الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
منى يعقوبيان: الأيديولوجية ليست سوى واحدةٍ من محركات الإرهاب العديدة

كيوبوست- ترجمات
في مقابلةٍ مع “موقع عين أوروبية على التطرف”، تتحدث منى يعقوبيان؛ مستشار أول في معهد السلام الأمريكي عن الدوافع المختلفة للإرهاب، وتناقش الطرق البناءة للتصدي لهذه الظاهرة. وتقول إن هشاشة الدول توفّر بيئة مواتية للإرهابيين، وتسلّط الضوء على الطرق المتنوعة التي يستفيد بها المتطرفون من هذه البيئة. فيما يلي نص المقابلة:
– ما مدى أهمية عامل هشاشة الدولة -مقارنة بالأيديولوجية على سبيل المثال- فيما يتعلق بتمكين الإرهاب؟
أعتقد أنه من الصعب تحديد مقياس نسبي للأهمية عند مقارنة هشاشة الدولة بالأيديولوجية أو غيرها من دوافع الإرهاب. فالإرهاب ينشأ من شبكة من العوامل السببية التي تتفاعل مع بعضها بعضًا، وتفرز هذه الظاهرة. قبل سنواتٍ، طوّرتُ -أنا وزميلي بول ستارز- ما أطلقنا عليه “النموذج الوبائي” بغية فهم انتشار التطرف العنيف. وخلصنا إلى أن الإرهاب لا ينشأ في فراغ. الأيديولوجية أحد العوامل، غير أنها ليست العامل الوحيد.
لا شك أن هشاشة الدولة لها دور رئيس في تسهيل انتشار التطرف. لقد رأينا مرارًا وتكرارًا، وعبر مناطق متباينة من العالم، حيث يسهم الفساد والقمع وسوء الإدارة وعدم كفاية الخدمات العامة وانعدام المساءلة، في ظهور التطرف والتجنيد لمصلحة الجماعات الإرهابية. في عام 2019، نشر معهد السلام الأمريكي تقريرًا متعمقًا يوضح بالتفصيل العلاقة بين الهشاشة والتطرف، وأوصى باستراتيجية تركز على منع التطرف في الدول الهشة، من خلال نهج متعدد الأوجه يُسلّط الضوء على الحاجة إلى مؤسسات تستوعب مختلف شرائح الشعب وحكومات خاضعة للمساءلة، ومشاركة مدنية واسعة.

من الناحية العملية، كيف تستفيد المنظمات الإرهابية من الدول الهشة؟
الدول الهشّة توفر بيئة مواتية للمنظمات الإرهابية، لأن قدرة الدولة على بسط الأمن غالبًا لا تكون قوية بما يكفي للوصول إلى أطراف الدولة، ولأن العناصر التي تكثر في الدول الهشة (الفساد، والحرمان النسبي، وضعف الحوكمة، والتهميش، وما إلى ذلك) هي العوامل نفسها التي تؤدي أدوارًا كبيرة في دفع التطرف العنيف. وهكذا، تستفيد التنظيمات الإرهابية من هشاشة الدولة بطرائق متعددة، بما في ذلك التمويل والتجنيد والتلقين العقائدي. وفي بعض الحالات، تستغل هذه الجماعات المناطق غير الخاضعة للحكم، حيث تنشأ فراغات أمنية تتيح لها تنظيم أنفسها، وممارسة سيطرتها على السكان المحليين. وفي حين أنها قد لا تسيطر مباشرة على الأراضي، فإنها تملأ فراغات السلطة الحكومية هذه بطرق متنوعة.
