الواجهة الرئيسيةشؤون خليجية
مكتبة جرير تحظر كتب السعداوي.. قرار تجاري وسباحة عكس التيار!
كتاب ومثقفون سعوديون يؤكدون لـ"كيوبوست" أن ضغط حملات متشددة مجهولة يقف خلف الخطوة.. وكتب السعداوي متاحة للبيع عبر مكتبات في السعودية

كيوبوست
في عام 2001 ذكر المفكر السعودي الراحل راشد المبارك، في حديثٍ خاص إلى عددٍ من الكتاب والصحفيين، أن المجلس الأعلى للإعلام -أُلغي لاحقاً- قد عرض عليه مذكرة من رئاسة الإفتاء والبحوث العلمية بتوقيع عدد من المفتين برئاسة المفتي، تتضمن المطالبة بمنع ثلاثة آلاف كتاب كلها من كتب التراث العربي؛ كثير منها موجود في منافذ البيع والمكتبات، وبعضها محظور أصلاً، وكانت كتب أدب وكلام وفلسفة وكتب تصوف ومدائح نبوية وتاريخ وشعر وسير ذاتية، كان بعض منها مفقوداً أصلاً ولا وجود له. ويقول المبارك: “ولكن الأمير نايف، وزير الداخلية وقتها، كان حصيفاً؛ حيث طلب من أعضاء المجلس الأعلى للإعلام أن يلقوا نظرة على المذكرة ولا يلقوا لها بالاً”.
بعد أيام من حملة إلكترونية موجهة، ووسوم على “تويتر”، أزالت مكتبة جرير في السعودية جميع كتب المفكرة المصرية نوال السعداوي (1931-2021) من متجرها الإلكتروني، في خطوة جاءت تحت ضغوط وسوم انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو إلى مقاطعة المكتبة، والتي تعتبر أكبر ناشر وموزع، كما أنها أكبر سوق للكتب في السعودية، وتتسيد مبيعات سوق الكتب منذ عقدين تقريباً، بعد أن نجحت في إزالة كل من مكتبة الرشد والعبيكان من الصدارة.
نوال السعداوي !
ضد الدين والحجاب والختان وتعدد الزوجات لكنها تدعم المثلية الجنسيّة !
عندما يكتُب الشيطان ؛ وتنشر له "جرير"#جرير_تروج_للكفر#مقاطعه_مكتبه_جرير pic.twitter.com/MSUaSJJBN7
— ⚽️? (@abdullatif1996_) June 16, 2021
للأسف يا #مكتبة_جرير
كنا نحب شراء الكتب وكانت تعتبر من أروع النزهات
وتعتبر مكتبة جرير مصدر موثوق وشامل للكتب
اما الان وبعد نشر كتب الملاحدة والنسوية #نوال_السعداوي وغيرهافالبدائل كثير ولله الحمد#مكتبة_الرشد#مكتبة_العبيكان#مقاطعه_مكتبه_جرير
— مشروع بيوت مطمئنة للزواج ? بدون مقابل (@kkttaabba9) June 21, 2021
مكتبة جرير تعرض كتب الملحده النسويه الهالكه نوال السعداوي وتبيعها على ابناء وبنات المسلمين بدون خوف ولا حياء ولا خجل من رب العالمين.
قاطعوا جرير وحذروا الناس منهم هذه حرب على الدين والمجتمع هذه ليست مكتبه بل مهلكه فيها كتب الملاحده والمنافقين#جرير_تروج_للكفر#مقاطعه_مكتبه_جرير pic.twitter.com/PsCyMlgeLR— محمد (@mohamed6250) June 16, 2021
يوم كنت في العشرين، كنت أكره نوال السعداوي، واشتمها، وأدعي عليها.. ظناً مني إن ذلك يُقربني من الله.. كبرت، ونضجت.. فأصبحت أتفق معها، وأختلف.. لكن دون شتائم.. دون كراهية.. دون دعاء بالضرر.. والأهم من ذلك أني أدركت أن كراهية إنسان مُسالم، لا يُمكن أن تُقربني إلى الله !! pic.twitter.com/sGB0JXiEiX
— عبدالله النعيمي (@AbdllahAlneaimi) June 14, 2021
إذا صح أن جرير سحبت كتب عشان كم أحمق اشتكى بتويتر، فليش فاتحين مكتبة؟ وراه ما يبيعون جح؟ اليوم نوال، بكرة كتب فلسفة، بعده روايات، ومنتب قاضي منهم.
عموما هذا رابط لتحميل كتب نوال السعداوي من مكتبة هنداوي مجاناhttps://t.co/F7j1IUccn9
— سلطان العامر (@sultaan_1) June 17, 2021
في هاشتاغ لمقاطعة مكتبة جرير لأنها تبيع كتب نوال السعداوي؟ كتب السعداوي متوفرة في الخليج عموما وفي الكويت من زمان، المكتبة دورها تبيع كل أنواع الكتب، إقرؤوها ولو من باب معرفة عدوكم، أي جنون نعيش في هذه البقعة المتوسطة، التي لا تعرف أي وسطية، من العالم؟
— ابتهال الخطيب (@Ebtehal_A) June 16, 2021
ورغم أن المكتبة لم تصدر بياناً رسمياً عن حملة المقاطعة؛ فإنها ألغت من متجرها الإلكتروني صفحة تسوق كتب الكاتبة الراحلة، ورفضت الرد على أي استفسارات بشأن المنع؛ حيث حاول “كيوبوست” التواصل مع مسؤولي مكتبة جرير؛ لكن دون جدوى.
تناقض واضح
وتعج أدراج مكتبات جرير وغيرها في المدن السعودية بكتب وروايات طافحة بالأفكار الفلسفية والدينية والأدبية الجريئة، التي لا تتوافق مع ما عرفته البلاد ثقافياً ودينياً واجتماعيا منذ تأسيس المملكة؛ بل لا تتوافق حتى مع السائد والمتفق عليه فقهياً وعقدياً في الإسلام السُّني عموماً. كما أن الملتقيات والجمعيات الثقافية والفلسفية تفتح النقاش على مسائل في غاية الحساسية دينياً وسياسياً واجتماعياً، وترفع السقف فيها للنقاش والحوار وتمر بهدوء.
في عالم النشر والكتب، بقيت مساحة السماح والتضييق والمنع والتغاضي والعقاب والتجاهل، سياسة دقيقة ومعقدة وخاضعة للمزاج الاجتماعي والسياسي أحياناً، والحملات التحريضية والمطالبات المنظمة
في عالم النشر والكتب، بقيت مساحة السماح والتضييق والمنع والتغاضي والعقاب والتجاهل، سياسة دقيقة ومعقدة وخاضعة للمزاج الاجتماعي والسياسي أحياناً، والحملات التحريضية والمطالبات المنظمة، ومع وسائل التواصل الاجتماعي وهيمنة السعوديين على “تويتر” عربياً، غالباً ما كانت هذه المنصة مجال كرّ وفر عبر الوسوم والهاشتاجات، في خط متوازٍ أحياناً ليس منسجماً ولا متقاطعاً مع الإصلاحات الثقافية والاجتماعية والتحولات الدينية التي تتخذها القيادة السياسية وتنفذها مؤسسات الدولة.
اقرأ أيضاً: رحيل نوال السعداوي.. رائدة الدفاع عن حقوق المرأة

يقول الكاتب منصور النقيدان: “لكي تعرف حقيقة الوضع جيداً في السعودية عليك أن تتمتع برؤية واسعة لمعرفة الصورة الكبيرة للمشهد الثقافي في المملكة؛ فالسعودية أكبر سوق للكتب في العالم العربي، وأغلب شريحة القراء للكتب الفلسفية والدينية، التي لا تتوافق مع النهج المحافظ في البلاد، تأتي من المتدينين، وفي سنواتٍ ماضية هم كانوا غالباً مَن يدخلها البلاد بعد أن حصلوا عليها من معارض الكتب الدولية، وعلى الإنترنت؛ فإلى سنوات قريبة كانت مواقع المحافظين والمتدينين هي التي تجود لك بتوفير الكتب الفلسفية العظيمة؛ بما فيها كتب نيتشه والقصيمي وغيرهما، وهنا قد تكون مشوشاً إذا غاب عنك تلمس مفتاح الأحجية لفهم ما جرى، إنها (الحملات المنظمة) فهي الإجابة دائماً”.
ويتابع النقيدان: “في المكتبات ستجد على بُعد درج أو اثنين كتباً أو روايات تحوي جرأة فكرية وفلسفية ودينية قد تتجاوز أفكار السعداوي، ولا أحد يعترض، أمر آخر وهو أن البلاد تنفتح سلوكياً واجتماعياً وفنياً، وهذا الحراك الضخم الذي يقوده ولي العهد السعودي، موشى بعناوين عريضة ثقافياً وبحذر فقهي أكثر، أما الأفكار الساعية للظهور في ضوء النهار فإنها لا تزال تحبو، والإفصاح عنها لا يزال خجولاً وحذراً؛ لكنها تخطو بهدوء ومن دون صخب، فهناك قلق من أن أية إثارة تمس صلب الثوابت قد تنعكس سلباً على مشاريع الإصلاح التي هي في بؤرة رؤية المملكة لعالم المستقبل”.

ومثلت السعداوي لعقود طويلة رمزاً للكفاح النسوي والتحرر ومواجهة الفقهاء ومحاربة التمييز وتسليع الإناث ورفض الثوابت الفقهية والنصوص الدينية التي رأت أنها على مر القرون ظلمت المرأة وجعلتها في مرتبة أدنى من الرجل. وفي سنواتها الأخيرة، أعلنت من دون خجل أو مواربة تأييدها حكم الرئيس السيسي، وكل الإجراءات الأمنية التي اتخذها النظام المصري ضد التنظيمات المسلحة والعنيفة ومروجي الأفكار المتطرفة والإرهابية، فعاداها الإخوان المسلمون وتيارات الإسلام السياسي، فغَدت عدوة لدودة لهم، في موقفها من المرأة والجندر، ولتأييدها السيسي بعد سقوط حكم الإخوان.

“نوال السعداوي وفاطمة المرنيسي وغادة السمان، رافقت كتبهن منذ سنوات يفاعي وفي الجامعة؛ ولكن السعداوي كانت هي الأكثر صخباً وعناداً، ومنحتها الفضائيات والمناظرات انتشاراً واسعاً أسهم في انتشار كتبها. عرفتُها وأنا في الثانوية في مناظرة تليفزيونية، وكان الأزهري المعمم يعارضها بغضب وصراخ، وكانت هي باردة تعبر بهدوء، كانت مختلفة طوال حياتها عنيدة وثابتة، آمنت بالمساواة وبتحرير المرأة، وفي الوقت نفسه كانت ضد تسليعها واستغلالها جنسياً”، كما تقول صحفية سعودية ومقدمة برامج. وتضيف: “كانت نوال متطرفة إلى الدعوة ضد الزينة والميك أب، فأنتِ جميلة كونك امرأة، وليس من أجل إرضاء الرجل، وهذا هو الجمال الحقيقي”.
وجاء سحب مكتبة جرير لكتب السعداوي في وقتٍ قررت فيه وزارة الإعلام والهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع بالسعودية السماح الفوري والمباشر للمطبوعات الخارجية الإلكترونية والرقابة البعدية، بعد تعديل اللائحة التنفيذية لنظام المطبوعات والنشر؛ حيث يمكن للمستفيدين التقدم للحصول على الموافقات عبر منصة التراخيص الإلكترونية التابعة للهيئة، والتي يتوقع أن تصل إلى 300 ألف عنوان خلال العام الأول بعد تطبيق هذه التعديلات.

مفارقة غريبة

ويقول الكاتب الباحث في الفلسفة شايع الوقيان: “في الوقت الذي استجابت فيه المكتبة باعتبارها مركزاً تجارياً يهدف في النهاية إلى الربح ويقدمه على العلم، أصدرت وزارة الإعلام السعودية قراراً يسمح بوصول الكتب الواردة من الخارج بشكل فوري، مع إبقاء عملية المراجعة لاحقة على دخولها البلاد وليست سابقة، مشيراً إلى أن هذه المفارقة توضح التناقض بين الخط الرسمي الساعي للنهوض والتطور والخط الرجعي الذي يقوده بعض المشاهير ذوي الأجندات المشبوهة وربما الخارجية”.
لا تزال “الصحوة” تمتلك سطوة ولديها أتباع يسيرون وراءها حتى الآن في السعودية، حسب الروائي السعودي أحمد أبو دهمان، الذي يقول لـ”كيوبوست”: إن انطلاق الحملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي قد يكون وراءه شخص جاهل ومتطرف ضد فكر نوال السعودي وما تحمله من أفكار تقدمية.
يشير الوقيان إلى أن الهجوم على “جرير” وانتقادها لم يكن شعبياً؛ ولكن نبع من خلايا إلكترونية مجهولة المصدر في الغالب، وهدفها ليس سوى التحريض على الحكومة وجهودها النهضوية والتنموية، مشيراً إلى أن مصادرة الكتب آفة عربية قديمة؛ لكنها تلاشت مع الانفتاح، ولم يعد منع الكتب يجدي شيئاً.
يشير الوقيان إلى أن الهجوم على “جرير” وانتقادها لم يكن شعبياً؛ ولكن نبع من خلايا إلكترونية مجهولة المصدر في الغالب، وهدفها ليس سوى التحريض على الحكومة وجهودها النهضوية والتنموية، مشيراً إلى أن مصادرة الكتب آفة عربية قديمة؛ لكنها تلاشت مع الانفتاح، ولم يعد منع الكتب يجدي شيئاً.
وتمثل السعداوي استثناء من جيل النسويات الكلاسيكيات؛ فهي نمط مختلف، فغالب النسويات في السنوات الأخيرة ذوات توجهات سياسية متطابقة تقريباً، بمواقف سياسية معارضة ومحرضة ضد نمط الحكم السائد في الخليج وفي مصر، وانسجاماً مع التيارات المعارضة والمنخرطة في الحركات الفوضوية الموجهة، ونوال كانت خلاف ذلك، ومع أنها تتمتع بتجربة حزينة مع النظام الذي سجنها؛ لكن مرارتها كانت على الدوام محكومة بحب مصر والخوف عليها، لهذا كانت معادية للإخوان المسلمين، ومع استقرار البلاد، ووقوفها مع النظام الحالي أكد فرادتها، وكانت في الآن نفسه ضد إهانة المرأة وتسليعها؛ لهذا كانت نمطاً مختلفاً مكروهاً من المتشددين؛ السروريين والإخوان المسلمين في السعودية وغيرها.
ضغوط التيار الديني
اعتاد السعوديون منذ فترة طويلة على منع بعض الكتب، حسب الكاتب عبدالله القرني، الذي يقول لـ”كيوبوست”: إن ما حدث ليس بجديد؛ لكن الخطوة التي اتخذتها مكتبة جرير بسبب ضغوط التيار الديني، ستكون مجرد مرحلة مؤقتة ستمر سريعاً؛ خصوصاً بعد صدور القرار الحكومي برفع الرقابة المسبقة على الكتب، وهو ما سيمنح أي مواطن قدرة شراء الكتب التي يريدها من داخل أو خارج السعودية من دون أي محظورات قانونية.
ورغم استجابة مكتبة جرير للحملة، وإيقاف عملية بيع كتب نوال السعداوي المختلفة، سواء في المنافذ أو على الموقع الإلكتروني؛ فإن هذه الكتب ليست ممنوعة من التداول في السعودية أو البيع بأي من دور التوزيع الأخرى في المملكة، بينما يؤكد القرني أن العديد من المكتبات ستسعى إلى اقتناء هذه الكتب وعرضها على القراء بهدف الربح، وما حدث مع “جرير” سيكون بمثابة فرصة للمكتبات الأخرى من أجل إتاحة بيع كتب نوال السعداوي، وغيرها خلال الفترة المقبلة.
اقرأ أيضاً: هل شعرت نوال السعداوي بالحرية بعد هذه المسيرة النضالية الطويلة؟

يرجع أحمد أبو دهمان عدم صمود “جرير” في مواجهة الحملة المتطرفة؛ لكونها لا تصنف مكتبة بالمعنى المفهوم، ولكن شركة مدرجة في سوق الأسهم، ولها طبيعة تجارية على العكس من دور النشر والمكتبات الأخرى، والتي يمكنها أن تواجه مثل هذه الحملات، وتتصدى لها، مشيراً إلى أن “جرير” على سبيل المثال تتيح للبيع كتباً لا تقل أهمية عن كتب نوال السعداوي، وتحمل نفس الأفكار.
يؤيد هذا الرأي شايع الوقيان، قائلاً: “لعل الضجيج الذي صاحب نشر كتب نوال السعداوي عرَّف كثيراً من القراء بها، فبحثوا عن كتبها من مصادر أخرى، وهذا يؤكد فعلياً أن الهدف لم يكن إزالة كتب السعداوي؛ بل إثارة العامة وتحريضهم”، مشيراً إلى أن من الأمور المضحكة -وربما المبكية- أن مَن يندد بكتب السعداوي لم يقرأها واكتفى بلقاءات عابرة لها من هنا وهناك.

وأكد أن هذا الجهل العارم يستغله أصحاب الأجندات السياسية المعارضة، ولا يزال يتكرر وسيظل باقياً حتى يتحرر الفضاء العام من القيود المصطنعة ويسمح للمؤلفين بالتعبير بحرية، مستذكراً واقعة دعوة وزير عربي إلى منع جلال الدين الرومي من دخول بلاده لإلقاء محاضرة؛ لأنه مبتدع زنديق، ولم يعلم هذا الرجل أن جلال الدين الرومي مات قبل سبعمئة عام.
“دائماً كانت قاطرة الأفكار الجريئة المجددة التي تصادم الثوابت المستقرة اجتماعياً ودينياً هي الأفقر في المساحة، والأكثر إحجاماً في مشاريع التنمية والإصلاح الكبرى؛ فهي قابعة في الهامش على الضفاف، وتسلك مسارها من دون لفت نظر؛ لكنها تشق طريقها مستفيدة من ترس التنمية وطميها الضخم، ومتشبثة بدعامة صخب التحولات.
الخلاصة أن السعودية هي الأكثر حراكاً عربياً، ودائماً معارك الكتب والنشر والمنع والفسح هي ميدان كر وفر مبطنة بأهداف سياسية ذات لبوس ديني محافظ”. كما يقول النقيدان.