الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
من النفط إلى الماس.. تجارة الجماعات الإرهابية تدق ناقوس الخطر
أهم الطرق لمكافحة الإرهاب العالمي تكمن في استهداف المؤسسات المالية التي يعتمد عليها الإرهابيون في التمويل

كيوبوست- منير بن وبر
عقدت لجنةُ مكافحة الإرهاب، التابعة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ندوة عبر الإنترنت، وأثارت خلالها الاتجاه “المقلق” لتطور وتنوع أدوات تمويل الجماعات الإرهابية لأنشطتها. وسلطت الندوة الضوءَ على بعض الأدوات التي تستخدمها تلك الجماعات، ومنها الاستفادة من الموارد الطبيعية، مثل الماس والذهب والنفط والأسماك، بل وحتى الماشية.
يعطي التقرير ملخصاً أكثر فهماً لاستراتيجيات واتجاهات الجماعات الإرهابية. ومع ذلك، فهناك حاجة متزايدة لإجراء المزيد من البحوث، وجمع المعلومات، في هذا الصدد. المال شريان الحياة للإرهاب، وهو مشكلة عالمية تؤثر على البلدان في جميع أنحاء العالم.
اقرأ أيضاً: مستقبل “مالي” بين مطرقة الجهاديين وسندان فاغنر
هناك عددٌ من الطرق التي يمكن للدول من خلالها مكافحة تمويل الإرهاب. ويشمل ذلك تجميد الأصول، وتعطيل الشبكات المالية، وتجريم تقديم الدعم المالي للجماعات الإرهابية. لكن من المهم أيضاً فهم التقنيات الحديثة التي يستخدمها الارهابيون لتمويل أنشطتهم، مثل استخدام العملات الرقمية، وهذا ما يجعل مكافحة تمويل الإرهاب مهمة منوطة بجميع الدول لتبادل الخبرات والمعلومات.
كيف تحصل الجماعات الإرهابية على التمويل؟
يتيح تمويل الإرهاب للجماعات الإرهابية القيام بأنشطتها، وتحقيق أهدافها. كما يسمح لهم بتوسيع عملياتهم، وتجنيد أعضاء جدد، وشراء الأسلحة، والإمدادات الأخرى؛ هذا يجعل الجماعات الإرهابية أكثر ارتباطاً بالمزيد من الأطراف، بما في ذلك جماعات الجريمة المنظمة، وشبكات التهريب، بل وحتى الدول.
بشكلٍ عام يمكن أن يأتي تمويل الإرهاب من مجموعةٍ متنوعة من المصادر، بما في ذلك التبرعاتُ من الأفراد والشركات والجمعيات الخيرية، وعائدات الأنشطة الإجرامية، والأموال الحكومية. في كثيرٍ من الحالات، تمكنتِ الجماعات الإرهابية من جمع مبالغ كبيرة من خلال هذه المصادر.

أوضحت لجنة مكافحة الإرهاب التابعة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ندوتها مؤخراً المزيدَ من التفاصيل حول بعض تلك المصادر. قال مدير اللجنة، ديفيد شاريا، إن الجماعات الإرهابية تستغل الموارد الطبيعية، مثل النفط والأخشاب والكاكاو والأسماك والماس. وضرب مثالاً بداعش في سوريا والعراق، حيث استفادت الجماعة من إنتاج النفط والغاز الطبيعي، ولا تزال الاحتياطيات النقدية من هذه الأنشطة -على الأرجح- متاحة للتنظيم، بحسب ديفيد شاريا.
أشار ديفيد أيضاً إلى أن سرقة الماشية، وتهريب الأخشاب والكاكاو، وتعدين الذهب، من وسائل جماعة بوكو حرام لتمويل نشاطها في غرب إفريقيا، كما أن تعدين الذهب، بالذات، يعد مصدر دخلٍ مهماً لداعش في إفريقيا.
اقرأ أيضاً: ترحيب دولي بانضمام الإمارات إلى جهود مكافحة الإرهاب في إفريقيا
وفي سوريا وليبيا، تسعى داعش للسيطرة على النفط والغاز، بحسب تشانيا لاكي، منسقة البرامج الإقليمية في المركز العالمي للأمن التعاوني، وإن كانت قدرة داعش على السيطرة على النفط في ليبيا أقل مما هي عليه سوريا، إلا أن الجماعة الليبية أوجدت سبلاً أخرى، منها الاستفادة من الأراضي الليبية في عمليات التهريب عبر البلاد.
أساليب متطورة وشبكات معقدة
أفاد تقرير للأمم المتحدة حول تمويل الإرهاب بأن الدول الأعضاء يساورها “قلق متزايد بشأن إساءة استخدام الإرهابيين للإنترنت وغيرها من التقنيات الحديثة لجمع الأموال ونقلها، بما في ذلك من خلال العملات الافتراضية”. يعني هذا أن على الدول ليس فقط منع وقمع الإرهاب، وتمويل الإرهاب، بل أيضاً إجراء البحوث وجمع المعلومات ومشاركتها من أجل فهم أفضل لطبيعة ونطاق الروابط التي قد توجد بين الإرهاب، والجريمة المنظمة، والوسائل التقنية الحديثة.

تشير التقارير الحديثة إلى تزايد المخاطر -خلال السنوات الأخيرة- الناتجة عن عمليات تمويل الإرهاب المرتبطة بالتكنولوجيات الجديدة، بما في ذلك المدفوعات عبر الهاتف المحمول، والأصول الافتراضية، وأنظمة الدفع عبر الإنترنت، ومنصات التمويل الجماعي. وبالرغم من أهمية التركيز على الوسائل التقنية الحديثة في تمويل الإرهاب، فإن ذلك لا يعني أبداً تجاهل، أو التقليل من أهمية، الوسائل التقليدية الأخرى.
يمكن للمجموعات الإرهابية الحصول على التمويل من خلال العديد من الطرق، من أكثر تلك الطرق شيوعاً التبرعات، الأنشطة الإجرامية، الدول الراعية، المنظمات والشركات الواجهة، والجمعيات الخيرية.
ربما تكون التبرعات من أشهر طرق تمويل الجماعات الإرهابية، ويمكن أن تأتي من الأفراد أو الشركات أو حتى المنظمات الأخرى. كما أن العديد من الجماعات الإرهابية تحصل على التمويل اللازم بوسائل إجرامية، مثل التهريب والابتزاز والاختطاف، وحتى الاتجار بالمخدرات.
اقرأ أيضاً: الإمارات ومكافحة الإرهاب داخل وخارج الوطن
ترعى بعض الدول الإرهاب أيضاً، ففي بعض الحالات، تتلقى الجماعات الإرهابية تمويلاً من الدول أو المتنفذين فيها أو أمراء الحرب الذين تربطهم علاقات بالمسؤولين الحكوميين. غالباً ما يتم التمويل من خلال مبيعات أو هِبات الأسلحة أو غير ذلك من أشكال الدعم المالي.
كما يمكن أن تمول الجمعيات الخيرية والمنظمات الإغاثية الجماعات الإرهابية عن قصد أو عن غير قصد. في كثير من الحالات -كما تدافع المنظمات عن نفسها- يصعب معرفة نوايا المجتمعات أو الجماعات المختلفة في مناطق الصراع أو المناطق المنكوبة.
إضافة إلى كل ذلك، فقد تنشئ الجماعات الإرهابية منظمات أو شركات واجهة لنقل الأموال. قد تبدو هذه المنظمات كأنها أعمال تجارية أو جمعيات خيرية مشروعة، لكن غرضها الحقيقي هو تمويل الإرهاب.
الدولة الإسلامية إفريقيا كمثال
أفاد تقرير صادر عن مجلس الأمن أن الجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية تحصل على دعمٍ مالي من أنصارها في جنوب إفريقيا. وبحسب التقرير، فإن أفراداً من أوغندا وكينيا يولدون ثروة في دولٍ من بينها جنوب إفريقيا، ويغسلون العائدات لجماعة متمردة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، تبايع تنظيم الدولة الإسلامية.

ويشير التقرير أيضاً إلى أن هذه الجماعة، التي تسمي نفسها “قوات الحلفاء الديمقراطية”، تتلقى أموالاً أيضا من رجال أعمال أوغنديين. كما أكد التقرير أن قدرة قيادة الدولة الإسلامية على السيطرة وتوجيه تدفقات التمويل إلى الفروع العالمية لا تزال صامدة، وهي توجه تركيزها الدعائي حالياً إلى الجماعات التي تعهدت لها بالولاء، بما في ذلك تلك الموجودة في أفغانستان وإفريقيا.
وكما ورد في التقرير أيضاً، يتم تمويل الفروع الإفريقية من خلال مكتب المجموعة في الصومال. ويظهر المثال السابق، والتقارير الأخرى، أهمية الجمع بين الأساليب القديمة والحديثة، وجمع وتبادل المعلومات لمكافحة تمويل الإرهاب.
هناك عددٌ من الطرق لمكافحة تمويل الإرهاب العالمي، من أهمها استهداف المؤسسات المالية التي يعتمد عليها الإرهابيون في التمويل. وهذا يشمل البنوك ومقرضي الأموال والشركات الأخرى التي تقدم خدمات أساسية للمنظمات الإرهابية.
كما ينبغي على الدول أيضاً تشديد اللوائح الخاصة بالمؤسسات الخيرية وغيرها من المنظمات غير الربحية. ومن المهم -بلا شك- ملاحقة الأفراد المسؤولين مباشرة عن تقديم الدعم المالي للجماعات الإرهابية. ويشمل ذلك تجميد أصولهم وملاحقة داعميهم الماليين من خلال القنوات القانونية.
اقرأ أيضاً: القاعدة في ساحل إفريقيا تهدد بانفجار الأوضاع: الجماعات الإرهابية تتوحد!
لا شك أن مكافحة تمويل الإرهاب ضرورة لحماية المجتمع العالمي من خطرها؛ فمن خلال تجفيف المنابع المالية يمكن الحدُّ من قدرة تلك الجماعات على شن الهجمات وشراء الأسلحة، ودفع تكاليف التدريب والتشغيل.
كما أن عواقب تمويل الإرهاب تشمل تهديد سلامة واستقرار النظام المالي والاقتصاد بشكلٍ عام؛ إذ يمكن أن تتسبب في التأثير على نزاهة واستقرار المؤسسات والنظم المالية، وتثبيط الاستثمار الأجنبي، وتشويه التدفقات الرأسمالية الدولية، واستنزاف الموارد بعيداً عن الأنشطة الاقتصادية الأكثر إنتاجية؛ مما يتسبب في زعزعة الاستقرار، ليس في الدول المتأثرة فقط، بل أيضاً في الدول المجاورة والمجتمع الدولي ككل.
أخيراً، من الأهمية بمكان تعاون المجتمع الدولي من أجل مكافحة تمويل الإرهاب، من خلال هذا التعاون، يمكن إرسال رسالة مفادها أن العالم متحد ضد الإرهاب، وأن الدول التي تنشد الرخاء والازدهار لشعوبها لن تتسامح مع من يموله.