الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةصحة
من أهم مسببات السرطان.. التبغ بدأ كنبتة مقدسة ودواء سحري

كيوبوست
نظراً لمخاطره الصحية، فإن التبغ حُورب على مدار عقود طويلة، ومن ضمن مظاهر التصدي لانتشاره، يوم عالمي حددته منظمة الصحة العالمية عام 1988؛ للامتناع عن تعاطي التبغ، ويصادف 31 مايو من كل عام.
ولم تقتصر بداية التبغ على كونه سلوكاً اجتماعياً مشتركاً، ولا حتى ظاهرة خطيرة على الصحة؛ فقد استخدم الإنسانُ التبغَ ضمن طقوسٍ دينية واحتفالية، والأكثر غرابةً أنه استُخدم أحياناً كدواء لعلاج بعض الأوجاع.
تبغ الأمريكيتَين
كانت بداية استخدام التبغ في الأمريكيتَين من قِبل السكان الأصليين، الذين دخَّنوا النوع عالي النيكوتين منه، إلى جانب العديد من المواد المهلوسة؛ خصوصاً خلال ممارسة طقوس ديانة الشامانية، التي تعود أصولها إلى سيبيريا وآسيا الوسطى، معتقدين أنه أداة للتواصل مع العالم الخارق، وفي العديد من القبائل؛ وعلى رأسها قبيلة المايا، تم تقديم التبغ، الذي كان يعتبر نبتة مقدسة، قرباناً للآلهة.

كما استعملوه في الاحتفالات الاجتماعية، وتبادلوه في ما بينهم كهدية، في سبيل تكوين علاقات اجتماعية، وكان التبغ يُدخن ضمن طقوس “الكالوميت”، التي كانت تُجرى خلال عقد الاتفاقات الملزمة، كأداة لتأكيد الالتزام عبر تمرير الغليون بين أطراف الاتفاق.
وكان للتبغ دورٌ آخر غير الشق الروحاني؛ ففي مجال الطبابة اعتمد كعلاج لألم الأسنان، ولآلام الأذن، وكمعقم ومسكن للآلام، ولم يكتفوا بتدخينه، إنما مضغوه واستنشقوه.
شاهد أيضاً: مدخنو السجائر الإلكترونية!
خرافات التبغ.. دواء سحري
وصل التبغ إلى أوروبا عبر المستكشفين العائدين من العالم الجديد، في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر؛ فقد جلبوا معهم عادة التدخين، واعتقدوا أنه دواء سحري عالمي يمكن دمجه في التقاليد الطبية الغربية، ويوجد مَن ادعى أنه مهدئ ومسكن وعلاج لمرض السرطان؛ كالطبيب الإسباني نيكولاس مونارديس، إلا أن تلك الادعاءات لاقت معارضة من قِبل جيمس الأول، ملك إنجلترا؛ لكن الأمر الذي عزَّز من انتشار التبغ في أوروبا هو دعم بعض الأرستقراطيين والحكام له.

أصبح التدخين ممارسة مألوفة في أوروبا، وانتشر تصنيع أنابيب فخارية خاصة للتدخين في جميع أنحائها؛ ومنها انتقل التبغ إلى مناطق أخرى بالعالم، كالهند والصين واليابان وجنوب شرق آسيا، والشرق الأوسط، وغرب إفريقيا؛ حيث زُرع في تلك المناطق أيضاً مع بداية القرن الـ17، وفي المنطقة العربية أخذ التدخين شكل الشيشة. في عام 1619، عانت بعض المقاطعات في الولايات المتحدة شحاً في النقود؛ فاستبدل بها السكان التبغ الذي كان يساوي الذهب.
حرب التبغ
شهدت صناعةُ السجائر، التي كانت حكراً على النخب في عام 1880م، قفزة جعلتها متاحة للجميع، بعدما اخترع الأمريكي جيمس بونساك، آلة لف السجائر، التي مكنت الشركات من صناعة السجائر بكميات كبيرة وبتكلفة أقل، وكان أول مَن استخدمها في الولايات المتحدة؛ الصناعي الأمريكي “جيمس بوكانان ديوك”، مؤسس شركة التبغ الأمريكية (ATC)، في عام 1890م.
اقرأ أيضاً: التدخين قد يؤدي إلى فقدان البصر!
كما اعتمدت الآلة في مصنع “Henry Wills” في بريستول في بريطانيا، وذلك عام 1883م، وقد مكَّنته من السيطرة على تجارة السجائر؛ لكن ديوك لم يقف مكتوف الأيدي، وحاول في عام 1901م، اقتحام سوق التبغ البريطانية، ما أدى إلى اشتعال “حرب التبغ”، التي دفعت مصنعي السجائر البريطانيين للتوحد في وجه ديوك، ضمن شركة عرفت بـ”Imperial Tobacco”، محققين النصر في عام 1902.
أجبر النصر الذي حققه فريق التبغ البريطاني، ديوك الأمريكي، على العزوف عن خطوته باقتحام السوق البريطانية، والعودة إلى الولايات المتحدة، وفي ما بعد تشكلت شراكة بين الطرفين؛ لكنها ضمن شركة التبغ البريطانية الأمريكية (BAT).

ازدهار ومناهضة
مع مرورِ الوقت، بدأت مخاطر التبغ تتكشف، لذلك ظهرت حملات مناهضة له في بعض الدول الغربية، تحديداً مع توجه جزء كبير من المراهقين إلى التدخين، أسفر عن تلك التحركات إصدار تشريعات تفيد حظر بيع التبغ للقُصَّر، في تسعينيات القرن التاسع عشر، في معظم الولايات الإقليمية والفيدرالية في الولايات المتحدة.
كانت تلك نقطة الانطلاقة لمواجهة التدخين كظاهرة غير صحية؛ لكنها كانت البداية فقط، ففي الحرب العالمية الأولى ارتفعت أسهم التبغ بعد أن أمدت الحكومات بالتعاون مع شركات التبغ، الجنودَ بالسجائر؛ لتقليل الإجهاد البدني والنفسي الذي يمرون فيه.
اقرأ أيضاً: “المقاهي“.. تاريخ أثرى الحياة السياسية والفكرية في أوروبا
اعتبر النصف الأول من القرن العشرين، العصر الذهبي للتبغ، ففي عام 1950 مارَس نحو نصف سكان البلدان الصناعية التدخين، بينما أضفت هوليوود جاذبية على السجائر التي كان يدخنها نجومها في الأفلام.
بالمقابل، نُشرت عدة مقالات وإحصاءات حتى ذلك الحين، تشير إلى مخاطر التدخين؛ كان أبرزها مقالة نشرتها مجلة “ريدرز دايجست” بعنوان “Cancer by the Carton” عام 1952م، التي بينت مخاطر التدخين بشكلٍ دقيق، وكانت صفعة توجَّه إلى صناعة التبغ، ففي العام التالي، انخفضت مبيعات السجائر للمرة الأولى منذ أكثر من عقدَين، وسبقتها إحصائية أخرى عام 1930 بينت الروابط بين التدخين ومرض السرطان، وخلال أوائل الخمسينيات انطلقت حركة مناهضة التدخين، التي كانت مبنية على جهود سابقة في ذات السياق ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا.