الواجهة الرئيسيةحواراتشؤون دولية
منتصر حمادة يحلل أسباب انفتاح الإخوان المسلمين على التصوف
تحدث الباحث المغربي في لقاء مع "كيوبوست" عن دراسته الأخيرة الصادرة عن مركز تريندز حول أخونة التصوف الإسلامي في المنطقة

كيوبوست
أعد الباحث المغربي منتصر حمادة دراسة بعنوان “أخونة التصوف الإسلامي في المنطقة العربية”، والتي صدرت مؤخراً عن مركز تريندز للبحوث والاستشارات، حيث قامت الدراسة على فرضية مفادها ظاهرة يمكن الاصطلاح عليها “أخونة العمل الصوفي”.
في لقاء خاص مع “كيوبوست” تحدث منتصر حمادة عن الدراسة والاتجاهات التي تناولتها، والانفتاح الإخواني على التصوف وأهدافه، وطرق تعامل الإخوان مع الصوفية…

* ما هي أسباب الخلاف الأيديولوجي بين الإخوان والصوفية التي ركزت عليها الدراسة؟
– يجب التنبيه بداية إلى أن الأمر يتعلق بأنماطٍ من التديّن الإسلامي، أي أن أنماطاً من التدين تنتمي إلى المجال العقائدي الإسلامي بالتحديد، لكنها تختلف في التنظير والممارسة، أو تختلف في معالم “المرجعية الإسلامية” لأنها تنهل جميعها من المرجعية الإسلامية بشكلٍ عام، لكن تطبيقات تلك المرجعية تختلف بين تديّن وآخر.
على سبيل المثال، أدبيات التصوف لا تُعَلم الأتباع [أو “الفقراء” حسب التداول الصوفي] أن يكون هاجسه تكفير البلاد والعباد، أو شيطنة غير الصوفي، ولا تُعلمه “توزيع صكوك الغفران”، أو تزكية الذات مقارنة مع تديّن الغير، أو التعامل مع المجتمع والدولة والأمة والإنسانية على أساس أن هؤلاء جميعاً ضالون في حالة المسلمين، أو كفار أولاً وأخيراً في حالة غير المسلمين، بل إن أدبيات التصوف توجد على النقيض كلياً مقارنة مع مضامين أدبيات العمل الإسلامي الحركي، في شقيه الإخواني والسلفي، حيث لا نجد فيها هذا الإصرار على ترويج خطاب “المفاصلة الشعورية” أو “الجاهلية” أو “الحاكمية” أو “الطائفة المنصورة” أو “الولاء والبراء” و”الفرقة الناجية”، وغيرها من المفاهيم التي أسّست ومَيّزت العمل الإسلامي الحركي في المنطقة منذ 1928، تاريخ تأسيس جماعة “الإخوان المسلمين” بداية، وتأسيس مُجمل المشاريع الإسلامية الحركية، في شتى دول المنطقة لاحقاً.
تميّز أدبيات التصوف النوعي عن الأدبيات الإسلامية الحركية، يُفسر مثلاً، أن هاجس المتديّن الصوفي، هاجس إنساني كوني، لأنه لا يُفكر في مصيره ومصير جماعته، ولا حتى مصير وطنه أو أمته، وإنما هاجسه الإنسانية جمعاء، ولذلك إن كان تعامله إجمالاً مع المسلم يتم انطلاقاً من مرجعية تُميز المسلمين، باعتبار الإسلام خاتم الديانات/ الدين، فإنه يتعامل مع غير المسلمين بخطابٍ ينتصر “للمشترك المنسي” بتعبير عالم المنطق حمو النقاري، مع الانتصار في الحالتين معاً -أي في حالة خطابه الموجه للمسلمين وغير المسلمين- للهاجس الإصلاحي الأخلاقي الصرف.

اقرأ أيضًا: الصوفية في الأردن… مستقبل غامض وعلاقة ملتبسة بالدين والسياسة
* لماذا لجأ الإخوان إلى المتصوفين رغم العداء التاريخي بينهم؟
– الأسباب متعددة، ولم يمكن حصرها في سببٍ واحد دون سواه، ولكن ما نعاينه هنا يتعلق بمبادرات محتشمة وليست مفصلية، لأننا بالكاد في أولى محطات الانفتاح الإخواني على التصوف، ويتم بشكلٍ متواضع ولكنه موجود فعلاً، وخاصة لدى شباب الإخوان، لأنهم أقل تأثراً بأدبيات الإخوان المؤسسة، فالأحرى من أسماء كانت إخوانية أو كانت سلفية.
قد تكون من الأسباب أيضا الرغبة في تليين الموقف الديني للخطاب الإخواني من التعامل مع الآخر، وفي هذه الحالة نحن إزاء مراجعات نسبية، لأن الخطاب الإخواني في المنطقة، كما عاينا ذلك منذ عقدين مثلاً، وخاصة بعد 2001 عندما أصبحت بعض المراكز البحثية الأمريكية تدعو إلى انفتاح صانعي القرار على التصوف الإسلامي في مواجهة الإسلاموية القتالية، والحديث مثلاً عن تقريري معهد “راند”، حيث صدرت قراءات إخوانية نقدية ضد مضامين ورسائل هذه التقارير، لكن الأقلام الإخوانية نفسها طبقت الصمت عن الدعاية لما كان يُسمى حينها أيضاً للإسلام الديمقراطي المدني، وكان يُقصد به حركات وأحزاب الإسلام السياسي.

* تحدثت عن محاولة الإخوان العودة من خلال الخطاب الصوفي في مصر بعد 30 يونيو، كيف ترى نتائج هذه التحركات، وهل تضررت الحركة الصوفية في مصر من جماعة الإخوان المسلمين؟
– التصوف في مصر متجذر في المجتمع منذ قرون، لكن هذا الحضور، على غرار ما عاينا في أغلب دول المنطقة العربية، تعرض لتأثير موجات الأسلمة التي مرت بها مصر، ومعها أغلب دول المنطقة، أي تيارات الإخوان والسلفية، وهي الموجهة التي أفضت إلى ما اصطلحنا عليه أسلمة مخيال مجتمعات المنطقة، وقصدنا بها، تأثر المزاج العام، بخطاب الإسلاموية، وصدور مواقف وممارسات عن هذا الرأي، تتقاطع مع مواقف وممارسات الإسلاموية نفسها، هذا التحول النسبي ولكن الملموس في مواقف الرأي العام المصري والعربي بشكلٍ عام، يوجد من بين التحديات التي تواجه التصوف في مصر والمنطقة، لأن مواجهة آثار هذه التحولات لن تتم بين ليلة وضحاها.
اقرأ أيضاً: ماسينيون الفرنسي.. قرينُ الحلاج الصوفي والمعرفي!
* تطرقت في دراساتك إلى التداعيات التي حدثت نتيجة الانفتاح الإخواني على التصوف حدثنا عن أبرزها؟ وإلى أي مدى تضررت الصوفية من السعي الإخواني للانفتاح عليها؟
– هناك عدة أمثلة في هذا السياق، سواء تعلق الأمر بموضوع الانفتاح الإخواني على التصوف من أجل توظيفه لأغراضٍ أيديولوجية، أو احتمال تضرر الخطاب الصوفي من هذه المبادرات، وإن كان جزئياً لكن موجود فعلاً، وقد يكون منها مثال دال يهم توظيف إخوان المغرب لمضامين كتاب صدر في سنة 2018 للمفكر المغربي طه عبد الرحمن، الذي اشتهر بأنه مفكر صوفي، بحكم نهله من المرجعية الصوفية، إضافة إلى أنه كان عضوا سابقا في طريقة صوفية، كما اشتهر بالدفاع عن التصوف والأخلاق، وخاصة في كتابه “العمل الديني وتجديد الأخلاق”، ويقصد بالعمل الديني هنا العمل الصوفي بالتحديد، وقد ألف هذا الكتاب في سنة 1989 في عز الانتماء للعمل الصوفي، أو كتابه “سؤال الأخلاق” أو سلسلة كتبه حول “النظرية الائتمانية”، وهي نظرية صوفية تنهل من مرجعيات تراثية متداولة في التراث الإسلامي.
لكن ما جرى في كتابه هذا، وعنوانه “ثغور المرابطة”، أنه تضمن مجموعة من الأحكام السياسية غير المتوقع صدورها قط عن مفكر صوفي، أو كان صوفيا، لأن الأمر يهم أحكاماً تتقاطع بشكلٍ نسبي أو كلي مع الأحكام السياسية الصادرة عن الإسلاموية، سواء تعلق الأمر بالإسلاموية في شقها السياسي كما هو الحال مع الخطاب الإخواني أو الإسلاموية في شقها القتالي، كما هو الحال مع الجماعات الجهادية.
وبالنتيجة، عانينا من انخراط بعض الحركات الإخوانية أو الإسلاموية بشكلٍ عام في تنظيم ندوات احتفالية بالكتاب، دون الحديث عن نشر الإخوان مقالات تعريفية ومؤيدة لمضامين الكتاب، نقول هذا أخذاً بعين الاعتبار أن بعض هؤلاء لم يسبق لهم الاشتغال قط على أعمال طه عبد الرحمن، ولكن فجأة، وبسبب مضامين ورسائل الكتاب، أصبحوا يروجون له، دون الحديث عن تصنيف بعض هؤلاء أيضاً للرجل ضمن المفكرين الإسلاميين، بينما لم يكن الأمر كذلك من قبل، لأنه مفكر صوفي من وجهة نظرهم، لكن نشره تلك المواقف السياسية يخول للعقلية الإخوانية الانتقال من هذا المقام لآخر لاعتباراتٍ براغماتية وإيديولوجية.
الشاهد هنا أنه رغم الاختلاف في معالم “المرجعية الإسلامية” بين الصوفيين والإخوان، لكن العقلية الإخوانية هنا وظفت مضامين كتاب لمفكر صوفي، لأنه كتاب يتضمن مواقف سياسية تصب في مصلحة المشروع الإسلاموي، في شقيه السياسي ــ الإخواني والقتالي ــ الجهادي.

* هل ترى أن مواقف الصوفية في مصر وتونس والمغرب واحدة؟
– التصوف الإسلامي مدارس واتجاهات وأعلام، بدليل الفوارق بين التصوف الإشراقي/ الإيراني، والتصوف السني العربي والمغاربي، وإن كانت بعض الأسماء الفكرية اختزلت التصوف في مدرسة واحدة، دون الأخذ بعين الاعتبار هذه الفوارق، قد يكون أبرزها ما صدر عن الراحل محمد عابد الجابري عندما اختزل التعددية الصوفية الإسلامية تحت مسمى “العقل المستقيل”.
ولكن إجمالاً، سواء تعلق بالتصوف في المغرب أو مصر أو تونس، فإنه تصوف ينتمي إلى المدرسة الصوفية السنية والأصيلة، بل إن بعض صوفية مصر هم أولياء مغاربة، من قبيل أبي الحسن الشاذلي أو أبو العباس المرسي وأحمد البدوي ضمن أسماء أخرى، مواقف صوفية الدول الثلاث موحدة بخصوص التعامل مع العمل السياسي مثلاً، أي أخذ مسافة منه، الدفاع عن المصالح العليا للأوطان إذا تطلب الأمر ذلك، كما جرى مع المواقف التي صدرت عن بعض الصوفية على هامش أحداث يناير 2011 وما تلاها، وإن كانت هناك فوارق في أداء صوفية هذه الدول الثلاث، فإنها مرتبطة بمحددات سياسية وثقافية ودينية، أي التحديات الذاتية والمحلية التي تمر منها، من قبيل طبيعة التعامل مع معضلة الأسلمة.