريلانكا، وأن ثمة علاقة بينها وبين جماعة أخرى تحمل اسم جماعة “التوحيد” السريلانكية (SLTJ)، وهذه الجماعة هي فرع من جماعة التوحيد التي توجد في إقليم التاميل الهندي.
ولفهم طبيعة التكوين المعقد للجماعات الإسلامية، نبدأ بسؤال: من أين جاءت الأفكار المتشددة إلى سريلانكا؟ كل الأصابع تشير إلى شخص مهم، هو سلمان الندوي، فمَن هو؟
ولِد سلمان الندوي في عام 1954م، في مدينة لكنو الهندية، وتلقَّى تعليمًا دينيًّا، وفي عام 1974 وقبل أن يكمل العشرين من عمره، أسَّس مع مجموعة من الطلاب “جمعية شباب الإسلام” التي تحمل أفكارًا متشددة تدعو إلى العنف.
اقرأ أيضًا: “داعش” في سريلانكا برعاية القرضاوي!
تحرَّك سلمان الندوي في شبه القارة الهندية يستقطب الشباب ويحثّ المسلمين على تكوين جماعات إسلامية؛ فتكوَّنت جماعات إسلامية متشددة؛ مثل منظمة “المجاهدين الهنود” التي تأسَّست في عام 2002، وهي تقف وراء ما يزيد على اثني عشر هجومًا في الهند، حسب جريدة “الاقتصادية“، ونقلًا عن “اللوفيجارو” الفرنسية، سرعان ما كوَّنت هذه الجماعة فرعًا لها أكثر تشددًا؛ هو جماعة أنصار التوحيد، التي تمركزت في إقليم تاميل نادو الهندي.
لم يقتصر نشاط سلمان الندوي على الهند، بل تمدَّد إلى الجارة سريلانكا؛ فاعتاد أن يحاضر المسلمين هناك؛ خصوصًا في جامعة بن عمر بالعاصمة كولومبو، ونتيجة لنشاط سلمان الندوي في سريلانكا، تكوَّنت جماعة التوحيد السريلانكية كامتداد لتلك الجماعة المتشددة بين المسلمين الناطقين بلغة التاميل، وحسب محطة “دويتشه فيله” “DW“، زعيم هذه الجماعة اسمه عبد الرزاق، اندلعت مظاهرات في العاصمة كولومبو عام 2015 للاحتجاج ضد زيارة مرتقبة من متشددي جماعة التوحيد الناشطة في إقليم تاميل نادو الهندي، واختصارها (TNTJ)، واتبعت جماعة التوحيد في سيرلانكا خطوات تنظيم الإخوان الإرهابي في أخذ مظلة العمل الدعوي والخيري؛ من أجل دعم وتمويل الفكر المتطرف والعمليات الإرهابية. فالجماعة عرفت نفسها بأنها معنية بمتابعة شؤون المسلمين في سريلانكا التي يمثل فيها المسلمون أقل من 10% من سكانها، لكنها كانت تبث الكراهية ضد الآخرين؛ خصوصًا البوذيين.
وبهذا اتُّهم عبد الرزاق، في نوفمبر 2016، بتُهم تتعلق بسبّ الديانة البوذية، ورُفعت قضية أخرى ضده عام 2017، هو وستة أعضاء من الجماعة، بتهم تخص إصدارهم تعليقات مهينة بحق بوذا، وإيذاء مشاعر المجتمع البوذي في البلد.
من هذه الجماعة المتشددة تكوَّن جيل أكثر تشددًا؛ هو جماعة التوحيد الوطنية التي تزعمها محمد زهران هاشم، منفذ التفجيرات الأخيرة، الذي زار الهند كثيرًا بشكل غير قانوني؛ خصوصًا أن إقليم التاميل الهندي، مقر جماعة أنصار التوحيد الهندية، لا يبعد عن إقليم كاتانكدي السريلانكي، مقر جماعة التوحيد الوطنية، إلا بشريط ماء ضيق.
وحسب جريدة “الشرق الأوسط” كان الندوي قد بايع تنظيم داعش الإرهابي، وقدَّم تهنئته إلى زعيمه البغدادي، في رسالة وجهها إليه عندما نصَّب نفسه خليفةً على إرهابييه، وطالب بإقامة ما سمَّاها “خلافة إسلامية”.
يمكن القول أن داعش وصل أولًا إلى سريلانكا، ثم سرعان ما انضم بعض المتشددين إلى صفوفه، حسب تصريح نائب رئيس المجلس الإسلامي السريلانكي حلمي أحمد لسكاي نيوز بأنه يعتقد أن عشرات وربما مئات الدواعش العائدين من سوريا والعراق في سريلانكا الآن، مما سهل تكوين جماعة التوحيد الوطنية التي بايع زعيمها محمد زهران هاشم، أبو بكرالبغدادي، في الفيديو الشهير .
إذا كانت جماعة محمد زهران هاشم هي التي نفَّذت التفجيرات؛ فإن سلمان الندوي هو المُحَرِّض عليها، وليس أخطر من المنفِّذ إلا المُحَرِّض، وهو مَن جاء بالفكرَين التكفيري والداعشي إلى هذه المنطقة.
كشف سلمان الندوي عن جذور التكفير لديه في المحاضرة التي ألقاها أمام كلية العلوم الشرعية، يوم الثلاثاء 19 سبتمبر 2017م، بسلطنة عمان، وقام بتكفير حكام المملكة العربية السعودية، وبعض الدول الإسلامية.
وثمة علاقة غامضة بدت في حديث الندوي تربطه بقطر وتركيا؛ ففي الوقت الذي كان يهاجم فيه حكام الخليج دافع عن قطر وتركيا، ربما يعود هذا إلى التطابق الفكري بينه وبين الإخوان المسلمين وأستاذه يوسف القرضاوي، أو أنه يحصل على رعاية مالية، وربما الاثنين معًا؛ لهذا هاجم أربع دول مسلمة من أجل قطر!
اقرأ أيضًا: نجل قيادي إخواني تتلمذ على يد القرضاوي وقاتل مع “داعش”!
وبعد طرده من العاصمة العمانية، أعلن يوسف القرضاوي في تغريدة له عبر موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، عن استقباله الندوي في مكتبه بالدوحة؛ حيث نشر صورة مع الندوي كتب فيها “مع فضيلة الشيخ سلمان الندوي ظهر اليوم بمكتبتي”.
وفتحت قطر أبوابها للندوي يبثّ كراهيته وتحريضه عبر قناة “الجزيرة”، وخطب في طلاب الكليات العسكرية القطرية، واستقبلته تركيا وفتحت له القنوات كذلك.
من هذا التسلسل نكتشف أن جماعة الإخوان المسلمين تقوم بدور الوسيط بين الجماعات المتطرفة والإرهابية والقواعد غير المنظمة، خصوصًا في منطقة شرق آسيا؛ مستغلةً شخصية يوسف القرضاوي باعتباره “المُنَظِّر والرمز الروحي” لجذب الشباب، مستخدمةً مؤسسته المريبة “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” كمظلة؛ إذ يفد إليه العلماء من كل مكان ويبدأ في بثّ دعايته وتحريضه وتجنيد الآخرين.
في هذا السياق، قال الأستاذ منير أديب، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، في تصريح أدلى به إلى “كيوبوست”، قائلًا: “أعتقد أن ما حصل وما زال يحصل في سريلانكا يثبت أن (الإخوان) تقوم بدور الوسيط والجسر بين الجماعات الصغيرة والمحلية وبين (داعش) أو (القاعدة)؛ فمع كل عملية إرهابية أو مع أية جماعة جديدة تظهر، نجد (الإخوان) تظهر في زاوية من زوايا المشهد المعقد والمركب؛ ليس بالضرورة أن تكون هناك علاقة تنظيمية بين جماعة التوحيد الهندية أو السريلانكية أو تلك الأخرى التي نفَّذت التفجيرات وجماعة الإخوان، يكفي أنها تسير وَفق مخطط (الإخوان) أو على الأقل تهتدي بمقولات زعمائها ومفكريها؛ أمثال يوسف القرضاوي الذي تربطه علاقة فكرية وتنظيمية واضحة بسلمان الندوي، مؤسس كل هذه الجماعات والمشرف عليها والمُحَرِّض على تكوينها الإخوان أو على الأقل وسطاء وجسر بينهم”.
اقرأ أيضًا: عودة أفكار القرضاوي والإخوان في تفجير شارع بورقيبة
وأضاف أديب أن محمد زهران هاشم، قائد المجموعة التي بايعت “داعش” والذي تقدم المجموعة ونفَّذ هجومًا يقال إنه قُتل فيه، تشير القراءة الأولى إلى أنه هو قائد وعقل المجموعة المدبر؛ إلا أنه بالنظر والتدقيق نعلم أن مثل هذه الجماعات لا تُدار بهذه الطريقة، فغالبًا مَن يدبِّر ويخطط لا يشارك في التنفيذ؛ فإما أنه لم يمُت وعملية إعلان موته غير دقيقة وإما أنه ليس العقل الوحيد المُدَبِّر، فلابد لهذه الجماعة من قيادة غيره؛ خصوصًا أنه قد تردد أن هناك أربعة أسماء كانت تدير هذه الجماعة لم يُعلن منها إلا اسم زهران هاشم، ربما التحقيقات المستقبلية تكشف عن هذا اللغز.