الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

من قاعة الحدث.. مذكرات من البيت الأبيض (4)

أردوغان زعم حب الأتراك للأكراد حتى يضمن الانسحاب الأمريكي من سوريا

كيوبوست

نشر مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق؛ جون بولتون، كتاباً بعنوان «من قاعة الحدث: مذكرات من البيت الأبيض»، والذي نشر فيه الكثير من الأمور حول أسرار البيت الأبيض، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكيفية تعامله مع القضايا المختلفة.

وسوف يسعى هذا العرض إلى تقديم أبرز ما ورد في الكتاب حول القضايا المختلفة، مع التركيز على القضايا الشرق أوسطية بصورةٍ أساسية، من دون إغفال بعض المواقف الدولية؛ وذلك بهدف رسم صورة كاملة وتطوير فهم عميق لكيفية تعامل الإدارة الأمريكية مع قضايا المنطقة.

في الأجزاء الثلاثة السابقة، تحدث بولتون عن وجهة نظر ترامب في التعامل مع الأزمة السورية، وطريقة إدارته العلاقات مع إيران وكوريا الشمالية، ولقاءات ترامب مع رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون، والرئيس الفرنسي إيمانول ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية الأمريكية الموقعة على إيران، والأصوات المتعارضة بشأن مدى فاعليتها داخل الإدارة الأمريكية.

اقرأ أيضًا: خبراء: العقوبات الجديدة تزيد القيود على إيران

في الجزء الرابع، يتطرق بولتون إلى أسباب توتر العلاقة بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى الموقف الأمريكي الذي وصفه بالفاشل في الرد على الاستفزازات الإيرانية، والانتهاكات التي قامت بها ضد المصالح الأمريكية في العراق.

كما تطرق إلى التفاهمات التركية- الأمريكية التي جرت حول الانسحاب الأمريكي من سوريا، ودخول القوات التركية، مؤكداً أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، زعم الدعم التركي للأكراد؛ حتى يضمن انسحاب ترامب من سوريا بعد إعلان القرار للرأي العام.

أردوغان وترامب- أرشيف

توتر العلاقة مع حلف شمال الأطلسي

اشتكى ترامب، وفقاً لبولتون، بعد قمة حلف شمال الأطلسي الأولى التي حضرها في عام 2017، من أن العديد من الحلفاء لم يفوا بالتزاماتهم التي تعهدوا بها في عام 2014، والتي تم التوصل إليها بشكل جماعي في كارديف- ويلز، والمتمثلة في إنفاق 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بحلول عام 2024. وكانت ألمانيا بالنسبة إلى ترامب أحد أسوأ المنتهكين لهذا الاتفاق؛ حيث أنفقت نحو 1,2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي فقط على الدفاع، فالحكومة الألمانية تقع تحت ضغط دائم من الاشتراكيين الديمقراطيين واليساريين؛ من أجل إنفاق مبالغ أقل على الدفاع.

وأبدى ترامب، على الرغم من أصل والده الألماني، أو ربما بسبب ذلك، تشدداً بلا هوادة مع ألمانيا حول هذه النقطة. وخلال المشاورات بشأن توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا في أبريل، سأل ترامب ماكرون عن سبب عدم انضمام ألمانيا إلى العملية العسكرية ضد نظام الأسد. وقد كان في الواقع سؤالاً وجيهاً، وكان ترامب مدركاً للإجابة التي تنبع أساساً من اعتبارات السياسة الألمانية الداخلية. ولكن ترامب، وفقاً لبولتون، استمر في انتقاد ألمانيا كشريك “مرهق” في حلف شمال الأطلسي. كما هاجم ترامب خط أنابيب “نورد ستريم 2” مرة أخرى، والذي بموجبه ستدفع ألمانيا لروسيا، الدولة الخصم للناتو، عائدات مالية كبيرة.

اقرأ أيضًا: بعد أزمة كورونا .. هل يتنبه حلف الأطلسي للتهديد الصيني؟

من جانبٍ آخر، وصف ترامب، خلال حملته الانتخابية في عام 2016، حلف شمال الأطلسي، بأنه “عفَّى عليه الزمن”؛ لكنه زعم في أبريل 2017 أنه نجح في إصلاح الحلف فور توليه الحكم. ويرى بولتون أن أحد أكبر إخفاقات ترامب في عام 2017 هو إغفاله عمداً المادة “5”، والتي تتعلق بالدفاع المشترك عن الدول الأعضاء في حالة تعرض إحداها إلى تهديد عسكري، وقد فاجأ ترامب كبار مستشاريه؛ لأنه طلب حذف الإشارة إليها من مسودة خطابه.

وأبدى بولتون تأييده لترامب في مسألة “تقاسم الأعباء”، وأكد أن ترامب كان متفقاً في هذه النقطة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وأخيراً فقد كانت هناك مشكلة في إدارة الحلف؛ وهي المشكلات التي دفعت ترامب في كثير من الأحيان للتعبير عن استيائه من عدم تحقيق الحلفاء زيادة الإنفاق العسكري، أو في بعض الحالات لا يبدو أنهم مكترثون بمحاولة تحقيقه. وأكد بولتون أنه في الواقع، لم ينجح أيٌّ من الرؤساء الأمريكيين السابقين في الضغط على الحلف لكي يصل إلى المستوى المتفق عليه في تقاسم الأعباء في حقبة ما بعد الحرب الباردة.

العلاقات المتوترة مع إيران

هاجمت الميليشيات الشيعية في العراق، المدعومة من إيران، يوم 8 سبتمبر 2018، سفارة الولايات المتحدة في بغداد، والقنصلية الأمريكية في البصرة، كما أطلقت إيران صواريخ ضد أهداف بالقرب من أربيل في إقليم كردستان العراق، وذلك قبل أيام من ذكرى 11 سبتمبر، وهجوم 2012 على مجمع بنغازي الدبلوماسي لا يزال عالقاً في أذهاننا، ويشير بولتون إلى الحاجة إلى التفكير بشكل استراتيجي حول ردنا.

الميليشيات الشيعية في العراق – أرشيف

وبحلول يوم الاثنين، كان أحد الخيارات المطروحة أمام الإدارة هو إصدار بيان يدين دور إيران في الهجمات، وهو ما عارضه ماتيس مجادلاً بأننا لسنا متأكدين تماماً من ارتباط الميليشيات الشيعية بإيران، واستمر تردد الإدارة في اتخاذ قرار، دون أن يتم اتخاذ أي رد فعل عسكري، أو ربما حتى إصدار بيان صحفي رداً على الهجمات على الدبلوماسيين الأمريكيين والمنشآت الأمريكية.

وتساءل بولتون: ما الدرس الذي استخلصته إيران والميليشيات من سلبيتنا الكاملة؟ كما هو متوقع، تجددت التهديدات من قبل الميليشيات الشيعية في غضون أسابيع؛ حيث شُن هجومان صاروخيان آخران على قنصلية البصرة. وقرر بومبيو على الفور إغلاق القنصلية؛ لتجنب كارثة تشبه بنغازي.

وهذه المرة، لم يتمكن ماتيس من إنكار مسؤولية إيران عن هذه الحادثة، ومع ذلك عارض أي عمل عسكري كرد فعل، غير أنه أعرب عن قلقه من أن إغلاق القنصلية سيشير إلى أننا نتراجع عن العراق. ومع ذلك، ففي 28 سبتمبر 2018، أعلن بومبيو إغلاق القنصلية. وأرجع بولتون أحداث صيف 2019، عندما أسقطت إيران الطائرات دون طيار الأمريكية وغيرها من الأعمال الإيرانية العدائية في المنطقة، إلى فشل الإدارة الأمريكية في الرد على الاستفزازات الإيرانية قبل عام.

اقرأ أيضًا: سيناريوهات الرد على التهديدات الإيرانية للقوات الأمريكية في العراق

الانسحاب من سوريا وأفغانستان

عبَّر بولتون عن اعتقاده بأن حرب الإرهابيين الإسلاميين ضد الولايات المتحدة بدأت قبل 11 سبتمبر بوقتٍ طويل، وستستمر بعد ذلك بوقت طويل كذلك، مؤكداً أنه سواء أحب ترامب هذه الحقيقة أم لا، فإن هذا هو الواقع، غير أن ترامب لم يعجبه ذلك، وعارض ما سمَّاه “الحروب التي لا نهاية لها” في الشرق الأوسط. لكن في المقابل، لم تكن لديه خطة متماسكة لما بعد انسحاب القوات الأمريكية والتخلي فعلياً عن عدد من الحلفاء الإقليميين الرئيسيين أثناء عملية الانسحاب.

وساورت الإدارة الأمريكية مخاوف من قيام الرئيس السوري بشار الأسد، بالتخطيط لشن هجوم ضد محافظة إدلب. ووفقاً لبولتون، فإنه من شبه المؤكد أن روسيا وإيران ستساعدان الأسد، بما يرتبه ذلك من حدوث فوضى، وإطلاق تدفقات هائلة من اللاجئين من سوريا إلى تركيا، جنباً إلى جنب مع هروب الآلاف من الإرهابيين، والذين سيتوجهون في النهاية إلى أوروبا، وجهة الإرهابيين المفضلة.

وأبدى الأوروبيون انزعاجاً مجدداً، ليس من إمكانية شن الأسد هجوماً على إدلب، ولكن من هجوم تركي محتمل على شمال شرق سوريا، وهي المنطقة التي تقع شرق نهر الفرات، جنوب تركيا، وغرب العراق، والتي تقع، إلى حد كبير، تحت سيطرة المعارضة السورية، ويهيمن عليها المقاتلون الأكراد، كما تم نشر عدة آلاف من القوات الأمريكية والقوات المتحالفة معها؛ للمساعدة في الهجوم المستمر ضد تنظيم داعش.

عناصر تابعة لتنظيم داعش الإرهابي – أرشيف

ويزعم أردوغان أنه مهتم بتدمير دولة الخلافة التي أعلنها “داعش”، ويحاول أن يستغل ذلك لتبرير تدخله العسكري، غير أن عدوه الحقيقي كان أكراد سوريا، الذين اعتقد أنهم متحالفون مع حزب العمال الكردستاني التركي. دعمت أمريكا منذ فترة طويلة الجهود الكردية؛ من أجل الحصول على حكم ذاتي موسع، أو حتى الاستقلال عن العراق، غير أن إقامة دولة كردية سوف تتطلب، وفقاً لبولتون، تعديلات حدودية لدول المنطقة. كان الأمر معقداً، ولكن ما لم يكن معقداً، ويمكن التضحية به، هو ولاء الأكراد للولايات المتحدة الذين قاتلوا معها ضد “داعش”، ورأى بولتون أن التخلي عنهم لن يمثل خيانة فحسب؛ بل ستكون له عواقب سلبية شديدة على أية محاولة مستقبلية للولايات المتحدة لتجنيد حلفاء لواشنطن.

في مكالمةٍ هاتفية، جمعت بين ترامب وأردوغان، حول الأزمة السورية، أبدى أردوغان انزعاجه من السياسة الأمريكية في المنطقة، واختلاف أقوال الإدارة عن أفعال الجيش الأمريكي، والذي كان يقوم بتدريب نحو 30- 40 ألف كردي سوري. وأكد أردوغان لترامب أن تركيا ترغب في التخلص من “داعش” وحزب العمال الكردستاني، في نفس الوقت.

اقرأ أيضًا: تركيا والدواعش.. الطريق إلى “دولة الخلافة”

وقال ترامب إنه مستعد لمغادرة سوريا، إذا تولت تركيا أمر القضاء على فلول “داعش”. ووعد أردوغان بالقيام بذلك، وقال ترامب إنه سيطلب من بولتون، والذي كان يستمع إلى المكالمة، كما جرَت العادة، العمل على الفور على خطة للانسحاب الأمريكي، مع تولي تركيا المعركة ضد “داعش”. وشكر أردوغان ترامب، ووصفه بأنه زعيم عملي للغاية.

وبعد ذلك بوقتٍ قصير، تحدث ترامب إلى بولتون، وأبلغه أنه يجب علينا صياغة بيان أننا فزنا في القتال ضد “داعش”، وأكملنا مهمتنا في سوريا، ونحن الآن ننسحب. ويرى بولتون أن ترامب استغل الحديث مع أردوغان للانسحاب من سوريا، لتنفيذ أحد وعوده الانتخابية. ويروي بولتون أنه اتصل بماتيس بعد ذلك بوقت قصير؛ لإطلاعه على ما قال ترامب، ولم يكن مسروراً.

واتصل الرئيس الفرنسي ماكرون بالرئيس ترامب، وحاول إقناعه بالعدول عن الانسحاب، غير أنه رفض، مؤكداً أن تركيا سوف تتولى هزيمة “داعش”، غير أن ماكرون أكد له أن أنقرة سوف تحارب الأكراد، وتدخل في مساومات مع معتقلي “داعش”، ووعده ترامب حينها بإعادة التفكير في القرار، والتواصل مع الحلفاء حول هذا الأمر، وأبلغ السفير الإسرائيلي إلى الولايات المتحدة رون ديرمر، بولتون، أن هذا أسوأ يوم مر عليه طوال حكم إدارة ترامب.

ماكرون وترامب – وكالات

واتفقت الإدارة على عدم وضع جدول زمني للانسحاب، وكان رد فعل وسائل الإعلام عنيفاً، وأدرك ترامب ما ينتظره في حالة قرر الانسحاب من أفغانستان، واتصل ترامب، وفقاً لبولتون، مجدداً بأردوغان، وطلب منه أمرين؛ أولهما أن يتخلص أردوغان من “داعش”، وأن واشنطن ستقدم له المساعدة إذا احتاجت إليها تركيا. وثانيهما، طلب ترامب من أردوغان عدم ملاحقة الأكراد أو قتلهم، مشيراً إلى أن الكثير من الناس في أمريكا أحبوهم لقتالهم معنا لسنوات ضد “داعش”. واضطر أردوغان أن يزعم أنه يحب الأكراد؛ ولكنه أشار إلى أن حزب العمال الكردستاني، وحزب الحياة الحرة الكردستاني (أكراد إيران)، والحزب الديمقراطي الكردستاني (أكراد سوريا)، يفسدون الأكراد، ولا يمثلونهم، كما زعم أردوغان أن الأكراد يحبونه، وأنه لا يرغب في قتال أي كردي، سوى الإرهابيين منهم.

واقترح بولتون على ترامب أن يترك مسألة تحديد مَن هو الإرهابي من الأكراد للمحادثات بين جيشي البلدين، وهدف بذلك إلى إطالة أمد المحادثات؛ إذ إنه يدرك جيداً أن الجيشين الأمريكي والتركي لن يتوصلا أبداً إلى تفاهم حول ذلك الأمر.

لقراءة الحلقات السابقة:

من قاعة الحدث.. مذكرات من البيت الأبيض (1)

من قاعة الحدث.. مذكرات من البيت الأبيض (2)

من قاعة الحدث.. مذكرات من البيت الأبيض (3)

عنوان الكتاب: «من قاعة الحدث: مذكرات من البيت الأبيض».

اسم الكاتب: جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي.

دار النشر: سيمون آند شوستر.

سنة النشر: 2020

 اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة