الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
من المستفيد من المواجهة مع الصين؟

كيوبوست- ترجمات
أصبحت المواجهة المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين تشكِّل تحولاً مهماً في السياسات الخارجية الأمريكية، وتستدعي الكثير من التدقيق والنقاش؛ فعلى مدى ما يقارب الخمسين عاماً، حاولت الولايات المتحدة إعادة تشكيل الصين، من خلال المشاركة الاقتصادية والدبلوماسية، وعندما تولت إدارة ترامب السلطة، تحولت هذه السياسة إلى فك الارتباط الاقتصادي والدبلوماسي.
لكن إدارة بايدن تخلت عن فكرة تغيير الصين، وتحرك البيت الأبيض باتجاه الحد من العلاقات الاقتصادية مع الصين، والحد من وصول الصين إلى التكنولوجيا ذات الاستخدامات العسكرية. وفي الأشهر الأخيرة، قيدت الولايات المتحدة صادرات أشباه الموصلات إلى الصين، كما تسعى الإدارة إلى فرض قيودٍ جديدة على الاستثمارات الأمريكية في الشركات الصينية.

علاوة على ذلك، تلقى سياسة التعامل مع الصين باعتبارها تهديداً متزايداً دعماً واسعاً، بما في ذلك الدعم من كبار الجمهوريين، والعديد من المؤسسات العسكرية، ومؤسسات السياسة الخارجية، وقسم متزايد من مجتمع الأعمال.
اقرأ أيضاً: مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة والصين: تعاونية أم تصادمية؟
لا شك أن سياسة الانفتاح على الصين لم تؤتِ الثمار التي كان يتوقعها أنصارها، ولم يثبت تبني الصين للرأسمالية أنه كان بمثابة خطوة أولى نحو تحرير مجتمعها أو نظامها السياسي. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة محقة في مواصلة الضغط على قيادة الصين بشأن القضايا الخلافية، مثل قضية قمع المسلمين الإيغور، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية.
كما أن الصين تبدي المزيد من الاستفزازات، وتصعد استعراض عضلاتها العسكرية في بحر الصين الجنوبي، ومضيق تايوان، ناهيك عن التقارير التي تشير إلى أن الصين تدرس إمكانية تقديم مساعدة عسكرية لروسيا.
ولكن على الرغم من كل ذلك، فإن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين تستمر في تحقيق فوائد اقتصادية كبيرة لكلا البلدين ولبقية العالم. وبالنظر إلى أن البلدين مرتبطان ببعضهما بعضاً من خلال ملايين التعاملات الطبيعية والسلمية كل يوم؛ فهنالك حافز كبير للحفاظ على تلك الروابط، وكذلك الحفاظ على أسس العمل المشترك من أجل حل المشكلات المشتركة، مثل تغير المناخ.

منافسة وتحديات مشتركة
إن أفضل ما يخدم مصالح الأمريكيين هو التأكيد على المنافسة مع الصين، واستبعاد المواجهة. وبدلاً من التركيز على طرق المنافسة يجب على الولايات المتحدة أن تحسن من أدائها بمختلف الطرق، ومنها زيادة الاستثمارات في التعليم والبحث العلمي.
كما ينبغي أيضاً النظر إلى أفعال الصين وخطابها من خلال منظوره الصحيح؛ فوفقاً لمعايير القوى العظمى، تبقى الصين كياناً وطنياً، وتبقى ارتباطاتها الخارجية اقتصادية في المقام الأول. ومع أن الصين زادت من مشاركاتها في الشؤون الدولية في السنوات الأخيرة، لكنها لا تزال تبدي اهتماماً ضئيلاً بشكلٍ لافت للنظر في محاولة إقناع الدول الأخرى بتبني قيمها الاجتماعية والسياسية.
إضافة إلى كل ذلك، ينبغي التذكير بأن الولايات المتحدة والصين تواجهان عدداً من التحديات المشتركة، مثل تحقيق الرخاء العام في عصر غياب المساواة في الدخل، وكيفية كبح جماح الرأسمالية مع الحفاظ على قواها الإبداعية والحيوية، وكيفية رعاية المسنين ورعاية الشباب الذين يريدون أكثر من مجرد الحصول على عمل في حياتهم، وكيفية مواجهة تغير المناخ وإدارة آثاره المدمرة بما فيها الهجرة الجماعية.