يمكنها، على سبيل المثال، إقامة نقاط تفتيش مؤقتة أو تخويف السكان المحليين وابتزازهم من خلال الزيارات الليلية، وغيرها من الوسائل. وكما شهدنا قبل عقد من الزمان، في العراق وسوريا، في مساحاتٍ شاسعة غير خاضعة للحكم -ولا سيّما على طول الحدود التي يسهُل اختراقها- تتقاطع الجماعات الإرهابية مع المتمردين، والشبكات الإجرامية، ما يفاقم الهشاشة والعنف. تظهر هذه الديناميات في المناطق الحدودية غير الخاضعة للحكم الآن في جميع أنحاء أفريقيا، خاصة على طول طرق العبور بين الشرق والغرب عبر حزام الساحل والطرق التي تربط بين الشمال والجنوب في شرق أفريقيا.
إضافة إلى ذلك، يستفيد المتطرفون من ضعف الحكم أو غيابه من خلال السعي إلى توفير الخدمات الأساسية للسكان في المناطق التي تخفق الحكومات فيها. وعليه، فقد يستغل الإرهابيون هشاشة الدولة في عمليات التجنيد. إذ بمقدورهم تجنيد أعضاء جدد -في الأماكن التي ترتفع فيها معدلات الفقر والبطالة- من خلال الحوافز الاقتصادية، في شكل رواتب. وبقدر ما تستطيع الدول الهشّة استعراض قوتها الأمنية، فإنها غالبًا ما ترتكب انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان مع الإفلات من العقاب عند القيام بذلك، ما يعزّز الشعور بالظلم لدى السكان.
اقرأ أيضًا: العلاقة بين الإرهاب والمجاعة وهشاشة الدولة
– عادة ما تكون هشاشة الدولة مصحوبةً بتحدياتٍ اجتماعية واقتصادية، مثل الفقر والمجاعة. كيف تتضافر هشاشة الدولة مع المشكلات الأخرى لتتيح التلقين العقائدي والتجنيد؟
غالبًا ما تتشابك المظالم الاجتماعية والاقتصادية الناشئة عن الفقر وانعدام الأمن الغذائي مع هشاشة الدولة، وبالتالي يمكن أن تسهم في تسهيل عمليات التجنيد، وربما التلقين العقائدي. لقد رأينا هذا مؤخرًا في لبنان الذي يعاني انهيارًا اقتصاديًّا، ويرجع ذلك -إلى حدٍّ كبير- إلى مخالفات الحكومة وعدم فعاليتها.
نتيجة لذلك، يشهد لبنان مستوياتٍ غير مسبوقة من الفقر وانعدام الأمن الغذائي. وتظهر على نحو متزايدٍ قصص عن شباب من طرابلس -إحدى المدن الأكثر فقرًا في لبنان- يتم تجنيدهم من قبل داعش. وقد ورد الفقر كأحد الأسباب التي تدفع الشباب إلى الانضمام إلى داعش.
اقرأ أيضًا: الفقر وشبح المجاعات.. هل يعزِّزان الإرهاب؟
– حيثما تختفي سلطة الدولة ويصبح الإرهابيون أقوياء، مثل الصومال، هل هناك خيار أفضل من التدخل خارجي لاستعادة النظام؟
التدخل الخارجي ليس بأي حالٍ من الأحوال الحل الأمثل لمعالجة غياب سلطة الدولة. في كثيرٍ من الأحيان، يمكن أن يصبح الاحتلال الخارجي نفسه محرِّكًا للتطرف، خاصة في الحالات التي يشعر فيها السكان المحليون بالاستضعاف والحرمان والافتقار إلى الكرامة.
من الناحية المثالية، يُفضل بكثير الانخراط في سياسات واستراتيجيات تعالج هشاشة الدولة قبل الانهيار التام لسلطة الدولة. ومع ذلك، في حال حدوث انهيار كامل لسلطة الدولة، فإن نماذج الانخراط التي تستخدم قوة عسكرية خارجية صغيرة وتعمل على معالجة الفراغات الأمنية “من قبل القوات المحلية الموثوقة ومعها ومن خلالها” هي الخيار الأفضل.
يستخدم التحالف الدولي لهزيمة داعش هذا النموذج في شمال شرق سوريا مع القوات الكردية المحلية التي تعمل كشريكٍ أساسي على الأرض. وفي حين أنه بعيد عن الكمال، فقد حقق هذا النموذج نتائج إيجابية مهمة. مثال آخر هو نجاح القوات الإقليمية في موزامبيق، ما قد يساعد في تخفيف العواقب غير المقصودة التي قد تنجم عن جلب محتلين “الأجانب” من أماكن أبعد.
في الوقت نفسه، المساعدة في تحقيق الاستقرار يجب أن تعالج أيضًا على نحو مباشر القضايا المتعلقة بالحكم وتقديم الخدمات، ربما من خلال العمل إلى حد كبير مع كيانات الحكم المحلي والمشاركة مع المجتمعات المحلية ومنظمات المجتمع المدني.

– في دولة مثل العراق، حيث تسيطر الميليشيات (بعضها مصنّفة على أنها إرهابية) بحكم الأمر الواقع، هل هناك حلٌّ لإعادة السيطرة إلى السلطة الشرعية؟
انتشار الجهات الفاعلة والميليشيات غير الحكومية يمثل بالتأكيد تحديًا خطيرًا لسلطة الدولة. وبالتالي فإن تعزيز المؤسسات الأمنية في الدولة أمر أساسي للعودة إلى السلطة الشرعية. لكن إعادة بناء سلطة الدولة في أماكن مثل العراق التي تتنافس مع الميليشيات القوية -في هذه الحالة بدعمٍ من جهةٍ خارجية قوية، إيران- قضية معقدة، حيث يتطلب إعادة بناء المؤسسات الأمنية في الدولة وقتًا ومواردَ وإرادة سياسية.
تدريب ودعم القوات العسكرية التابعة للدولة العراقية، بما في ذلك جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، أمرٌ بالغُ الأهمية لمعالجة الفراغ الأمني الذي يؤدِّي إلى ظهور ميليشيات غير حكومية في المقام الأول. غير أن الأمر الأكثر صعوبة يكمن في مهمة تسريح الميليشيات ونزع سلاحها، التي تستلزم وجود استراتيجية طويلة الأجل ومتعددة الأبعاد تعالج الجذور المعقدة التي تؤدي إلى ظهور الميليشيات -الفراغات الأمنية، والمظالم السياسية، والتفكك الاقتصادي والاجتماعي- وتضع طرقًا لمكافحة هذه الدوافع.
اقرأ أيضًا: عائلات الهول في طريقها للموصل.. ومخاوف من إعادة الإدماج
– ما الذي يمكن أن تفعله القوى الخارجية لدعم الدول الهشّة ومنع التنظيمات الإرهابية من النمو في مثل هذه البيئة الخصبة؟
تضطلع القوى الخارجية بدورٍ مهم في المساعدة على بناء القدرة على الصمود وتعزيز الاستقرار في الدول الهشّة كجزء من استراتيجية وقائية أوسع نطاقًا. إن تعزيز الحكم الشفّاف والخاضع للمساءلة الذي يلبِّي احتياجات السكان المحليين، ويستعيد التماسك الاجتماعي في المجتمعات المنقسمة، ليسا سوى عنصرين من عناصر هذه الاستراتيجية.
على نطاقٍ أوسع، ينبغي للمجتمع الدولي أن يلتزم ببعض المبادئ الأساسية عند الانخراط مع الدول الهشّة. تشمل هذه المبادئ الحاجة إلى بناء شراكاتٍ محلية قوية؛ والاستعداد لتبني آفاق زمنية طويلة الأجل؛ والالتزام باتباع نهج “حكومي شامل” يركز على الدبلوماسية والتنمية بدلًا من النهج الذي يتمحور حول الأمن.
في الولايات المتحدة، يُجسّد قانون الهشاشة العالمية لعام 2019 هذا النهج الجديد. لا شك أن التحديات المقبلة هائلة، لكن ابتكار طرقٍ جديدة للتعامل مع الدول الهشة، ومنع انتشار التطرف العنيف تُبشِّر بطريق مستدامٍ صوب المستقبل.
المصدر: عين أوروبية على التطرف