الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

من الخاسر في الحرب الاقتصادية العالمية… أوكرانيا، روسيا، أم الاتحاد الأوروبي؟!

كيوبوست- ترجمات

توني باربر♦

قال توني باربر؛ محرر الشؤون الأوروبية في صحيفة “فاينانشيال تايمز“، إن الديون، والتضخم، والطاقة، والعقوبات لا تقل أهمية عن الأسلحة في تحديد منّ هو الرابح في الحروب، مشيراً إلى الظروف المتقلبة التي تجتاح أوروبا على مستوياتٍ عدة. 

فبين موجة حرارة حطمت الأرقام القياسية، ونهاية حقبة ماريو دراجي في إيطاليا، وسباق قيادة حزب المحافظين في المملكة المتحدة، تشهد القارة العجوز أياماً حافلة بالأحداث على حدِّ قوله، خصوصاً الأخبار التي وردت منذ أيام بأن أوكرانيا، وبموافقة دائنيها من الحكومات الغربية، سوف تعلق سداد الديون حتى نهاية عام 2023 على الأقل.

اقرأ أيضاً: ماذا لو ربح بوتين؟ كيف ستغير سيطرة روسيا على أوكرانيا وجه أوروبا؟  

ويرى باربر أن خبر ديون أوكرانيا يأتي بمثابة تذكير في الوقت المناسب بالأبعاد الاقتصادية للهجوم الروسي على كييف. ولأن الحرب تشكل اختباراً قاسياً للمرونة الاقتصادية، فإنه يمكن التنبؤ بالمستقبل الاقتصادي لأوكرانيا، وداعميها الغربيين، وكذلك روسيا، عبر استكشاف مدى قدرة جميع أطراف الصراع على الصمود، وذلك كالتالي:

أوكرانيا

وفقاً لتوني باربر، الذي عمل سابقاً كمراسل في مختلف العواصم الغربية، فإن تضرر الاقتصاد الأوكراني جراء الحرب أمرٌ لا شك فيه. غير أن إعلان تأجيل الديون يعد بمثابة منعطفٍ خطير لكييف. ففي وقتٍ سابق، كانت قد تعهدت بالوفاء بالتزاماتها بالكامل، مهما كانت تكلفة الحرب.

جنود أوكرانيون يطلقون النار على مواقع روسية على خط أمامي في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا، يونيو2022- فرانس برس

لكن الآن بلغ عجز الموازنة في البلاد نحو 5 مليارات دولار شهرياً. وتخشى وزارة الخزانة الأمريكية من أن السلطات تدمر المالية العامة الأوكرانية من خلال طباعة النقود لتغطية الفجوة. وهناك احتياج إلى عشرات المليارات من الدولارات من المساعدات الغربية لعكس مسار الانزلاق نحو التضخم والاضطراب الاقتصادي.

اقرأ أيضاً: لماذا يلازم الخوف والريبة صفقة حبوب البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا؟!

ويتساءل باربر عن الضرر الذي لحق بالناتج الاقتصادي الأوكراني منذ الغزو الروسي في فبراير؟ كما يستشهد بتحليل موقع “فوكس إي يو”، التابع لمركز أبحاث السياسة الاقتصادية، وتصريحات مينيا كونستانتينيسكو، رئيس الأبحاث في البنك المركزي الأوكراني، حيث أكدوا أن هناك تراجعاً بنسبة 45% في بداية الحرب، لكنه تعافى في أبريل إلى حوالي 85% من مستويات ما قبل الحرب.

لكن الباحثين أشاروا إلى نقطة غاية في الأهمية، وهي أن المناطق التي تحتلها روسيا مثل خيرسون، شمال شبه جزيرة القرم، تسهم بدرجة أقل بكثير في الناتج القومي من منطقة كييف، التي تمثل ما يقرب من 30% من الناتج المحلي الإجمالي، والتي صمدت في وجه الهجوم الروسي.

بدأ المزارعون الأوكرانيون في حصاد محصول الشعير بالفعل، بينما لا تزال أطنان من القمح مكدسة في الصوامع- (سي إن بي سي)

ويتوقع رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميكال، أن يكلف تعافي أوكرانيا من كارثة الحرب نحو 750 مليار دولار. وهو ما يعادل تقريباً 5 أضعاف ما التزمت الولايات المتحدة بتقديمه لتعافي أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية.

الاتحاد الأوروبي

أما بالنسبة إلى اقتصادات الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، فهي تعاني أيضاً، بحسب باربر. ففي أحدث توقعاتها، تقول المفوضية الأوروبية إن التضخم في منطقة اليورو سوف يبلغ ذروته عند مستوى قياسي يبلغ 8.4% في الربع الثالث. لكن نمو الناتج المحلي الحقيقي سيكون 2.6% هذا العام و1.4% للعام المقبل.

اقرأ أيضاً: على مَن يقع اللوم في أزمة أوكرانيا؟

ولعل السؤال المحوري، كما كتب باربر، هو كيف ستتمكن أوروبا من تدبير احتياجاتها من الطاقة في فصل الشتاء إذا توقفت روسيا عن تسليم الغاز. فقد أكد صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع أن الحظر الروسي من شأنه أن يدفع جمهورية التشيك والمجر وإيطاليا وسلوفاكيا إلى هبوط بنسبة تتجاوز 5% في الناتج المحلي الإجمالي للعام المقبل.

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين تتحدث مع رئيس المجلس الأوروبي وقادة الاتحاد خلال اجتماعٍ خاص لقمة طارئة لمناقشة تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا- رويترز

ويشعر المحللون في “دويتشه بنك” بالقلق إزاء ألمانيا التي تعتمد بشكلٍ كبير على الغاز الروسي. حيث يتوقعون حدوث ركودٍ في وقتٍ لاحق من هذا العام. بل إن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو التأثير الذي قد يخلفه أي حظر روسي للغاز.

اقرأ أيضاً: فلاديمير بوتين يوحد خصومه

ولفت بابر إلى أنه في ظلِّ استمرار سيناريو توقف الغاز، يتوقع المحللون فرض قيود على استهلاك الغاز مما سيؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بين 5 و6% في عام 2023. كما أن التوقعات بالنسبة للمملكة المتحدة قاتمة أيضاً بسبب العديد من ذات العوامل التي تؤثر على أوروبا، وكذلك لأن تجارتها تعاني بسبب الخروج من الاتحاد الأوروبي ومستويات الإنتاجية المنخفضة بشكلٍ دائم.

حيث صرح مكتب مسؤولية الموازنة البريطاني، وهو هيئة مستقلة، بأن الدخل الحقيقي المتاح سينخفض بنسبة 2.2% خلال السنة المالية 2022-23، وهو “أكبر انخفاض سنوي منذ بدأ تدوين السجلات في 1956-1957″.

بريطانيون يرفعون لافتاتٍ تندِّد بغلاء الأسعار وزيادة الضرائب خلال مسيرات انطلقت في عموم البلاد، 2022- دويتش فيله

وأخيراً، يقول باربر، إن أزمة الاتحاد الأوروبي ستطول، وربما تتعقد. والسبب ببساطة أن كل شيء يتوقف على إمكانية إقناع الرأي العام الأوروبي بمواصلة دعم أوكرانيا خلال الأزمة الاقتصادية. و”سوف يتطلب الأمر قيادة سياسية رفيعة المستوى”.

روسيا

على الجانب الروسي، أشار باربر إلى أن الكرملين يهيئ الاقتصادَ الروسي، بما في ذلك القطاع الخاص، إلى حالة حرب على المدى الطويل. فقد كشف نائب رئيس الوزراء، يوري بوريسوف، النقابَ عن مجموعةٍ من الإجراءات الجديدة، وقال إن الغرض منها هو “ضمان إمدادات الأسلحة والذخيرة”.

اقرأ أيضاً: روسيا إحدى الدول الثلاث الأقوى عالميًّا.. أين تكمن نقاط ضعفها؟

ويدور الكثير من الجدل في الغرب حول مدى إضعاف العقوبات للجهود الحربية الروسية. وهو ما يتناوله مقالٌ آخر على موقع “فوكس إي يو” بقلم مارك هاريسون، أستاذ الاقتصاد بجامعة وارويك بالمملكة المتحدة، حيث يؤكد أن العقوبات تؤتي ثمارها لأنها تخفض الواردات الروسية وتتسبب في هروب رؤوس الأموال؛ أي أن “الاقتصاد الروسي يعاني من فقدان شريان الاقتصاد بمعدل متزايد”.

بدأ بوتين خطابه في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي بإدانة مطولة للدول التي يدعي أنها تريد إضعاف روسيا، بما في ذلك الولايات المتحدة، 2022- أسوشيتد برس

ورغم أن أوروبا لا تزال تدفع لروسيا مليارات اليورو مقابل إمدادات الطاقة. يقول هاريسون إن الاعتقاد بأن هذه الأموال تمول المجهود الحربي الروسي هو سوء فهم. لأنها بدأت تتراكم كأرصدة معطلة من العملات الأجنبية. ولا يمكن استخدامها لاستيراد الموارد إلى روسيا، ولذا فهم لا يدفعون ثمن حرب بوتين.

اقرأ أيضاً: هل يصمد دعم الصين لروسيا مع تنامي الإدانة الدولية لحرب أوكرانيا؟

من جانبٍ آخر، أورد باربر وجهة نظر الباحث، جون بريسون، من جامعة برمنجهام، القائلة بأن عزلة روسيا عن شبكات الإمداد العالمية تلحق الضرر بأنظمة البحث والتطوير والتصنيع لديها.

حيث تُصنع سيارة “لادا” الجديدة “المقاومة للعقوبات” في البلاد بدون وسائد هوائية، ونظام الكبح مانع الانغلاق، وتقنيات تقييد الانبعاثات، ونظام الملاحة عبر الأقمار الصناعية، وأنظمة أحزمة الأمان الحديثة.

يقول محللون إن بوتين فتح أسواقاً جديدة لتعويض العقوبات الغربية، حيث تحصل الصين والهند على ما يقرب من نصف النفط الخام المشحون من الموانئ الروسية- بلومبيرغ

ولكن ربما ينبئ  ذلك بأن روسيا تحتفظ  بأقصى ما لديها من تكنولوجيا متقدمة للجهد الحربي. وليس هناك من الدلائل ما قد يشير إلى أن الكرملين يفكر في إنهاء الحرب.

اقرا أيضاً: كيف ترى دول الشرق الأوسط مكانتها في النظام الدولي بعد الأزمة الأوكرانية؟

وختم توني باربر مقالته بالإشارة إلى الذعر الذي شعرت به الشركات متعددة الجنسيات إزاء الحرب الروسية في أوكرانيا، مما يدفعها إلى إعادة تقييم الكيفية التي قد يؤثر بها الصراع بين الصين وتايوان على عملياتها في شرق آسيا، وبالتالي على الاقتصاد العالمي.

♦محرر الشؤون الأوروبية في “الفاينانشيال تايمز”، وعمل سابقاً كمراسل في النمسا، وبلجيكا، وألمانيا، وإيطاليا، وبولندا، والاتحاد السوفيتي.

المصدر: فاينانشيال تايمز

 اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة