الواجهة الرئيسيةرفوف المكتبةشؤون دولية

من قاعة الحدث.. مذكرات من البيت الأبيض (2)

ترامب أراد التواصل مباشرة مع الإيرانيين.. وطهران لم تهتم برسائله

كيوبوست

نشر مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق جون بولتون، كتاباً بعنوان “من قاعة الحدث: مذكرات من البيت الأبيض”، والذي نشر فيه الكثير من الأمور حول أسرار البيت الأبيض والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكيفية تعامله مع القضايا المختلفة.

وسوف يسعى هذا العرض إلى تقديم أبرز ما ورد في الكتاب حول القضايا المختلفة، مع التركيز على القضايا الشرق أوسطية بصورة أساسية، من دون إغفال بعض المواقف الدولية؛ وذلك بهدف رسم صورة كاملة وتطوير فهم عميق لكيفية تعامل الإدارة الأمريكية مع قضايا المنطقة.

في الجزء الأول تطرق بولتون إلى موقف ترامب من الأزمة السورية واللقاء الذي جمع بين ترامب وبوتين في هلسنكي، والتفاصيل التي ناقشها الطرفان وشهدت سجالات امتدت إلى أكثر من 90 دقيقة، بالإضافة إلى بداية التطرق إلى الملف النووي الإيراني وآلية إدارته داخل البيت الأبيض، وكواليس القرار الأمريكي بالانسحاب من الاتفاق النووي، وآلية إبلاغ حلفاء واشنطن بالقرار.

ترامب وبوتين في هلسنكي – أرشيف

في الجزء الثاني يستمر بولتون في الحديث عن قرارات الرئيس الأمريكي تجاه إيران، وكيف أدار أزمة قيامها بأعمال إرهابية، بالإضافة إلى تفاصيل زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى طهران، والرسائل التي حملها من ترامب خلالها؛ خصوصاً مع رغبة الرئيس الأمريكي في الحديث مع الإيرانيين، وهي الرغبة التي تجاهلت طهران الرد عليها.

العقوبات على إيران

يتطرق بولتون إلى معارضة بعض مسؤولي الإدارة الأمريكية منطق العقوبات، وأشار إلى وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، الذي جادل بأن الاستخدام المستمر للعقوبات والضغوط التي تفرضها واشنطن على النظام المالي الدولي، سيؤدي مع مرور الوقت إلى إضعاف هذه الأدوات؛ حيث ستسعى الدول المتأثرة بالعقوبات إلى التهرب منها. كما جادل منوشين أيضاً بأن استخدام الوصول إلى النظام المالي الأمريكي كإحدى أدوات الضغط الرئيسية من شأنه أن يقوِّض وضع الدولار كعملة احتياط في العالم ويشجع الآخرين؛ مثل روسيا والصين، على إجراء المعاملات التجارية باليورو، أو من خلال التجارة بالعملات المحلية، وغيرها من التقنيات.

ويرى بولتون أنه من المسلم به أن البلدان ستحاول التهرب من العقوبات؛ ولكنه أرجع السبب الحقيقي وراء عدم نجاحها بالقدر الذي كان يمكن أن يكون، ليس إلى استخدامها بشكل متكرر؛ ولكن إلى استخدامها بشكل غير فعال من جانب إدارتَي ترامب وأوباما.

اقرأ أيضًا: أسوشيتد برس: هكذا ستتضرر ميليشيات إيران في المنطقة بفعل العقوبات الأمريكية

وأشار بولتون إلى أن الطريقة الصحيحة لفرض العقوبات هي القيام بذلك بسرعة وبشكل غير متوقع، فضلاً عن جعلها عقوبات واسعة وشاملة وليست مجزأة؛ وأخيراً إنفاذها بصرامة وبكل الأساليب المتاحة؛ بما في ذلك استخدام القوة العسكرية لاعتراض التجارة غير المشروعة إذا لزم الأمر. وكانت هذه هي الصيغة التي استخدمتها إدارة بوش رقم 41 فور غزو صدام حسين للكويت في أغسطس 1990، وكان لها أثر مدمر على العراق.

ويرى بولتون أن إحدى الثغرات الموجودة في العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران هي الإعفاءات النفطية الممنوحة لثماني دول؛ وهي تايوان، والصين، والهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، وإيطاليا، واليونان، وتركيا. وأشار بولتون إلى أنه عندما بدأ سريان العقوبات في نوفمبر 2018، بعد ستة أشهر من انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، سرعان ما أوقفت تايوان واليونان وإيطاليا مشتريات النفط الإيراني. وسعى مَن يصفهم بولتون بأنهم بيروقراطيو الولايات المتحدة، لسرد أسبابٍ لا حصر لها لتمديد الإعفاءات للدول الأخرى، التي لا تزال تشتري النفط الإيراني.

جون بولتون وترامب – وكالات

وأشار بولتون إلى الهند، والتي مثلها مثل الدول الأخرى، كانت تشتري النفط الإيراني بأسعار أقل بكثير من السوق العالمية؛ لأن إيران كانت يائسة للغاية للحصول على إيرادات من عائداتها النفطية، واشتكت الهند من أنها ستعاني اقتصادياً من العقوبات الأمريكية؛ ليس فقط بسبب الاضطرار إلى إيجاد موردين جدد، ولكن أيضاً لأن الدول البديلة سوف تصر على بيع النفط بأسعار السوق السائدة، ويرى بولتون أن موقف الهند كان مفهوماً؛ ولكن كان من غير المفهوم أن البيروقراطيين الأمريكيين كانوا يدافعون عن موقفها بتعاطف. وكان بومبيو متذبذباً؛ إذ شكك في أن الدول العربية المنتجة للنفط ستفي بالفعل بوعودها وتزيد الإنتاج لتعويض “خسارة” الأسواق للنفط الإيراني، وهو ما كان سيتسبب في ارتفاع أسعار النفط العالمية.

ويروي بولتون أن ترامب لم يكن متعاطفاً مع هذه المواقف؛ ففي مكالمة هاتفية مع بومبيو، لم يبد ترامب أي تعاطف مع مطالبة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بتمديد الإعفاءات لشراء النفط الإيراني، قائلاً: “سيكون بخير”، ويروي بولتون محادثة مماثلة تعكس عدم مبالاة ترامب بتأثير إلغاء الإعفاءات على الحلفاء.

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي – أرشيف

وأشار بولتون في هذا الإطار إلى رحلة أحد القادة الأجانب إلى واشنطن، وكان من المتوقع أن يطلب من ترامب تمديد الإعفاءات، وكان لدى ترامب رد فعل جاهز؛ حيث قال: “افعل ذلك قبل أن يصل إلى هنا”، في إشارة إلى تطبيق قرار إلغاء الإعفاءات، قبل قدوم رئيس الدولة الأجنبية للقاء ترامب، وبعد ذلك أضاف ترامب، عندما التقاه، “سأقول إنني لا أعرف شيئاً عن ذلك الأمر”. كما طالب مسؤولي الإدارة بأن يفعلوا ذلك في وقت مبكر من الأسبوع؛ أي قبل ميعاد قدوم الرئيس الأجنبي بفترة زمنية معقولة.

بنيامين نتنياهو – أرشيف

ويري بولتون أن ترامب غالباً ما يشتكي من أن الناس في جميع أنحاء العالم أرادوا التحدث إليه؛ ولكن بطريقة ما لم يتمكنوا من الوصول إليه. لذلك ليس من المستغرب أن يبدأ في النهاية في التفكير في فتح المناقشات مع إيران. وما دفعه لذلك، وفقاً لبولتون، هو حديث وزير خارجية ذلك البلد، جواد ظريف، في سلسلة من المقابلات في نيويورك، والتي أكد فيها أن ترامب يريد التحدث مع إيران؛ لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، يمنعان ذلك.

سمو ولي العهد السعودي محمد بن سلمان – وكالات

واستخدم زعيم كوريا الشمالية هذه الحيلة من قبل، وفقاً لبولتون؛ حيث يسعى من ذلك إلى محاولة إيهام ترامب بأن لقاءً شخصياً بينهما سوف يحل كل المشكلات. غير أنهم في الواقع، وفقاً لتقدير بولتون، كانوا يهدفون إلى الحصول على تنازلات أفضل من ترامب، بدلاً من الجلوس مع مستشاريه، والذين سيدخلون معهم في مفاوضات تفصيلية، تحجم من مكاسبهم المحتملة.

