الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةمقالات

من معبد يهودي سري إلى البيت الأبيض اندفعت العلاقات الإسرائيلية- الإماراتية عام 2020

خاص- كيوبوست

جوناثان فيرزيغر♦

جوناثان فيرزيغر

بينما كنت أقف في حديقة البيت الأبيض، في سبتمبر، وأشاهد وزيرَي خارجية الإمارات العربية المتحدة والبحرين يوقعان اتفاقية سلام رائدة مع إسرائيل، أذهلتني سرعة التطورات التي كانت تبدو غير ممكنة في الماضي.

أفسحت عقود من العداء في بداية الأمر المجال لعلاقات تطورت تدريجياً لتصبح علنية ولكن بشكل غير رسمي؛ ولكنها الآن انطلقت إلى العلن عبر اتفاقيات إبراهيم مبشرة بمجموعة كاملة من الاتصالات عبر الانقسام العربي- الإسرائيلي.

اقرأ أيضًا: كيف يغير اتفاق السلام الإماراتي- الإسرائيلي خارطة التحالفات في المنطقة؟

لقد شاهدت هذه التغيرات تحصل خلال السنوات العديدة الماضية أثناء سفري بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة؛ فعلى سبيل المثال، كان الإسرائيليون والصلوات اليهودية وطعام الكوشر حاضرين منذ فترة طويلة في الإمارات، وإن لم يكن من السهل أن تجدها.

في عام 2016 وجدت طريقي إلى معبد يهودي كان سرياً في حينه، عبر رسالة على تطبيق “واتس آب”. لم تكن هنالك أية لوحة على مدخل الفيلا السكنية الصغيرة على شاطئ الجميرا؛ حيث كانت تُقام صلوات يوم السبت. ولم يكن هنالك موقع على الإنترنت أو صفحة على تطبيق “فيسبوك” لتوضيح العنوان وسبل التواصل لمساعدة الراغبين في زيارة المعبد.. مجرد همس. أحد أصدقائي من هونغ كونغ قال لي أن أتصل مع زميله البلجيكي الذي عرفني على شخص جنوب إفريقي من معارفه؛ وهو زعيم الجالية اليهودية في دبي الذي طرح عليَّ الكثير من الأسئلة الشخصية قبل أن يرسل إليَّ رسالة بالعنوان. أنا مواطن مزدوج الجنسية، أمريكي وإسرائيلي من مواليد نيويورك، عملت كمراسل صحفي في القدس وتل أبيب لما يقارب ثلاثة عقود.

صورة لمبنى يقال إنه أول كنيس يهودي في دبي- “أسوشييتد برس”

لقيتُ ترحيباً دافئاً بمجرد دخولي إلى الفيلا، وبعد إضاءة شموع السبت غنَّى أعضاء المعبد بفرح الترانيم التقليدية لصلاة الجمعة الليلية، ثم دعوني مع ضيوف آخرين لتناول عشاء جماعي لذيذ تم تحضيره في مطبخ الفيلا المخصص لطعام الكوشير. وفي انعكاس لتنوع مجتمع دبي، التقيت حول الطاولة أشخاصاً من لندن ونيويورك وأنتويرب وكيب تاون وباريس وملبورن وتل أبيب. كانوا جميعاً لطيفين وفضوليين، وأجمعوا كلهم على أمرٍ واحد عندما علموا أنني صحفي: لا تكتب كلمة واحدة عنا، رجاءً.

اقرأ أيضًا: الجالية اليهودية في الإمارات: هنا وطننا.. ونحن سعداء للغاية

لم أستغرب طلبهم، وأكدت لهم أنني لن أخون ثقتهم. لليهود جذور تاريخية في العديد من الدول العربية، إلا أن المنطقة أصبحت عدوانية بشكل متزايد تجاههم منذ بدايات القرن العشرين؛ خصوصاً مع تأسيس إسرائيل كدولة يهودية عام 1948. نزح مئات الآلاف من العرب من فلسطين، في ما عُرف لاحقاً بـ”النكبة”، ونزحت أعداد مماثلة من اليهود من العراق ومصر وسوريا والمغرب.. وغيرها من الدول العربية. خاض العرب والإسرائيليون حرباً استمرت خمسة أيام، ومعارك صغيرة لا نهاية لها، وتزايد العداء عبر الأجيال. كانت الإمارات ودول الخليج الأخرى بعيدة عن حدود إسرائيل، إلا أنها قدمت الدعم المالي للقضية الفلسطينية، والتزمت بالمقاطعة الاقتصادية والثقافية لإسرائيل.


مجسم للبيت الإبراهيمي الذي بدأت الإمارات بناءه- “سي إن إن أرابيك”

لهذا السبب، كانت الخطوات التي اتخذت هذا العام بفتح علاقات مباشرة مع إسرائيل مثيرة للغاية. فبينما وقعت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل منذ عام 1979 والأردن في عام 1994، أبقى كلا البلدَين على قيود على العلاقات. كانت هنالك علاقات حكومية؛ ولكن كانت هنالك قيود على علاقات الشعوب، فقد كانت السياسات تقضي بأن العلاقات ستصبح أكثر دفئاً فقط عندما يحل الفلسطينيون والإسرائيليون نزاعهما. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية لاقت جهود السلام هذه طريقاً مسدوداً.

اقرأ أيضًا: كيف تعاملت الصحافة الإسرائيلية مع اتفاق السلام الإماراتي- الإسرائيلي؟

قررت الإمارات أن تفعل شيئاً مختلفاً؛ فاتفاقيات إبراهيم التي أُعلن عنها في أغسطس تدعو إلى مجموعة واسعة من العلاقات مع إسرائيل؛ تشمل الاعتراف الدبلوماسي والتعاون الدفاعي والشراكات التجارية والبحث العلمي والتبادل التعليمي والدراسات البيئية والفعاليات الرياضية والثقافية. ويبذل كلا البلدين جهوداً لتشجيع السياحة وإنشاء خطوط طيران مباشرة، ويتفاوضان بشأن الدخول المتبادل دون تأشيرة لمواطني الدولتَين، ويؤكدان رغبتهما في تنمية علاقات متينة.

العلمان الإماراتي والإسرائيلي

ومع أن الفلسطينيين أدانوا هذه الاتفاقيات، فقد أعلن مسؤولون إماراتيون أنهم لن يتخلوا عن الفلسطينيين وأنهم يرغبون في لعب دور أكبر في مساعدتهم على حل النزاع الأكبر. في الحقيقة، نجح الإماراتيون في تعليق الخطط الإسرائيلية لضم 30% من أراضي الضفة الغربية في مقابل موافقتهم على الحزمة الدبلوماسية بأكملها.

اقرأ أيضًا: اتفاقية السلام التاريخي.. من الشعارات إلى الواقعية السياسية

جاء الإعلان الرسمي بعد سنوات من الجهود غير المعلنة لإقامة علاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل تشمل الترحيب بالدبلوماسيين ورجال الأعمال والرياضيين الإسرائيليين. ثم كانت هنالك خطوة وسيطة في العام الماضي تمثلت في دعوة إسرائيل لإقامة جناح لها في معرض دبي إكسبو. وتم تمهيد طريق آخر من خلال التواصل بين الأديان؛ حيث دعت الحكومة الإماراتية إلى التسامح تجاه الدين اليهودي، وشجعت المجتمع اليهودي المحلي على الخروج التدريجي من السرية. وقد تلقيت إشارة من قادة اليهود المحليين في نهاية عام 2018 تفيد أنه أصبح من المقبول أن أكتب عن المجتمع اليهودي. وكشف النقاب عن خطط لإنشاء بيت العائلة الإبراهيمية الضخم؛ وهو مجمع متعدد الأديان يضم مسجداً ومعبداً يهودياً وكنيسة مبنية جنباً إلى جنب.

قبل شهرين فقط سافرت بصفة مراسل إلى واشنطن، وشاهدت بدرجة كبيرة من الدهشة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنجامين نتنياهو، يقف إلى جانب الرئيس دونالد ترامب، ويوقع اتفاقيات إبراهيم في الخامس عشر من سبتمبر مع وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد آل نهيان، ووزير الخارجية البحريني عبداللطيف بن راشد الزياني.

وفي حديقة البيت الأبيض الجنوبية تحدثت إلى سياسيين ورجال أعمال والحاخامات والأئمة والصحفيين الذين كانوا متحمسين للأجواء الجديدة التي أتاحت لهم الاختلاط علانية.

مطاعم دبي بدأت تقديم الكوشير- وكالات

واليوم بدأ الآلاف من الإسرائيليين في حجز رحلات سياحية لزيارة الإمارات العربية المتحدة على متن طائرات خطوط “فلاي دبي” والخطوط الجوية الإسرائيلية. ويأخذ مراسلو التليفزيونات الإماراتية المشاهدين المسلمين في جولات في المعابد اليهودية؛ ليتعرفوا على الحياة اليهودية، ويقدم مطعم “أرماني كافيه” وجبات شيش طاووق كوشير في الطابق الأرضي من برج خليفة.

وإلى جانب التغيرات السياسية والثقافية التي تجري بينما تحتفل الإمارات باليوم الوطني التاسع والأربعين، مثل الحزمة الإصلاحية التي صدرت في نوفمبر الماضي والتي حررت القوانين التي تحكم غير الإماراتيين، تبرز اتفاقيات إبراهيم علامة فارقة. وفي حين ثبت أن الطريق إلى اتفاق إقليمي شامل ما زال طويلاً ومليئاً بالعقبات، فإن جهود الإمارات لبناء علاقات دافئة مع الإسرائيليين والمجتمع اليهودي تعطي لمحة عن كيف يمكن للسلام أن يغير الشرق الأوسط.

♦زميل أول غير مقيم في مركز الأبحاث التخصصي في واشنطن “مجلس الأطلسي”، مقيم في القدس، عمل سابقاً كمراسل لصحيفة “بلومبيرغ”، متخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية.

لقراءة الأصل الإنجليزي: qposts-israel-uae

اقرأ أيضًا: 

1) استقرار الإمارات من منظور خارجي

2) اليوم الوطني 49.. رؤية الشيخ زايد لا تزال حية وفعالة

3) تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة: كيف تحول مشروع بريطاني فاشل إلى قصة نجاح عربيـة

4) العلاقات الإماراتية- الأمريكية في ظل إدارة بايدن

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

جوناثان فيرزيغر

زميل أول غير مقيم في مركز الأبحاث التخصصي في واشنطن “مجلس الأطلسي”، مقيم في القدس، عمل سابقاً كمراسل لصحيفة “بلومبيرغ”، متخصص في الشؤون الإسرائيلية والفلسطينية.

مقالات ذات صلة