الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
“منهو ولدنا؟”.. السؤال الذي لا يحتاج إلى إجابة!
حتى أكثر المسلسلات هزلية وأقلها جدية تمتلك تركيباً سردياً معيناً يدفع بالقصة إلى الأمام ويعطي الشخصيات دوافع للمضي قدماً

كيوبوست- عبيد التميمي
يعود مسلسل “منهو ولدنا؟“، في موسمه الثاني هذه السنة، بعد نجاح جماهيري مقبول في العام الماضي. المسلسل من تأليف سامي الفليح، وإخراج منير الزعبي، ومن بطولة إبراهيم الحجاج وفايز بن جريس وخالد فراج وهند محمد. في هذا الموسم يحاول “بندر” مساعدة أخيه “ريان” في إدارة الشركة؛ ولكن استهتار الأخير يتسبب في أجواء مشحونة بين الأخوَين.
صناعة الكوميديا مهمة صعبة؛ كل ما يحتاج إليه المشاهد للاستدلال على هذا الأمر هو النظر إلى مخرجات السينما والتليفزيون في السعودية خلال السنوات الأخيرة، هناك فهم جذري خاطئ لكيفية تقديم كوميديا متسلسلة في إطار قصة متماسكة.
إن تأسيس المشهد الكوميدي مليء بالعيوب؛ إذ تظهر الشخصيات سطحية وثنائية الأبعاد. الكوميديا لا تعني بالضرورة عمل هزلي بحت؛ صحيح أن هناك كوميديا الاسكتشات، ولكن هذا النوع لا يدوم أكثر من عدة دقائق، بينما يحتاج المسلسل الكوميدي إلى قصة بشكل أساسي، وهذه القصة يجب أن تحتوي بدورها على بداية، ووسط يتضمن رحلة الشخصيات، ونهاية.
هذا التركيب المبدئي والبسيط يتم إغفاله بشكل واضح في العديد من الأعمال الكوميدية، ويأتي “منهو ولدنا؟” على رأس هذه القائمة.

أولى المشكلات التي تظهر جليةً في هذا المسلسل؛ هي الغياب الكامل لبناء حقيقي لمسار القصة، إذ يغمرك الإحساس بأن المسلسل عبارة عن مشاهد هزلية مجمَّعة بشكل عشوائي. تنتقل الكاميرا من موقع تصوير إلى آخر دون نسق أو مونتاج مُتقَن، وتنتهي الحلقة بشكل مفاجئ تاركةً المشاهد دون أية رغبة في معرفة ما سيحصل في الحلقة القادمة.
ليس المطلوب هنا صناعة رواية ملحمة شكسبيرية بكل تأكيد؛ لكن حتى أكثر المسلسلات هزلية وأقلها جدية تمتلك تركيباً سردياً معيناً يدفع بالقصة إلى الأمام، ويعطي الشخصيات دوافع للمضي قدماً.
اقرأ أيضًا: دراما رمضان 2023.. اجتماعية وكوميديا وأكشن وأعمال تاريخية
مسلسل “اللعبة“، من بطولة هشام ماجد وشيكو، أحد أفضل الأمثلة في السنوات الأخيرة؛ فهو عمل بالغ في الهزلية إلى درجة كبيرة، والشخصيات فيه لا تأخذ نفسها على محمل الجد إطلاقاً؛ ولكنها مع ذلك تملك المحركات اللازمة لدفع القصة إلى الأمام بكل منطقية. هذا يعني أن تقديم الكوميديا لمجرد الكوميديا -كما نجح مسلسل “اللعبة” وكما يحاول مسلسل “منهو ولدنا؟”- ليس أمراً سيئاً؛ لكن ذلك لا يعني، بأي شكل من الأشكال، الضرب بكل أدوات السرد عرض الحائط وكأنها إكسسوارات إضافية لا حاجة إليها.

في “منهو ولدنا؟” ثمّة شرارة صراع إيجابية تكمن في محاولة “ريان” إدارة الشركة، وهو الفاقد لكل مؤهل ممكن؛ ولكن هذه الشرارة تنطفئ سريعاً في ظل برودة الأداء التمثيلي والحوارات التي تحشو كل مشهد وتملأ كل فراغ ممكن، حتى نصل إلى النكتة التالية، ويصبح وجود “ريان” في الشركة أكثر نقطة غير قابلة للتصديق في مسلسل مليء بهذه النقاط.
تفقد القصة كل بذرة أمل كان يمكن رعايتها في ظل سيل هائل من النكات البدائية التي لا تتخطى السخرية من وزن إبراهيم الحجاج، وهذا ما أعنيه جزئياً حينما أتحدث عن المفاهيم الخاطئة في الكوميديا.
لست خبيراً؛ لكنني أعلم أن الكوميديا أعمق وأعظم من مجرد جمع شخصيتَين في مكان واحد وجعل هاتين الشخصيتَين تسخران من بعضهما، وتكرار هذا الأمر في أكثر من مرة هو أكبر دليل على فشل الكاتب في تطوير شخصيات مستقلة كوميدية.
ما الذي يمكن أن يحدث لو تم توظيف ممثل خفيف الوزن مكان إبراهيم الحجاج؟ هل تم تطوير النص وشخصياته بشكل كاف حتى يصبح قصة كوميدية بحد ذاتها قبل أن يتم تصويره؟ أم كان الارتكاز بالكامل على أداء الممثلين وأشكالهم لإنجاح هذا العمل؟
اقرأ أيضًا: طاش… هل لا يزال عصياً على الزمن؟
حتى في “طاش ما طاش”، على سبيل المثال، وعلى الرغم من كل عيوبه، نستشف أن المضحك في شخصية “فؤاد” هو سذاجته، وفي شخصية “أبو مساعد” هو بخله ودناءة نفسه، وهيئة الشخصيات وطريقة تقديمها هما مجرد عوامل جذب بصرية تربط المشاهد بها. ربما هذا ما يتركنا أمام الحقيقة المرَّة أمام شخصيات “منهو ولدنا؟”؛ ما المضحك في شخصية “ريان” باستثناء وزنه؟ وهل تمتلك بقية الشخصيات جوهراً يمكن الاستناد إليه ليحولها إلى شخصيات واقعية ملموسة؟ أم أنها مجرد أفواه مجوفة تردد بكسل ما كُتب في النص لا أكثر ولا أقل؟!