الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
منتدى اليمن الدولي.. هل من دور لمراكز الأبحاث في حل المعضلة اليمنية؟
لا يزال دور مؤسسات الفكر المحدودة أصلاً في اليمن هامشياً إلى حد بعيد مقابل مؤسسات الفكر الأجنبية الأكثر تأثيراً

كيوبوست- منير بن وبر
انعقد في العاصمة السويدية ستوكهولم، منتدى اليمن الدولي، خلال الفترة من 17- 19 يونيو. ويهدف المنتدى إلى مناقشة قضايا أساسية تتعلق بالصراع في اليمن؛ أبرزها الوضع السياسي ومساعي السلام والملف الاقتصادي. عُقد المنتدى بتنظيم من مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، وبالتعاون مع أكاديمية فولك برنادوت. وقد استضاف المنتدى أكثر من 200 شخصية؛ أغلبها من اليمنيين من شرائح وأطياف متنوعة.
ويُعد مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية أحد مراكز الفكر الرائدة في اليمن. كما تُعد أكاديمية فولك برنادوت (FBA) وكالة حكومية سويدية مهتمة بقضايا السلام والأمن والتنمية؛ وهي ضمن برنامج مساعدات التنمية الدولية السويدية، وتعمل على تعزيز السلام في البلدان المتضررة من النزاعات.
اقرأ أيضاً: اليمن في قلب أزمة غذاء عالمية.. هل من سبيل للنجاة؟
تم اعتبار منتدى اليمن الدولي فرصة استثنائية لجمع أكبر عدد ممكن من اليمنيين من أطراف متعددة. كما جمع المنتدى -حسب مركز صنعاء- شخصيات دولية؛ من بينها دبلوماسيون ووسطاء وفاعلون إقليميون ودوليون، وعدد من الجهات الفاعلة في المجتمع المدني اليمني.
ومع ذلك، لا يُعد المنتدى جزءاً من عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة -على الرغم من استضافة المبعوث الخاص للأمم المتحدة لليمن هانز جرونبرج- كما أنه ليس مؤتمراً تفاوضياً يجمع ممثلين رسميين عن أطراف الصراع للتوصُّل إلى حلول عملية لإنهاء الصراع، كما قد يفهم البعض. وبدلاً عن ذلك، صُمم المنتدى كجزء من جهد محلي ودولي لبناء منصة لتبادل المعرفة والحوار، ومناقشة الأفكار التي يمكنها دعم حل النزاع.

تباينت ردود فعل اليمنيين حول جدوى المنتدى، بين مؤيد للحوار كـ”مبدأ وفكرة” ومنتقد للنشاط الذي يتطلب الكثير من الموارد ولا يعطي نتائج حاسمة؛ فالمنتدى -في نهاية المطاف- لا يجمع ممثلين رسميين عن أطراف الصراع، ولا يمتلك قدرة عملية على تنفيذ أية توصيات أو حلول، حسب رأي الطرف المنتقد.
لتفنيد وجهات النظر المختلفة، ومعرفة تفاصيل التوصيات المقدمة والجهات التي قُدمت لها تلك التوصيات وتفاعلها معها، تم التواصل مع مركز صنعاء؛ لكن لم نتلقَّ استجابة إلى لحظة كتابة هذا التقرير.
توصيات غير مُعلنة
في حين أن مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية قد أصدر بالفعل تقريراً مُقتضباً يحمل عنوان “توصيات لحل الأزمة اليمنية وإنهاء الحرب في ختام منتدى اليمن الدولي بالسويد”، إلا أنه لم يعلن تلك التوصيات ولا الجهات التي قُدمت لها؛ مما يضع النتائج التي تم التوصل إليها موضع تساؤل.
اقرأ أيضاً: وثائقي عن حرب اليمن يقلب الحقائق ويلعب على التناقضات!
ومع ذلك، أوضحت المنشورات الصادرة عن المركز أنه تمت مناقشة عدة قضايا؛ شملت الملف الاقتصادي والسياسي وخزان صافر والقضية الجنوبية والتمهيد لحوار شامل. بينما لم تعلن الحكومة الشرعية أو جماعة أنصار الله (الحوثيون) أو المجلس الانتقالي الجنوبي، أي بيانات رسمية بشأن الحدث.
سعى المشاركون -حسب مركز صنعاء- إلى “التوصل لتوافق في الآراء بشأن الحلول المحتملة وتقديم توصيات يمكن المضي بها قدماً من جانب مختلف الجهات الفاعلة”. تركزت المناقشات حول قضايا مثل التحديات التي تواجه البنوك اليمنية وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وأحدث المستجدات المتعلقة بناقلة “صافر”، كما تم التباحث بشأن المشهد السياسي والمجموعات السياسية الرسمية وغير الرسمية.

وشملت الملفات التي تم التحاور بشأنها كذلك القضية الجنوبية. ويزعم المركز، في تقرير له، أن القادة الجنوبيين في اليمن تناولوا الحاجة إلى تعزيز الحوار بين الجنوبيين؛ بما يساعد في إدراج القضايا الجنوبية بشكل هادف في عملية السلام. كما لم تتم الإشارة -حتى من بعيد- إلى نتائج أو مؤشرات الحوار مع جماعة الحوثيين.
يُعد الحوثيون والجنوبيون وجماعات الإسلام السياسي والداعمون الخارجيون لكل طرف عُقدةَ الصراع في اليمن. وسيتطلب أي حوار ناجح مع هذه الأطراف التخلي عن المواقف المسبقة والاستعداد لتقديم التنازلات الحقيقية.
أهمية الحوار ومراكز الفكر في حل القضايا
لا شك أن العنف كان ولا يزال أحد الحلول -الأخيرة- لحل النزاعات، ومع ذلك شكَّل الحوار والدبلوماسية أيضاً إحدى طرق حل النزاعات والسلام.
اقرأ أيضاً: ماذا تعلمنا من صراع أكثر من قرن في اليمن؟
يوفر الحوار والمفاوضات طريقة سلمية لحل الصراع؛ فمن خلال الحوار يمكن لأطراف النزاع التعبير عن مظاليمهم والتوصل إلى حل مقبول للطرفين. في بعض الحالات، قد يعني ذلك تقديم تنازلات. يمكن للحوار أن يساعد في بناء الثقة والتفاهم بين الأطراف؛ وهو أمر ضروري لتحقيق سلام طويل الأمد.
لكن الحوار الذي نتحدث عنه هو الحوار بين أطراف الصراع المؤثرة على سير المعارك على الأرض والقرار السياسي. في مثل هذه الحالة، لا يكون الحوار سهلاً دائماً؛ حيث يتطلب من الأطراف أن يكونوا على استعداد للاستماع إلى بعضهم البعض ووضع أفكارهم المسبقة وافتراضاتهم جانباً.
لقد تحاور اليمنيون كثيراً ومُطولاً -الحوار الوطني على سبيل المثال استمر قرابة العام- لكن الافتراضات والأفكار والرغبات المسبقة غير القابلة “للتفاوض” دائماً ما تحرم اليمنيين من أية نتائج إيجابية منتظرة. ناهيك بأن الكثير من القوى ترى العنف وسيلة أسرع حسماً لقضاياها
يمكن للحوار أن يؤدي إلى تقليل الأعمال العدائية وزيادة الرغبة في إيجاد حل مقبول للطرفين فقط عندما تقبل الأطراف بعضها بعضاً، نداً بِند، ومع وجود نيَّات حسنة.
ومع ذلك، فإن كل تلك المهام منوطة بالدبلوماسية وأطراف الصراع الرسمية، وليس مراكز الفكر؛ مثل مركز صنعاء المنظّم لمنتدى اليمن الدولي. إلا أن هذا لا يلغي أهمية نشاط تلك المراكز أو يقلل من أهمية دورها في حل النزاعات وتوجيه السياسة. في السنوات الأخيرة، كان هناك اعتراف متزايد بالحاجة إلى نهج جديدة لبناء السلام، نهج يتجاوز الجهود الدبلوماسية التقليدية.
مؤسسات الفكر.. دور مهم لكن مع مزاعم بعدم النزاهة
تؤدي مؤسسات الفكر والرأي دوراً مهماً في عملية بناء السلام وفقاً للتوجهات الحديثة. تجمع هذه المنظمات خبراء متنوعين لإجراء البحوث والتحليلات حول مجموعة واسعة من الموضوعات المتعلقة بالصراع والسلام. وتسهم أنشطتهم في إطلاع صانعي السياسات على الأسباب الجذرية للنزاع، والأثر المحتمل لخيارات السياسة المختلفة، وأفضل طريقة للمضي قدماً في المواقف الصعبة.
اقرأ أيضاً: اليمن.. هل تسهم قوات العمالقة في حماية نفط وغاز شبوة؟
بالإضافة إلى كل ذلك، يمكن للمراكز البحثية أن تعمل كمنتديات للحوار والنقاش؛ إذ إنه من خلال الجمع بين مختلف الفاعلين -بما في ذلك المسؤولون الحكوميون وممثلو المجتمع المدني والأكاديميون- يمكن خلق مساحة للحوار البنّاء وتبادل الأفكار، ووضع المعايير والقواعد، وتحديد المصالح والأولويات المشتركة، وبناء التحالفات، وتطوير الحلول لبعض القضايا الأكثر إلحاحاً. والأهم من كل ذلك، أخذُ التوصيات محل الجد من قِبل المنخرطين في كل ذلك الجهد والمتخاصمين.
لا يزال دور مؤسسات الفكر، المحدودة أصلاً في اليمن، هامشياً إلى حد بعيد. ولا تزال مؤسسات الفكر الأجنبية أكثر تأثيراً في توجيه سياسات الدول الأجنبية. بما في ذلك الدول المنخرطة في الأزمة اليمنية بشكل أو بآخر.
كما أن الأخبار المؤسفة حول احتمال استغلال تلك المؤسسات للتأثير على صنَّاع القرار لصالح أطراف معينة تجعل موضوعية ونزاهة تلك المؤسسات موضع شك، وهو ما طفا على السطح بعد مزاعم الفساد والاستغلال التي نالت معهد بروكينغز الأمريكي العريق مؤخراً، والتي يتعرض رئيسها إلى التحقيق من قِبل المباحث الفيدرالية؛ بسبب دوره في حملة ضغط غير قانونية على صناع القرار الأمريكي لصالح دولة قطر، و”الترويج لوجهة نظر قطر لكبار مسؤولي البيت الأبيض والكونغرس”.