الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربية

مملكتا دادان ولحيان… العمق الحضاري لصحراء الجزيرة العربية

كيوبوست

أعلنت الهيئة الملكية لمحافظة “العُلا” في المملكة العربية السعودية، عن توقيع اتفاقية مع متحف “اللوفر” في العاصمة الفرنسية باريس، لعرض تمثال يعود للفترة اللحيانية في مملكة “دادان”، ويرجّح أنه يمثّل أحد ملوك حضارة اللحيان، وسيعرض لمدة خمس سنوات في اللوفر.

ويعود التمثال الذي يعكس مهارات النحت اللحيانية، ويأخذ شكل جسد رجل، للفترة ما بين القرن الخامس والثالث قبل الميلاد، فيما يزن أكثر من 800 كغم، ويتجاوز طوله المترين، وعلى مدار السنين تعرّض التمثال المكون من الحجر الرملي لعوامل التعرية، لكنه لا يزال يعكس مهارات النحت الدادانية واللحيانية.

اقرأ أيضًا: شبكة من الممرات الجنائزية عمرها 4500 سنة في السعودية

ويأتي ذلك ضمن عمليات التنقيب التي بدأت في محافظة العلا منذ العام 2019م، للعثور على آثار المنطقة واستكشاف تاريخها الممتد لقرون، بعدما تحول الموقف السعودي الرسمي من التحفظ ضد تاريخ ما قبل الإسلام، إلى الاهتمام بالتنقيب لإبراز الإرث التاريخي للملكة العربية السعودية.

نشأة مملكة “دادان”

ولا يقتصر الأمر على التمثال المذكور، فقد اكتشف العلماء آثاراً في منطقة العلا، كالفؤوس الحجرية والمقابر المنحوتة في الصخر، وتماثيل لأشخاص وصخور منقوشة، تعود للحضارة اللحيانية التي نشأت في القرن الخامس إلى الثاني ق.م، وسابقتها؛ مملكة دادان التي يعود تاريخها إلى أوائل القرن الثامن ق.م، وهما مملكتان عربيتان كانتا مختفيتين، ومع ظهورهما تأكد أنّ الصحراء التي لطالما نُظر لها على أنها قاحلة وفارغة، ضمت في الحقيقة حضاراتٍ وإرثاً ثقافياً يسبق ظهور النفط.

التمثال اللحياني المعروض في متحف اللوفر

وتشكّلت مملكة دادان التي تُعتبر واحدةً من أكثر حضارات العصر الحديدي ازدهاراً، فقد حكمها سلسلةٌ من الملوك، كما أنها ذُكرت في التوراة، مع تحول الصيادين البدو إلى الزراعة، بعدما تمكنوا من توجيه تدفقات المياه داخل واحة وادي العلا ما مهَّد للاستقرار، فيما ظلَّ السكان يرعون الماشية مع اعتمادهم الزراعة.

وكان لموقع مملكة دادان شمالي شبه الجزيرة العربية دورًا في نمو المملكة واشتداد عودها، فقد تمكنت بسببه من السيطرة على تجارة البخور، وبالتحديد مادة اللبان العطري، الذي كان يستخرج من شجرة موطنها اليمن، ويتم نقلها إلى المعابد في مصر الفرعونية، وبلاد ما بين النهرين والشام عبر قوافل الجمال، التي كانت تمر عبر مملكة دادان، الأمر الذي مكّن المملكة من فرض رسوم على أولئك التجار العابرين من أراضيها باتجاه مناطق البحر المتوسط، ما ساهم في ازدهار اقتصاد دادان لعدة قرون.

اقرأ أيضًا: الحضارة السودانية المسروقة.. كنوز أثرية في المتاحف الأوروبية

تلاشت قوة دادان، ومن المتوقع أن نهايتها كمملكة كانت على يد ملك بابل “نبو نيد” في القرن السادس ق.م، الذي غزا المنطقة وقتل ملكها، وبعد فترة غير محددة تمامًا سيطرت قبيلة لحيان على المنطقة، وامتدت سيطرتهم لتشمل مساحة واسعة ابتداء من “المدينة المنورة” لغاية خليج “العقبة” الذي كان يُشار إليه وفقاً للخرائط اليونانية، ولمدة ثلاثة قرون، بخليج “لحيان”.

فيما كانت الزراعة عصباً مهماً في المنظومة الاقتصادية للحيان، وتحديداً زراعة النخيل، فقد كانت مركزاً للتمور المجففة.

الإرث الثقافي

من الواضح أن اللحيانيين لم يستهدفوا الإرث الثقافي لمملكة دادان، فقد عثر المنقبون على نقوشٍ في منطقة تيماء ودومة الجندل تضم نصوصاً أشارت لملوكٍ وحجاج، كما تحدثت عن أمورٍ حياتية كالموت والضرائب، ما يؤكد أنّ مملكة دادان طوّرت نظام كتابةٍ خاصاً بها، ضمن ما أُطلق عليه اللغة “الدادانية”، وهي لغة سامية استخدمت لمدة 500 عام.

كما طوّر سكان دادان، ومن بعدهم اللحيانيون، طقوساً روحانية، استدل علماء الآثار عليها عبر حوض اسطواني ضخم محفور في حجر للمياه، يبلغ ارتفاعه 8 أقدام، ورجحوا أنه كان يستخدم لأغراضٍ دينية كالوضوء من قبل الحجاج القادمين للاحتفاء بمجموعة من الآلهة، كما عُثر على ملاذاتٍ محفورة في المنحدرات في مدائن صالح في محافظة العلا.

اقرأ أيضاً: بلدة سامراء العراقية… درة تاج الحضارة الإسلامية

كما عبد سكان دادان واللحيانيون إلهاً أطلقوا عليه اسم “سيد البستان” أو “رب الغابة”، الذي كان يقدّم له أتباعه نذوراً من اللبان، وتماثيل صغيرة من الحجر الرملي تصور البشر وأولى الثمار، وكشفت عمليات التنقيب عن زخارف على شكل ثعابين، رجح المؤرخ حسين أبوالحسن أن لها “وظيفة وقائية”.

كما أولى اللحيانيون اهتماماً خاصاً في ما يتعلق بالدفن، فقد تم دفن الموتى في مقابر فردية أو جماعية، نُحتت في منحدرات، وعُثر على قبورٍ أُطلق عليها “قبور الأسود” في العلا، والتي كان يُنقش بموازاتها أسوداً في محاولةٍ لحمايتها.

تماثيل لحياينية- الهيئة الملكية لمحافظة العلا

وعلى المستوى الفني، خلّفت مملكة دادان، وحضارة لحيان، آثاراً جسّدت مشاهد الصيد والجمال والنعام والوجوه، عُثر على بعضها، ولا يزال البعض الآخر قيد التنقيب، وتشير الآثار التي تم الكشف عنها إلى أن دادان ولحيان طوَّرتا نمطاً فريداً بالنحت، إلى جانب احتمالية تأثرها بالثقافات المجاورة في مصر والشام، وبلاد ما بين النهرين، وجنوب الجزيرة العربية.

فيما كانت نهاية حضارة لحيان قبيل القرن الأول ق.م، على يد منافسيهم الأنباط الذين سكنوا جنوب الأردن.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة