الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

مكافحة الإرهاب في إفريقيا.. هل ثمة حلولٌ جذرية؟

أشار تقرير صدر حديثاً عن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف إلى أن دول المنطقة التي اعتمدت خيار العمليات العسكرية فقط في مواجهة الإرهاب تواجه مصاعب أكثر من غيرها

كيوبوست- عبد الجليل سليمان

بينما تواجه دول كثيرة، في غرب إفريقيا، تحدياتٍ جدية، إزاء تمدد الحركات الجهادية المتطرفة على نطاقٍ واسع، ومساحات جغرافية شاسعة، خاصة المثلث الحدودي بين جمهوريات مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الذي بات بؤرة لأنشطة المنظمات الإرهابية العابرة للحدود، يعجز معظمها عن بسط سيطرة الدولة، وفرض سيادته على تلك المساحات التي أصبحت مرتعاً للإرهاب والعصابات الإجرامية.

وفي هذا الصدد، أشار تقرير، صدر حديثاً عن مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إلى أن دول المنطقة التي اعتمدت خيار العمليات العسكرية فقط، في مواجهة تلك التنظيمات هي التي تواجه مصاعب أكثر من غيرها.

وعزا التقرير انتشار الأنشطة الإرهابية العابرة للحدود، وخروج أجزاء واسعة من دول غرب إفريقيا عن سيطرة الحكومات، إلى ما سمّاها هشاشة البنية المجتمعية، وارتفـاع نسبة الفقـر، والتعدد القَبَليِّ والدينيِّ، والصراعات السياسية والاجتماعية، واتساع الفجوة بين المنظومة التعليمية، ومتطلبات سوق العمل، وبالتالي انتشار البطالة، فضلاً على تدهور حالة حقوق الإنسان، وتضاؤل فرص المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وكثرة الحروب والصراعات والانقلابات العسكرية؛ ما أفرز بيئة خصبة لتمدد الإرهاب.

مثلث الإرهاب في غرب إفريقيا- بي بي سي

واقترح التقرير ما وصفها بالحلول، التي تتجاوز عقبات تبني الخيار العسكري، فقط، واقترح في هذا السياق، ضرورة إعداد قاعدة بيانات، وبناء شبكة معلومات، إلكترونية وبشرية، عن التنظيمات المتطرفة والعناصر الإرهابية، تحتوي على معلوماتٍ دقيقة عن مواطن ضعفها وقوتها، بجانب حصار هذه التنظيمات، وتفكيكها من الداخل، والعمل على توظيف العناصر المنشقة عنها في اختراقها، وتجفيف مصادر التمويل، وقطع الدعم اللوجستي.

 اقرأ أيضاً: بين الحرب والحوار.. هل تحقق مقاربة (بازوم) في الساحل ما فشلت فيه برخان؟

الديمقراطية “كلمة السِّر”

وللتعليقِ على تقرير مرصد الأزهر، والمقترحات التي تضمنها، قالت حرم أبوبكر، الباحثة في الشؤون الإفريقية لـ”كيوبوست”: بطبيعة الحال، فإن ما تضمنه التقرير، لا غبار عليه، وإن كانت المقترحات والحلول التي تقدّم بها ليس فيها جديد، ولا أعتقد أن السلطات الأمنية والحكومات في دول غرب إفريقيا، مهما بلغ ضعفها، غير منتبهة لمثل هذا التصور البديهي، لذلك فمن وجهة نظري أن التقرير لم يقل شيئاً ذا بال في هذه الناحية، وإن دفع بمقدمة تعريفية لا بأس بها.

تضيف أبوبكر، أن السبب المباشر وراء ضعف الحكومات -هناك- في ملاحقة الإرهاب والقضاء عليه، هو غياب الديمقراطية، وتغييب الشعوب عن شؤون الدولة، هذا الغياب تسبب في انتشار الفساد والمظالم الاجتماعية والدينية، وخلق حالة من الاحتقان العرقي والديني، استغلها، بجانب الإرهابيين؛ كلٌّ من العصابات المسلحة والدول الأجنبية، التي تواصل نهب الثروات الكامنة، عبر أذرع داخلية، أو خارجية، كما في حالة مجموعة فاغنر الروسية المعروفة.

اقرأ أيضاً: النيجر.. يد ممدودة للسلم وأخرى تضرب من حديد

تعاضد الآليات المُتناقضة

حرم أبو بكر

هنالك روابط قوية على الدوام بين الإرهاب والجريمة المنظمة، والعنف الطائفي، فالجميع يواصل استغلال العداوات العرقية الكامنة، وغياب الدولة في المناطق النائية؛ لتحقيق أجندته، تواصل أبوبكر، قبل أن تُردف: وكذلك هناك روابط بين هؤلاء كافة، والحكومات العسكرية المستبدة التي تغض البصر أحياناً، وتغذي أحايين، تلك المجموعات؛ لكي تبقي على الأنظمة الاستبدادية؛ بدعوى أن كل الجهود والمقدرات ينبغي أن تُسخّر لمكافحة الإرهاب، ومن يحاول في الأثناء الحديث عن الديمقراطية، والحرية، والتعليم، والصحة، وحقوق الإنسان، فهو إرهابي ينبغي إعدامه.

هذه هي الميكانيزمات التي تتعاضد -وإن بدت متناقضة للوهلة الأولى- من أجل الإبقاء على هذه الأوضاع المِثالية؛ للنهب والسرقة والثراء غير المشروع؛ لذلك فإن -من وجهة نظري- تفكيك العلاقة بين هذه الآليات، يبدأ بإرساء مشروعات حكم ديمقراطية، والقضاء على الأنظمة المستبدة بداية، وهذا ليس نوعاً من الأحلام، وإنما الواقع يشي بذلك؛ فالدول التي تسود فيها أنظمة ديمقراطية، يقل فيها الإرهاب والجريمة المنظمة، وإن وجدا فإنّ إمكانية القضاء عليهما تكون أكثر سهولة وقابلية للتحقق.

اقرأ أيضاً: تمدُّد الحركات الجهادية في إفريقيا.. نومُ الحكومات وإغفاءة الغرب!

وكأنه لم يغزُ 

من جهته، شدد الباحث في الشؤون الإفريقية، فتحي عثمان، في حديثه لـ”كيوبوست”، قائلاً: بالنسبة لأي باحث موضوعي؛ فإن المقترحات التي وردت في ورقة مرصد الأزهر تبدو مقترحاتٍ أمنية بالدرجة الأولى؛ رغم أنها انتقدت اللجوء إلى الحلول العسكرية فقط، فاختراق المنظمات الإرهابية، وشقها، وتجنيد عناصرها المنشقة ضدها، وغيرها من المقترحات، التي دفع بها التقرير، لهي آليات أمنية تقليدية.

فعالية حوارية مع مفرزة من الجهاديين شمالي مالي- وكالات

وأضاف عثمان: القضية شائكة، وليست بهذه الدرجة من السهولة، فمكافحة الإرهاب تتطلب، علاوة على القوة القاهرة، عملاً متواصلاً؛ من أجل تطوير المؤسسات الرسمية القائمة، وهذا يتطلب أنظمة أقل استبداداً مما هي ماثلة الآن، كما يتطلب دعماً خارجياً، واستثمارات أجنبية مباشرة، تحت إدارة الدول المعنية، وأجهزة فعالة لمحاربة الفساد.

تؤكد التجارب الإفريقية، أن الشعوب الإفريقية تواقة للديمقراطية والتنمية، وغانا وبتسوانا وتنزانيا خير نماذج لذلك، فيما تراجعت أوغندا وإثيوبيا ورواندا، وما زالت كلٌّ من موزمبيق وليبيريا تحتاجان تقوية وترميماً للمؤسسات الديمقراطية.

 اقرأ أيضاً: ساحل العاج.. الحرب على الإرهاب من خلال التنمية

مفتاح النجاح

في الواقع، يقول فتحي عثمان، إنّ مكافحة الإرهاب ليست مهمة يمكن أن تقوم بها جهة واحدة، وإنما يتطلب الأمرُ عملاً جماعياً، وتضافراً للجهود، ومدخلاتٍ من مجموعة واسعة من المنظمات الوطنية والدولية؛ بما في ذلك وكالات إنفاذ القانون، والجيش، وأجهزة المخابرات، والقطاع المالي، والسلك الدبلوماسي، والمنظمات الصحية؛ لذلك فعلينا أن نؤكد هنا أن مفتاح النجاح يكمن في التنظيم والتعاون والتنسيق، في وجود شرطٍ أساسي هو الحكم الرشيد الذي بموجبه يمكن للدولة إيجاد إدارة فعالة لمواردها، ولفرض سيادة القانون، وتطوير مجتمع مدني قوي.

فتحي عثمان

ومن الجدير بالذكر، في هذا السياق، أن الدول التي تتمتع بحكم جيد، تنجح فيها عمليات محاربة الإرهاب، فالتهديدات الإرهابية التي اجتاحت، في وقتٍ ما، بعض دول أوروبا الغربية، تمت مواجهتها بشكلٍ فعال، من خلال العديد من التدابير المتشابكة والتعاون الدولي.

في حالة إفريقيا، ربما تكون هذه العقبة الأكبر؛ أنّ الحكومات نفسها جزء من المشكلة؛ لذلك فإن أي محاولة؛ لتقديم نصيحة موضوعية لها، ستبوء بالفشل، إن لم يتم استجواب مقدميها، باعتبارهم خونة وغير وطنيين، كما أنه يمكن للحكومات الغربية أن تقدم الدعم، لكن بدون تدخل مباشر، حيث إن هناك تصوراً جمعياً إفريقياً واسع الانتشار، بأن الحكومات والمجتمعات الغربية لا تحترم إفريقيا، لذلك فإن الدعم المثالي يكون من خلال تقديم الاستشارات والمعلومات الاستخبارية، وتدريب  وحدات مكافحة الإرهاب، وما إلى ذلك.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة