الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
منتدى أمن الإمارات 2019 يناقش قضايا القرن الإفريقي
قرقاش: "الحديث عن طبيعة دور الصين يشهد انقسامًا بين الدارسين للعلاقات الدولية؛ بين مَن يرى أن الصين تعمل لأن تكون قوة كبرى في النظام الدولي بصورة كلاسيكية، ومَن يرى أنها لن تكون راغبة في لعب هذا الدور بهذه الصورة، وأنها تفضل المنافسة الاقتصادية (الشرسة) في إفريقيا".

أبوظبي- كيوبوست
يحتل القرن الإفريقي أهمية مستمرة بل ومتزايدة في اهتمامات الخبراء والباحثين في أمن منطقة الخليج العربية؛ لما لهذه المنطقة من أهمية استراتيجية كبيرة، وتأثيرات مهمة. وفي هذا الصدد كانت منطقة القرن الإفريقي ومستقبلها محور نقاشات منتدى أمن الإمارات 2019، والذي يُعقد للمرة الرابعة في أبوظبي، وينظمه معهد دول الخليج العربية في واشنطن. ضمت النقاشات آراء مسؤولين رسميين؛ على رأسهم أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الإمارات، مع خبراء وباحثين مميزين في هذا الصدد.
انطلق المنتدى من أن منطقة القرن الإفريقي تشهد تنافسًا واضحًا في التعاطي معها؛ سواء من قِبَل دولة مثل الصين، أو من قِبَل الجوار الجغرافي لها؛ مثل دول الخليج العربية. وعلى الرغم من التشعب الكبير للقضايا التي يمكن أن تطرح في هذا السياق؛ فإن المتحدثين في المنتدى ركزوا على عدد من القضايا المهمة، منها القضايا المتعلقة بأمن الممرات المائية، في ظل وجود صراعات واضطرابات مستمرة في هذه المنطقة، ومن ثَمَّ فإن بحث آليات حماية ممر باب المندب الذي يربط خط التجارة الرئيسي للنفط العالمي أحد القضايا الملحة.
اقرأ أيضًا: التواطؤ القطري- الإيراني في دعم الإرهاب بالقرن الإفريقي
انطلقت النقاشات من حقيقة مهمة، وهي أن هناك تنوعًا في أوضاع دول القرن الإفريقي من حيث الاستقرار والإشكاليات والتحديات التي تواجهها دوله؛ فإثيوبيا ليست كالصومال وجيبوتي ليست كإريتريا، فالتحديات التي تواجهها هذه الدول تتباين وتختلف شدتها وتتنوع بين تحديات شديدة الضخامة؛ مثل تلك التي تعانيها الصومال من وجود الإرهاب والجماعات المتشددة، وحالة من عدم الاستقرار تلقي بظلالها بصورة كبيرة على أمن المنطقة، وبين تحديات تتعلق بتنافس على الفرص الاستثمارية بين القوى الكبرى الفاعلة؛ وهو ما يحدث في جيبوتي على سبيل المثال.
السعودية والإمارات في القرن الإفريقي
لطالما نظرت دول الخليج العربية؛ خصوصًا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، إلى أن استقرار منطقة القرن الإفريقي من القضايا شديدة الأهمية، وبذلت في هذا السياق جهودًا حثيثة؛ سواء أكانت بدعم مفاوضات الأطراف المختلفة لتحقيق الأمن والاستقرار، مثل رعاية دولة الإمارات مفاوضات السلام بين إريتريا وإثيوبيا، أم من خلال ضخ الأموال والاستثمارات، والذي اعتبره المشاركون الأكسجين الذي تحتاج إليه هذه الدول للتمكن من النهوض ببعض المتطلبات الرئيسية للتحول نحو الاستقرار.
وفي هذا الصدد، أشار عبد الله بن خالد آل سعود، مدير البحوث في مركز الملك فيصل للأبحاث، إلى أن الدور السعودي في القرن الإفريقي يرتكن إلى المنفعة المتبادلة هناك، وأن هذه الصيغة في التعاون مهمة. وقال وزير الدولة الإماراتي أنور قرقاش: “إن الإمارات تحاول أن لا تكون لاعبًا منفردًا في القرن الإفريقي يقوم بدور أحادي الجانب؛ بل إنها تفضل دومًا العمل الجماعي الذي يهدف إلى تحقيق الأمن والاستقرار ومكافحة التطرف وتحقيق التنمية”.

التنافس بين القوى العالمية في القرن الإفريقي
على الرغم من أن الوجود الأمريكي التقليدي في المنطقة يبدو مؤثرًا وفاعلًا، خصوصًا في ما يتعلق بتأمين الملاحة في هذه البؤرة شديدة الأهمية؛ فإن الولايات المتحدة ليست اللاعب الدولي الوحيد هناك، بل إن التنافس بينها وبين الصين على الوجود في هذه المنطقة يبدو أيضًا مؤثرًا عند الحديث عن مستقبلها، وهو ما أشار إليه بوضوح نائب قائد العمليات الأمريكية في القرن الإفريقي البريجيدير ميغيل كاستيلانوس، والذي اعتبر أن منطقة القرن الإفريقي تمر بتحديات ضخمة، في الصومال وجنوب السودان، وأن الحل دومًا هو النقاش والحوار الذي لا يقتصر على الدول فقط، بل أهمية إشراك المؤسسات المعنية؛ مثل الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة. لكنه من جانب آخر حذَّر من أن التنافس في الاستثمارات في المنطقة بين الفاعلين هناك، ومنهم الصين، قد يكون مخربًا في بعض الأوقات، صحيح أن عديدًا من دول المنطقة يحتاج إلى الاستثمارات الخارجية؛ وعلى رأسها الصومال، لكن ما لم تخضع آليات الاستثمار هناك إلى الشفافية والرغبة الصادقة في إحداث التنمية، فإن هذه الأموال قد تكون مدمرة لجهود دعم الاستقرار.
وحول الصين، أشار أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، إلى أن الصين فاعل واضح في منطقة القرن الإفريقي؛ لكن الحديث عن طبيعة دورها يشهد انقسامًا بين الدارسين للعلاقات الدولية، بين مَن يرى أن الصين تعمل لأن تكون قوة كبرى في النظام الدولي بصورة كلاسيكية، ومَن يرى أنها لن تكون راغبة في لعب هذا الدور بهذه الصورة وأنها تفضل المنافسة الاقتصادية “الشرسة” في إفريقيا. واعتبر قرقاش أن البحث عن صيغة للتعاون لتحقيق التنمية في القرن الإفريقي هو البديل الآمن لجميع الأطراف لتحقيق الاستقرار ومصلحة الجميع.

تحولات حقيقية يمر بها القرن الإفريقي
“الفهم الجيد من أرض الواقع لحقيقة ما يحدث في دول القرن الإفريقي هو المحرك للعمل قدمًا على استقرار المنطقة، أخذًا في الاعتبار أنها تمر بتحولات ترتكن في جزء كبير منها إلى تحول ديموغرافي”. هذه الجملة التي وردت على لسان السفير أليكسندر روندوس، المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي في القرن الإفريقي، جملة مفتاحية تعبر عن الوضع شديد الدقة الذي تمر به هذه المنطقة.
وأكد روندوس قضية ضرورة تحليل الأوضاع الديموغرافية، من منطلق أن هناك جيلًا جديدًا في هذه الدول ممن هم أقل من 30 عامًا ويمثلون نسبة لا تقل عن 50% من إجمالي السكان؛ هذا الجيل منفتح بالكامل على العالم، ويطالب بإحداث تغييرات حقيقية، وغالبًا لا يثق هذا الجيل في الأنظمة التي تحكمه، ويطالب باستمرار بإجراء إصلاحات.
اقرأ أيضًا: اتهامات إريترية جديدة لقطر.. وصورة الدوحة تتراجع إفريقيًّا
وأكد المبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي في القرن الإفريقي أن اللحظة التي تمر بها دول القرن الإفريقي، خصوصًا السودان والصومال، لحظة “سيولة”، وأن هناك عديدًا من التوقعات بالاتجاهات المختلفة التي يمكن أن تسلكها هذه التحولات؛ منها ما يشير إلى إمكانية حدوث استقرار أو بقاء حالة عدم الاستقرار، وبين هذين البديلَين تكمن تحديات مواجهة الإرهاب ومواجهة البطالة والجريمة المنظمة وإشراك جيل الشباب في المجتمع، وأن يكون فاعلًا في مجمل مؤسساته. هناك عديد من الفرص؛ خصوصًا في ضوء الاستثمارات الخارجية؛ لكن هذه الفرص تطلب رؤية شاملة للاستفادة منها وتحويلها إلى أن تكون آلية مسهلة للتحولات الإيجابية.
من جانبه، أكد أيضا موريثي موتيجا، مدير المشروعات والباحث في مجموعة الأزمات الدولية، أن قضية الجيل الجديد أمر لابد أن يتم التعامل معه بجدية حقيقية، وإلا كان هؤلاء الشباب فرصة سهلة للتجنيد من قِبَل الجماعات الإرهابية.