إن السياسة السليمة في الاستراتيجية الأمريكية نحو الصين هي في بناء علاقات أقوى مع حلفاء واشنطن، ولا بد للولايات المتحدة أن تسعى لزيادة التوافق بين مصالحها الاقتصادية، وأهدافها الوطنية الأخرى.
وفي هذا السياق، اقترحت ميزانية الرئيس الصادرة مؤخراً تخصيص عدة مليارات من الدولارات للمساعدات الخارجية والاستثمارات، بهدف دعم حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي.
اقرأ أيضاً: هل يمكن تجنب حرب بين الولايات المتحدة والصين؟
التراجع إلى الوراء
لقد كان بناء النظام الدولي القائم على القواعد، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة الدور القيادي، أحد أهم الإنجازات في القرن العشرين. ولا يمكن الحفاظ على هذا النظام إذا لم تستمر الولايات المتحدة في المشاركة في المؤسسات التي تصنع هذه القواعد. لا ينبغي للولايات المتحدة -مثلاً- أن تنسحب من المنتديات التي تعاملت فيها مع الصين منذ فترة طويلة.
فعلى سبيل المثال، تدير منظمة التجارة العالمية محكمة تم إنشاؤها للفصل في النزاعات التجارية. ولكن هذه المحكمة معطلة منذ أكثر من سنتين، بعد أن استنفد القضاة المعينون مدة تعيينهم بسبب رفض إدارة بايدن دعم تعيين قضاة جدد. كما أن الولايات المتحدة انسحبت من لجان منظمة التجارة العالمية التي تضع قواعد هذه التجارة.
ومن المشكوك في نتائجه أيضاً استمرار إدارة بايدن في تطبيق استراتيجية قيود عهد ترامب على التجارة مع الصين، وفرضها مجموعة جديدة من هذه القيود. ربما يؤدي الحد من المنافسة إلى نتائج إيجابية على المدى القصير، لكن النمو الاقتصادي الأمريكي في العقود الأخيرة كان مدفوعاً بشكلٍ أساسي بزيادة الإنتاجية في القطاعات الداخلة في التجارة العالمية.

لقد كانت المنافسة مؤلمة ولكنها مفيدة؛ فالتدابير التي تحد من حجم سوق السلع الأمريكية، أو التي تحمي الشركات الأمريكية من المنافسة الأجنبية السليمة، من شأنها أن تقلِّل بشكلٍ كبير من قيمة الاستثمارات الرئيسية التي تضعها الحكومة الفيدرالية في البنية التحتية والبحث العلمي والتعليم الفني. إضافة إلى ذلك، ستصعّب سياسة المواجهة على الولايات المتحدة والصين التعاون في المجالات التي تتلاقى فيها مصالح البلدين بشكلٍ معقول مثل تغير المناخ.
اقرأ أيضاً: المنافسة الحتمية الولايات المتحدة والصين ومأساة سياسات القوى العظمى
إن الكثير من التحولات في السياسة الأمريكية تجاه الصين يتم تحت عنوان ضرورات الدفاع الوطني. وفي حين أن اعتبارات الأمن الوطني يمكن أن توفر مبرراً مشروعاً للحد من بعض أنواع التجارة مع الصين، فهي أيضاً يمكن أن تشرع التدابير الحمائية التي لا تصب في مصلحة الأمريكيين.
لطالما كان الرخاء الأمريكي، والمشاركة مع بقية دول العالم، أفضل ضمان للأمن الأمريكي على المدى الطويل، والأمر نفسه ينطبق على الصين أيضاً.
المصدر: نيويورك تايمز