ويروي بولتون أنه في 30 أبريل، وفي مكالمة هاتفية مع الرئيس الفرنسي ماكرون، أثار ترامب فكرة الحديث مع إيران بشكل مباشر، وشجع ماكرون ذلك التوجه، والذي كان يدافع عن الاتفاق النووي الإيراني. ويرى بولتون أن ترامب، كانت الوحيد تقريباً بين قادة العالم الذي كان يرى أن عرض إجراء محادثات مع خصوم الولايات المتحدة لا يضعف موقفها، وذلك على الرغم من أن الآخرين، الأصدقاء والأعداء على حد سواء، يرونها كذلك. لم يستطع ترامب أن يوقف نفسه، فقد كان يردد: “أنا متحدث، أحب التحدث”، كما لو أنها تمثل استراتيجية كبرى بالنسبة إليه.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون – أرشيف

وجاء توقيت عرض هذه المحادثات مع إيران متزامناً مع تصعيدها بشكل هائل ضد المصالح الأمريكية في المنطقة؛ عبر دعم التنظيمات الإرهابية، وفقاً لبولتون، وذلك في إطار الاستراتيجية الإيرانية “المقاومة القصوى”؛ للرد على استراتيجية ترامب “العقوبات القصوى”، ولذلك كان عرض الاتصال مع إيران في هذا التوقيت يمثل رسالة لطهران بأن سياستهم في الضغط على الولايات المتحدة ناجحة.

وأشار بولتون إلى قيام روحاني بالتهديد بانتهاك بنود الاتفاق النووي، والتي يتمثل أبرزها في رفع معدلات تخصيب اليورانيوم، وتشغيل مفاعل آراك؛ وهي كلها مؤشرات على أن إيران تسعى لتسريع جهودها لإنتاج قنبلة نووية. وعلى الرغم من أن الأوروبيين بدؤوا يتنبهون إلى ذلك، ويرفضون تصريحات روحاني؛ فإنهم لم يتخذوا أية خطوة عملية ضد إيران.

حسن روحاني – أرشيف

ويرى بولتون أن ماتيس لم يكن جدياً في مواجهة البرنامج النووي الإيراني، عبر الأخذ في الاعتبار إمكانية اللجوء إلى القوة العسكرية. ويشير بولتون إلى أن جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان الأمريكية، شدد على أن إيران لا تعتقد أننا سنرد على الهجمات التي تخطط لها، غير أن ترامب قاطعه على الفور، مؤكداً “إنهم لا يفهموننا جيداً”، وأضاف ترامب: تحدثنا عن مختلف الخيارات العسكرية وغيرها، وبالتأكيد بما فيه الكفاية. وخلال نفس اللقاء، أكد ترامب ضرورة أن تكون وزارة الدفاع مستعدة لتدمير بعض المواقع الإيرانية، ولم يعطِ ترامب تفويضاً مطلقاً لوزارة الدفاع؛ ولكنه عاد ليؤكد أنه يريد من الحلفاء العرب دفع ثمن ذلك، وهو موضوع مألوف بالنسبة إلى ترامب. ويمثل موقف دانفورد وتجاوبه مع ترامب تغييراً كبيراً مقارنةً بموقف وزير الدفاع السابق ماتيس.

وفي 12 مايو 2019، تعرضت ناقلة نفط بالقرب من مضيق هرمز أمام شاطئ الفجيرة بدولة الإمارات العربية المتحدة، إلى الاستهداف وكانت مشتعلة. واتصل دانفورد ببولتون، وأكد له أن ناقلة واحدة مشتعلة، ولا يبدو أن أياً منها مملوكة أو مسجلة لشركة أمريكية. وتساءل بولتون عما إذا كانت إيران تختبر الولايات المتحدة عمداً بمهاجمة أصول غير أمريكية. وقال دانفورد إنه يعتقد أن ذلك هو بالتأكيد جزء من استراتيجية إيران، غير أنه كان من المبكر الوصول إلى تقييمات نهائية، في ظل معلومات غير مكتملة، ولكنَّ حدثاً كبيراً كان بلا شك يتكشف.

اقرأ أيضًا: كيف يمكن أن تكون الحرب الأمريكية- الإيرانية؟

وكانت إحدى السفن المستهدفة نرويجية، بالإضافة إلى سفينتَين سعوديتَين وسفينة إماراتية، وكانت الهجمات إما من قِبل الضفادع البشرية الذين لصقوا ألغاماً بجسم الناقلات، وإما -ربما- صواريخ قصيرة المدى أطلقت من زوارق بحرية صغيرة. وبحلول نهاية يوم الأحد، بدا خيار الضفادع البشرية الاحتمال الأكثر قابلية للواقع، وقد تم تأكيده في الأيام اللاحقة من قِبل قوات العمليات الخاصة الأمريكية.

وأيقظ بولتون ترامب في الساعة السادسة والربع صباحاً، وأبلغه بما جرى، وسأله ترامب: “ماذا علينا أن نفعل؟”، فقلت له علينا أن نستمر في جمع المعلومات، وسنكون متيقظين لهجماتٍ أخرى محتملة، ونبدأ في التفكير في شكل الرد العسكري. وسأله ترامب “ولكن لماذا لم نعرف عن هذا الحدث قبل وقوعه؟” سأل، ولا يزال يعتقد على ما يبدو أننا نعرف كل شيء. وشرح بولتون لترامب، كما فعل عدة مرات من قبل، أننا لسنا عالمين بكل شيء، وأنني سأبقيه على اطلاع بأي مستجدات.

وأشار بولتون إلى أنه ووزارة الدفاع كانوا قلقين بشأن قيام إيران بشن مزيد من الهجمات؛ خصوصاً ضد سفاراتنا وقنصلياتنا في الخارج. واتصل بولتون بترامب مرة أخرى بعد الظهر بقليل، لإطلاعه بأحدث المعلومات حول الحادثة. وبحلول ذلك الوقت، كان ترامب يتجه للاعتقاد بأنه لم يكن هناك أي هجومٍ على الإطلاق؛ لذا حاولت أن أشرح بشكل كامل كل ما لدينا من معلومات.

اقرأ أيضًا: ما بعد داعش: أمريكا وإيران والصراع على الشرق الأوسط

وأشار بولتون إلى أنه في الساعة 4:45 مساءً، مرر دانفورد تقييم البنتاجون بأن الأضرار التي لحقت بالناقلات الأربع كانت خفيفة، وأن وزارة الدفاع سوف ترسل فريقاً إلى الفجيرة في اليوم التالي؛ لتقييم الأضرار، وذلك بدعوة من الإمارات العربية المتحدة.

واتصلت بترامب للمرة الأخيرة في 5:15 في ذلك اليوم، لإطلاعه على ما كنا نعرفه ونشاهده، بالإضافة إلى إبلاغه بأنه لا ينبغي لنا أن نقول شيئاً علنياً حتى نعرف المزيد. وأجابه ترامب بالقول: “نعم”، “لا تقل أي شيء”. وأشار بولتون إلى أن ترامب أراد من عرب الخليج أن يدفعوا تكاليف أية عمليات نقوم بها، ومؤكداً مرة أخرى أنه كان يجب أن نأخذ نفط العراق بعد غزوه في عام 2003. وفي نهاية المكالمة، قال “شكراً جون، إلى اللقاء”. وهو ما يشير، وفقاً لبولتون، إلى أنه كان راضياً عن مكالمته معه.

وفي اليوم التالي، سأل ترامب “لماذا لا يتحدثون (في إشارة إلى الإيرانيين)؟”؛ إذ إن ترامب كان يرفض فكرة أنهم لا يريدون التحدث، ولا يزال يعتقد أن بولتون وبومبيو يعرقلان أية محاولة من قِبلهم للتحدث معه. غير أنه في الواقع لم تكن طهران مهتمة بالتحدث معنا. وكان ترامب أكثر تشدداً من ذي قبل؛ حيث أراد أن تتحمل الدول العربية المنتجة للنفط “التكلفة الكاملة” لأي شيء نقوم به. وبعد مناقشة المخاطر المحتملة التي قد تتعرض لها القوات الأمريكية في العراق، قال ترامب: “اتصل بومبيو وأخبره أن يتذكر بنغازي”. من ناحيةٍ أخرى، كان ترامب واضحاً، وفقاً لبولتون؛ إذ كان يريد ردَّ فعلٍ قوياً جداً إذا قتل الأمريكيون، وهو أمر أكبر بكثير من مجرد “الانتقام” مما قاموا به.

لقراءة الحلقة الأولى: اضغط هنا

عنوان الكتاب: «من قاعة الحدث: مذكرات من البيت الأبيض».

اسم الكاتب: جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأمريكي.

دار النشر: سيمون آند شوستر.

سنة النشر: 2020

 اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة