الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دوليةشؤون عربية
مقتدى الصدر يريد أن يصبح خميني العراق

كيوبوست- ترجمات
شايان طالباني♦
دفعت الاحتجاجات التي اندلعت في العراق في الأيام الماضية العديدَ من المحللين الغربيين إلى تناول مواقف رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي يقف وراء هذه الاحتجاجات. وقد تباينت آراء هؤلاء المحللين حول مرجعية الصدر وسياساته وتوجهاته، ومن هذه الآراء ما كتبه شايان طالباني على موقع “فورين بوليسي” مؤخراً.
تحول رجل الدين الشعبوي مقتدى الصدر من قيادة الجهود لتشكيل حكومة عراقية إلى ما يسميه قيادة “ثورة” في البلاد، فبعد نجاح تحالف “سائرون” الذي يتزعمه الصدر في الانتخابات النيابية الأخيرة، بدا أنه سوف يغير معالم السياسة في العراق من خلال تشكيل حكومة تستبعد خصومه المدعومين من إيران، وشكل تحالفاً سياسياً باسم “أنقذوا الوطن” من الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتحالف السيادة الذي يترأسه محمد الحلبوسي، وهو كتلة سياسية سنية وازنة.
اقرأ أيضًا: هل يدفع العراق ثمن الخروج من عباءة إيران؟
رأى كثيرون أن هذا التحالف يشير إلى بداية جديدة للعراق تخرجه من هيمنة النفوذ الإيراني، والميليشيات الشيعية الجامحة، وربما يؤدي إلى تحالف العراق مع المعسكر المناهض لإيران، ووصفه بعض المحللين الأمريكيين بأنه أفضل أمل للعراق.
ولكن الصدر قلب الطاولة بعد تسعة أشهر من الجمود السياسي، وطلب من أعضاء كتلته في البرلمان الاستقالة في محاولة مزعومة لكسر هذا الجمود. وعندما تم تكليف خصومه السياسيين بتكليف الحكومة رشح هؤلاء محمد السوداني للمنصب، دعا الصدر الآلاف من أنصاره لاقتحام البرلمان، وتعطيل تشكيل الحكومة.
يرى كاتب المقال أن الصدر لعب بالورقة القومية في السنوات الأخيرة، ولكن، مثل كثيرٍ من سماسرة السياسة في العراق، علاقته بإيران معقدة ومتعددة الأوجه، ولا بد للغرب من أن يفهم تلك العلاقة. فعلى الرغم من محاولاته لتسويق نفسه كحصن في مواجهة النفوذ الإيراني في العراق، فإن مصدر إلهامه الرئيسي هو آية الله الخميني.
وقد استنبط نهجه القائم على المزج بين القومية العراقية والإسلام الشيعي ومعاداة الغرب من فكر الخميني. وعلى مدى العقود الماضية اتخذ الصدر سياسة متوازنة تراعي مصالح كل من إيران ودول الخليج العربية، ومن البديهي أنه يدرك أن تشكيل حكومة أغلبية تستبعد الأحزاب والشخصيات الموالية لإيران هو أمر في غاية الصعوبة، ويمكن أن يأخذ البلاد إلى حربٍ أهلية.

وهنا يطرح كاتب المقال سؤاله الكبير: هل استراتيجية الصدر الأخيرة ناتجة عن التفكير بالتمني أو هي محاولة متعمدة لزعزعة الاستقرار؟
في السنوات القليلة الماضية، حاول الصدر تغيير صورته من زعيم ميليشيا طائفية شيعية إلى زعيم قومي إصلاحي مؤيد للديمقراطية، واعتمد في خطابه على إثارة المشاعر الشعبية، وإظهار عدائه لإيران وتركيا واستيائه من الفساد.
وبناء على ذلك فمن غير المرجح أن يكون الصدر راغباً في أن يكون جزءاً من حكومة أغلبية، ومن المرجح أنه كان يعوِّل على فشل التحالف، ليكون قادراً على القول إنه حاول العمل من أجل مصلحة البلاد، ولكن النخب السياسية الفاسدة قد عرقلت جهوده.
اقرأ أيضاً: العراق.. الحرب الأهلية أقرب من أي وقت مضى!
وكما فعل الخميني في إيران، بنى الصدر، ووالده من قبله، شعبيتهما في صفوف الشيعة الفقراء المحرومين (المستضعفين) وصاغ الصدر سياسته بذكاء حول المشاعر السائدة في العراق، حيث ترفض أغلبية الجماهير الحركات الدينية المسيسة، وتفضل بدلاً عنها الحكومات البراغماتية التي تعمل على مشاريع إصلاحية. كما حاول اختطاف الحراك والاحتجاجات التي بدأت في العراق منذ عام 2018 والتي كانت تطالب بإنهاء الحكم الطائفي، والتدخل الأجنبي والفساد، وبتحسين مستوى المعيشة، وتوفير فرص العمل للعراقيين.
وعلى الرغم من ذلك، وكما كانت عليه الحال بالنسبة للخميني، فلا يستطيع الصدر التجرد من عباءته الدينية، فهو سليل عائلة محترمة من رجال الدين الشيعة، وكان أحد أعمامه من قادة الثورة العراقية ضد الاحتلال البريطاني، كما أن والد زوجته وابن عمه، آية الله العظمى محمد باقر الصدر كان أحد أهم علماء الشيعة في القرن العشرين، ومؤسس حزب الدعوة الإسلامي الشيعي في الستينيات.
وبعد قيام الثورة الإسلامية في إيران -يمكن القول إنها استوحت كثيراً من أيديولوجيتها من أفكار باقر الصدر- اتهم نظام صدام حسين الصدر بالعمل على قيادة ثورة مماثلة في العراق، وقام بإعدامه. واليوم وبعد أربعين عاماً يبدو أن مقتدى الصدر يريد تحقيق هذه الثورة.

ومع أن أتباع الصدر لطالما شغلوا مناصب رئيسية في حكومات ما بعد عام 2003، كان الصدر من خلال رفضه لعب دور مباشر في الحكومة قادراً على التنصل من المسؤولية عن تناقضات الحكومات وأخطائها، وبدلاً من ذلك حاول أن يرسم لنفسه صورة “رجل الشعب”.
واليوم يصرح الصدر بعدائه لإيران لأن ذلك يتوافق مع المزاج الشعبي، ولكنه في الواقع قريب من طهران مثل غيره، وهو يدرك تماماً أن إيران، إن لم تكن اللاعب الأقوى في العراق، فهي لاعب رئيسي فيه. ولا شك في أن علاقة الصدر بإيران ليست سيئة، كما يراها البعض، وإيران لا تزال تسيطر عليه، وهو يعي تماماً ثمن قطع علاقاته معها، ولا يزال يواصل زيارتها في مناسباتٍ دينية وعائلية عديدة.
اقرأ أيضاً: من البرلمان إلى الشارع.. سياسات الهيمنة الناشئة في العراق
وفي عام 2019 التقى المرشد الأعلى الإيراني آية الله خامنئي في طهران، وبعد ذلك ببضعة أشهر شوهد الصدر في مدينة قم التي تعتبر العاصمة الدينية لإيران، وفي فبراير من هذا العام التقى مع قائد فيلق القدس اللواء إسماعيل قاآني، وخرج ببيان حول تشكيل الحكومة اقتبس فيه عبارة الخميني: “لا شرق ولا غرب – حكومة أغلبية وطنية”. في الواقع الصدر ليس معادياً لإيران، بل يرغب في أن يكون الشخصية الرئيسية التي يتعين على الإيرانيين وغيرهم التعامل معها.

ربما يكون الصدر قد نجح في لعبة الشارع، لكن هذا الجمهور قد يتغير بأسرع مما يستطيع الصدر مواكبته، فالعراقيون يطمحون بمستقبل تقدمي ديمقراطي مختلف تماماً.
وكما فقدت ثورة الخميني دعمها الشعبي في إيران، فإن مشروع الصدر سوف يواجه طموحات شباب العراق المتنوعين، عرقياً وطائفياً ودينياً، وهم في أغلبهم من التقدميين الذين يطالبون بالإصلاح، وتطوير النظام السياسي في البلاد، والحفاظ على ديمقراطيته، وليس الإطاحة به.
الصدر يسعى إلى تقديم نفسه كبديل مقبول لزعامة العراق، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، وكما كان الخميني وغيره من الزعماء الشعبويين، لا شك أن الصدر مستعد لأخذ البلاد في مسارٍ محفوف بالمخاطر في سبيل تحقيق غايته، ومن المؤكد أن تحريضه على الاضطرابات السياسية، وعرقلة تشكيل الحكومة، وتصعيد الاحتجاجات، إلى درجةٍ تهدد بحرب أهلية بين الشيعة أنفسهم، يجب أن يكون بمثابة تحذير للعراقيين من أنه قادر على أن يأخذ البلاد إلى ما هو أسوأ.
♦محلل في معهد توني بلير للتغيير العالمي، يركز على السياسة في الشرق الأوسط، وتحديداً العراق والخليج العربي.
المصدر: فورين بوليسي