الواجهة الرئيسيةحواراتشؤون عربية
مقابلة مع هانز جاكوب شيندلر

كيوبوست
أحمد عدلي**
في مقابلةٍ أُجريت معه مؤخرًا، مع موقعي «عين أوروبية على التطرف»، و«كيوبوست»، أدلى هانز جاكوب شيندلر *برأيه في تطور تنظيم القاعدة، ودوره المتغيّر في المشهد الحالي للجماعات الإرهابية الإسلاموية.
حالة تنظيم القاعدة
وفقًا لشيندلر، كان تنظيم القاعدة، حتى عام 2019، منظمة مركزية مرتبة بشكل هرمي، كان مركزها في أفغانستان، ولديها البنية التحتية للإرهاب التي ساعدت طالبان في توفيرها من أجل تدريب المقاتلين لصالح طالبان. وتحول التنظيم، مع الوقت، إلى منظمة شبكية لديه جماعات وفروع خارج أفغانستان. وقد حدث هذا بالفعل في إفريقيا وجنوب شرق ووسط آسيا مع ظهور جماعات مثل القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين)، وجماعة أبو سياف، والحركة الإسلامية في أوزبكستان.
اقرأ أيضاً: ما الدور الذي تلعبه التنظيمات الإرهابية الإسلاموية في الاتجار بالمخدرات؟
في البداية، شكّلت هذه الجماعات شبكة مرتبطة بتنظيم القاعدة المركزي تحت قيادة أسامة بن لادن، وتحت قيادة أيمن الظواهري، بعد وفاته، ببساطة بدافع الولاء الشخصي. ولكن التنظيم المركزي أصبح أقل مشاركة في القرارات التنفيذية لفروعه. على سبيل المثال، كان تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية يتخذ قراراته منفردا مع إعلام القيادة المركزية بما يقوم به. خلال هذا الوقت نشأت العديد من الفروع وهاجمت أهدافًا أجنبية.
ويرى شيندلر أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية كان أكثر فروع التنظيم ابتكارًا. وكان أول فرع للقاعدة يسيطر على مدينة مأرب، وينشر علنًا مجلةً على الإنترنت. وقد تبنى تنظيم داعش، عندما ظهر في وقتٍ لاحق من عام 2014، العديد من هذه التكتيكات. كان لديهم مهندسون لتصنيع قنابل متطورة جدًا، من القنابل التي تخبأ في الأحذية إلى تلك التي تخبأ في أجهزة الكمبيوتر المحمولة.

كيف تطورت أيديولوجية القاعدة؟
هناك سؤال ممتد يُطرح منذ أجيالٍ عدة: “لماذا يتخلف العالم الإسلامي كثيرًا عن الغرب؟” حاول بعض المسلمين الإجابة عنه في القرن التاسع عشر بالقول: “لقد ابتعدنا عن طريق الإسلام”. لذلك تبنت جماعات مثل الإخوان المسلمين، وجماعة الجهاد الإسلامي، الإجابة التي يقولون من خلالها: “نحن بحاجة إلى هجمات ثورية على الأنظمة ونحتاج إلى أسلمة المجتمع من القمة إلى القاعدة وفقًا للجهاد الإسلامي، ومن القاعدة إلى القمة وفقًا للإخوان المسلمين”. وفي وقتٍ لاحق، كان ابتكار أسامة بن لادن يقول إن أيًا من هذه، لا من القاعدة إلى القمة، ولا من القمة إلى القاعدة، لن ينجح لأن: “الغرب سوف يدعم هذه الأنظمة في منطقتنا، ولن نتمكن من دفع الغرب للانسحاب من هذه المنطقة سوى من خلال زيادة التكاليف التي يتحملها، وذلك من خلال الهجمات الإرهابية”. وخلص بن لادن إلى أنه بمجرد حدوث ذلك، ستسقط الأنظمة بسهولة، ويمكن أسلمة المجتمع.
عندما انسحبتِ الولايات المتحدة من العراق في عام 2011، اعتقد بعض الإسلامويين أن هذا هو الوقت المثالي للإطاحة بالحكومة، وإقامة دولة إسلامية. غير أن أيمن الظواهري لم يوافق على أن الوقت مناسب. كما أن تنظيم القاعدة لم يؤيد أبدًا الأيديولوجية القائلة بتكفير الذين يختلفون معه في الاقتناع الأيديولوجي. لم يكن تنظيم القاعدة جماعة متسامحة، لكنها في الوقت نفسه لم تؤيد الأيديولوجية التكفيرية في هذه المرحلة. وكان تركيزها الرئيس ينصب على مهاجمة الغرب، وكان هدفها الأساسي هو الولايات المتحدة.
اقرأ أيضاً: بريطانيا تحتاج لوقف الجماعات الإسلاموية التي تقوِّض سياسة مكافحة الإرهاب
مقارنة بين استراتيجية القاعدة وداعش
كان تنظيم القاعدة يعتبر أنه إذا مات مسلمون في سبيل تحقيق هذه الغاية، فهذا أمر مبرر، لكن المسلمين لم يكونوا أبدًا الهدف الرئيس لتلك العمليات. أما تنظيم داعش فيعتبر جميع من يقف ضدهم هدفًا مشروعًا.
بالعودة إلى مكانة تنظيم القاعدة في أفغانستان، في أعقاب انسحاب القوات الدولية في أغسطس من العام الماضي، يؤكد شيندلر على العلاقة التكافلية الوثيقة التي يحافظ عليها تنظيما القاعدة وطالبان دائمًا. ويشير إلى أنه ليس الظواهري فقط هو الذي بايع زعيم طالبان، بل إن كل زعماء الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة خارج أفغانستان بايعوا زعماء طالبان، سواء الملا عمر أو منصور أو هبة الله أخوندزاده. وجميعهم يرون أنفسهم جزءًا من حركة طالبان.
وهنا، يثور السؤال الآتي: أي الأيديولوجيات والاستراتيجيات الأكثر نجاحًا؟ وفقًا لشيندلر، لم تنجح استراتيجية تنظيم داعش، حيث هُزم في العراق وسوريا وليبيا والفلبين، وفي كل مكان بدأ فيه السيطرة على الأراضي. لقد انهار تحت وطأة القوة العسكرية. عند النظر إلى تنظيم القاعدة، اعتبر العديد من المحللين أن التنظيم قد انتهى بعد عقد من وفاة بن لادن. وقالوا إن دعم الشباب سيذهب لتنظيم داعش، وأن الجيل الأكبر سنًا فقط هو الذي سيؤيد القاعدة.

ومع ذلك، يعتقد شيندلر أن ما نراه الآن هو ظهور نخبة إرهابية إسلاموية -وليس جيشًا غفيرًا، وليس خلافة، وليس تنظيمًا متطرفًا- تشن هجماتٍ كلما سنحت الفرصة. ويعتقد أن هذه الاستراتيجية قد نجحت بشكل أفضل.
الحرب على الإرهاب لن تنجح
هل قامتِ الولايات المتحدة والغرب بما يكفي لمواجهة تنظيم القاعدة وحركة طالبان في أفغانستان؟ يقول شيندلر: “إن الحرب على الإرهاب هي في الواقع تسمية خاطئة تمامًا” فمصطلح “الحرب” يعني أنه يمكنك إما أن تخسر أو تفوز وأن كلمة “إرهاب” هي منهجية، مساوية لأن تقول مثلًا “حرب على طقس سيئ”.
ويضيف إنه من المستحيل الانتصار على منهجية قائمة منذ آلاف السنين، فالناس يستخدمون العنف تاريخيًا للنهوض بأهدافهم السياسية. وحتى لو اختفت جماعات مثل تنظيم القاعدة، وداعش، ستنشأ دائمًا جماعات أخرى تنفذ هجمات لتحقيق مكاسب سياسية.
اقرأ أيضاً: “اليسار الإسلاموي” و”البوتقة الإسلاموية” في فرنسا 1-2
وسواء كان الفوضويون في إيطاليا في فترة الثمانينيات، أو منظمة “إيتا” التي تشن هجماتٍ في إسبانيا، أو الجيش الجمهوري الأيرلندي، فإن شيندلر يوضح أن الإرهاب منهجية لا يمكنك الانتصار عليها أبدًا. لذلك، يجب أن تكون عمليات مكافحة الإرهاب متعددة الأجيال، وحتى 20 سنة لن تكون كافية للقضاء على الأيديولوجية.
لذا، ففي حين يمكنك القيام بعملياتٍ سريعة لمكافحة الإرهاب، من خلال تدمير الخلافة في العراق وسوريا، أو، قبل ذلك، تدمير جميع البنى التحتية الإرهابية والمعسكرات في أفغانستان في عام 2002، فإن هذا لن يؤدي إلا إلى تراجع هذه الجماعات، ولكن ليس بالضرورة القضاء على أفكارها. وبالتالي، ستستمر العمليات العسكرية، ولن تكون قادرة إلا على التخفيف من حدة التهديدات المباشرة.

تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان
وهذا يطرح السؤال عما إذا كان انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان هو الشيء الصحيح. في هذا، يقول شيندلر إن الولايات المتحدة -من إدارة أوباما إلى إدارة ترامب- كانت تريد الانسحاب. وبايدن لم يفعل شيئًا سوى اتخاذ القرار. لكن شيندلر يرى أن توقيت الانسحاب -قبيل الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر- كان سيئًا من الناحية السياسية.
كما أوضح شيندلر أن الانسحاب الفعلي كشف النقاب عن حقيقة أن النظام في أفغانستان لم يكن بعد نظامًا مستدامًا ذاتيًا، وأنه على الرغم من أن الأفغان قد تعرضوا، لمدة 20 عامًا، لأفكار الحرية والمساواة، والدين باعتباره قضية شخصية، وليست قضية دولة، فإن هذا لم يغير في الواقع حقيقة أن النظام الأمني كان ضعيفًا في مواجهة طالبان.
العلاقة التكافلية الوثيقة بين طالبان والقاعدة لم تمس
يوضح شيندلر أن لدى التنظيم عددًا كبيرًا من الفروع التي تنشط بالفعل في أفغانستان مثل تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية، والحركة الإسلامية في أوزبكستان، وجماعة الجهاد الإسلامي، والحركة الإسلامية لتركمانستان الشرقية، والإيغور في الصين، والجماعات الباكستانية مثل عسكر طيبة وجيش محمد، وحركة طالبان باكستان. وقد استخدمت هذه الجماعات أفغانستان كمركز أو قاعدة انطلاق لشنِّ هجمات إرهابية خارج أفغانستان، ولكن لم يكن لديها في الواقع مخططات ضد الدولة نفسها.
اقرأ أيضاً: إعادة صياغة النقاش حول مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف
ويعتقد شيندلر أن المشكلة الحقيقية التي تواجهها أفغانستان هي أن نظام طالبان في كابول لم يتغير عما كان عليه في فترة التسعينيات، وأن الوزراء أنفسهم يشغلون الآن المناصب نفسها. لذلك، فلا يزال النظام يعمل بالعقلية ذاتها التي كان يعمل بها في منتصف التسعينيات، عندما كانت لديه علاقة تكافلية قوية مع تنظيم القاعدة.
لقد نسق أسامة بن لادن دوما مع طالبان بداية من خلال شبكة حقاني، والتي لا تزال إحدى أقوى الفصائل في حركة طالبان الحالية، وتتولى وزارة الداخلية ووزارة اللاجئين، من بين حقائب وزارية أخرى. ولم تنفصل طالبان رسميًا عن تنظيم القاعدة، كما أن تنظيم القاعدة المركزي على اتصال قوي بجماعاته في الخارج.
ويعتقد شيندلر أنه من غير المحتمل أن تتخذ طالبان إجراءاتٍ صارمة ضد الجماعات الأجنبية العاملة في أفغانستان، وتحاول بدلًا من ذلك دمج هؤلاء الأجانب في الجيش الأفغاني الوطني، وتعرض عليهم أن يصبحوا مواطنين أفغانَ. لذا، فإنها لا تسعى في الواقع لكبح جماحهم، بل تنظيمهم.

وعلى غرار ما حدث قبل عام 2001، عندما كانت معسكرات الإرهاب في أفغانستان تضم آلاف المقاتلين، لم يكن هؤلاء المقاتلون معتادين على شنِّ هجمات مثل 11 سبتمبر، أو المدمرة الأمريكية “كول” في اليمن، أو قصف السفارات، بل كان من المفترض أن يكونوا قوات خاصة لطالبان. ومن ثم، يعتقد شيندلر أن ما يحدث حاليًا في أفغانستان من المحتمل أن يكون تكرارًا لما حدث قبل عام 2001.
طالبان ليست حكومة شرعية
يقول شيندلر إنه لا ينبغي أبدًا اعتبار طالبان حكومة شرعية لأنها وصلت إلى السلطة من خلال الحرب، وليس من خلال إرادة الشعب. ومن أجل إيصال المعونة إلى الشعب، يحتاج المجتمع الدولي للانخراط مع حركة طالبان إلى حد ما، ولكن ينبغي ألا يعتبرها أبدًا حكومة شرعية، على الرغم من أن طالبان ستستخدم المعونة الإنسانية كوسيلة ضغط للحصول على الشرعية.
ويشير شيندلر إلى أنه لا ينبغي للمجتمع الدولي أن ينسى أبدًا أن طالبان مسؤولة عن غالبية وفيات المدنيين في الدولة. ومع ذلك، فإن وقوع كارثة إنسانية ضخمة في أفغانستان ليس في مصلحة طالبان أيضًا، وإذا حدث ذلك فمن المحتمل أن يؤدي إلى انهيار حركة طالبان. لذا، فيجب على المجتمع الدولي، وحركة طالبان، أن يحققا توازنا دقيقًا في هذا الصدد.
اقرأ أيضاً: حتى لا يغيب العدو عن أذهاننا: وعد “الجماعات الجهادية المعتدلة” كاذب
وفي حين أن طالبان، وداعش-خراسان، بينهما منافسة معقدة، فقد أبرمتِ الجماعتان عددًا من الصفقات، لذلك فلا يمكن الوثوق بها كشريك في مكافحة الإرهاب ضد القاعدة. ومن المهم إيصال المعونة الإنسانية، ولكن يجب على المجتمع الدولي أن يكفل الحد الأدنى من الفوائد الممكنة لطالبان. ويشير شيندلر إلى أن حركة طالبان ليست وسيطًا صادقًا، ولا تهتم بمصلحة الشعب، بل فقط بقوتها الخاصة، وما زالت تعتبر نفسها جزءًا من حركة إرهابية عالمية لها صلات بتنظيم القاعدة.
هزيمة داعش تدفع إلى تغيير الاستراتيجية
يعتقد شيندلر أن تنظيم داعش فقد زعيمين، البغدادي والقريشي، لكن عملية إعادة البناء الاستراتيجية بدأت قبل عام 2019. وأدرك التنظيم أنه لن ينجو من المواجهة العسكرية، لأن المجتمع الدولي بأسره كان ضده، وكذلك ضد إيران وسوريا. لذا، شرع في إعادة البناء من دولةٍ منهارة إلى جماعةٍ لها فروع تشبه إلى حد كبير تنظيم القاعدة.
وقبل مقتله، بدأ البغدادي بتنفيذ هذا التحول الاستراتيجي الذي واصله القريشي من بعده. وقد نجحت هذه الاستراتيجية المتمثلة في إنشاء شبكاتٍ تابعة له بشكل جيد للغاية. ولهذا السبب نشهد ظهور العديد من الجماعات التابعة للتنظيم في العامين الماضيين، في غرب إفريقيا والصحراء الكبرى، وشرق إفريقيا ووسط إفريقيا، وجنوب شرق وجنوب آسيا.

هذا النموذج ناجح جدًا حتى الآن. وفي الوقت نفسه، شهدنا تصاعدًا في شكل هجماتٍ صغرى في العراق وسوريا- وليس الهجمات الضخمة نفسها التي شهدناها في الفترة (2013-2016) ولكننا نشهد غاراتٍ ليلية على المنازل وعمليات اختطاف وقتل أفراد بارزين.
ومع ذلك، قبل بضعة أسابيع، كان هناك هجوم واسع النطاق على سجنٍ لقوات سوريا الديمقراطية في سوريا كان أشبه بالهجمات الضخمة التي كان يشنها التنظيم في 2013-2016. لقد كان هجومًا معقدًا للغاية شارك فيه الكثير من المقاتلين، واستخدمت فيه السيارات المفخخة لاقتحام جدران السجن، فضلًا عن الانتحاريين. لقد كان هجومًا منسقًا بشكلٍ جيد جدًا، ومن ثم واجهت قوات سوريا الديمقراطية صعوبة في السيطرة عليه.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن يشكل صعود “طالبان” رافعة لـ”إخوان سوريا”؟
وهكذا، لم نشهد هذا التحول، إلى هذا المستوى الأعلى من القدرة، إلا في الآونة الأخيرة فقط، قبل مقتل القريشي مباشرة. لذا، يعتقد شيندلر أن هذا اتجاه مقلق ومؤشر على أن تنظيم داعش يمكن أن يصبح أكثر قدرة في العراق وسوريا.
يلفت شيندلر النظر إلى أن مقتل القريشي هو المرة الثانية التي يُقتل فيها زعيم لتنظيم داعش في الأراضي التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، التي كانت سابقًا تعرف باسم جبهة النصرة، التابعة لتنظيم القاعدة. ويعتقد شيندلر أن حقيقة أن قادة تنظيم داعش كانوا يعملون في أراضي هيئة تحرير الشام دون علمهم أمر مستبعد للغاية. وأن اعتبار تنظيم داعش هذه المنطقة مكانًا آمنًا للعمل، هو مؤشر على أن هيئة تحرير الشام ليست منفصلة تمامًا عن الإرهاب الدولي.
الفروع التابعة لتنظيم داعش تواجه خيارًا مهمًا
بعد وفاة القريشي، لا تعدو أن تكون مسألة وقت قبل اختيار زعيم تنظيم داعش المقبل. ومع ذلك، يعتقد شيندلر أن الجماعات التابعة للتنظيم يجب أن تقوم الآن بحساب مهم سواء العمل بشكل مستقل أو الاستمرار في أن تكون جزءًا من العلامة التجارية العالمية لداعش.

وبمجرد الإعلان عن الزعيم الجديد، يعتقد شيندلر أنه سيكون من المثير للاهتمام أن نرى ما إذا كانت الجماعات التابعة للتنظيم ستبايعه على الفور أو سوف تنتظر لفترةٍ من الوقت. ويعتقد أن ما سيحدث في الشهرين المقبلين يمكن أن يحدد كيفية تطور شبكة داعش، وإذا ما كان سيكون لها فروع أكثر استقلالية.
ثم يؤكد شيندلر أنه على الرغم من أن تنظيم داعش قد أنشأ فروعًا قوية في إفريقيا، في العامين الماضيين، فإن هذا لا يخصم من رمزية وأهمية أن يكون العراق وسوريا القاعدة الرئيسة، لأن هذا هو المكان الذي أنشئت فيه الخلافة الأصلية، حيث توجد المواقع الدينية، وحيث حكم البغدادي، وحيث بدأ كل شيء.
شيندلر لا يعتقد أن هذه الجماعات سوف تتخلى عن المركز كما أن المركز حقًا لا يحتاج إلى القيام بالكثير، باستثناء الدعاية، وإدارة العلامة التجارية. كما يشير إلى أن انعدام الأمن لا يزال قائمًا في سوريا والعراق، ما يوفر بيئة خصبة لمواصلة العمليات هناك.
اقرأ أيضاً: تيار بوكو حرام المعتدل ومعضلة مكافحة الإرهاب النيجيرية
الاستراتيجيات الأوروبية لمكافحة الإرهاب
بالحديثِ حول التطرف في أوروبا ما سبب وجود مثل هذه التباين الكبير في أساليب مكافحة التطرف بين مختلف الدول الأوروبية. يوضح شيندلر أن ألمانيا لديها تاريخ وطني فريد من نوعه في كونها متطرفة، وعلى هذا النحو، فإن لديها فئات أكثر تفصيلًا لتعريف الإرهاب والتطرف.
وبالتالي، في ألمانيا يمكنك أن تكون تحت المراقبة إذا ما اعتبرت أنك تقع في فئة المتطرفين، ولكن لم ترتكب في الواقع هجومًا إرهابيًا. وهذا يعطي الحكومة القدرة على التدخل قبل وقوع هجومٍ فعلي، في حين أن التصنيف في دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة هو ببساطة إما إرهابيًا أو لست إرهابيًا، ولكن في ألمانيا لديك بديل مؤقت أفضل.

وثمة فرق آخر هو أن الدول المختلفة تعتمد برامج مختلفة لمكافحة التطرف، وأن كل نموذج يعتمد على الظروف المحلية لتك الدولة. على سبيل المثال، في الدنمارك لديك نموذج آرهوس (Aarhus model)، حيث يشارك المجتمع المحلي في منع التطرف. ثم لديك برنامج “منع” (Prevent) في المملكة المتحدة، ولديك “دور السلامة” (safety houses) في هولندا، ولديك النموذج الاتحادي للحكومة الألمانية. لذا، فلا شيء من هذه قابلة للتحويل والتطبيق في دولةٍ أخرى بسهولة.
وعليه، فإن الطريقة التي تعمل بها “دور السلامة” في هولندا، سوف يستحيل تنفيذها في ألمانيا من الناحية القانونية. وكذا الطريقة التي يعمل بها برنامج “منع”، ويدرب الممارسين من القمة للقاعدة، سيكون من المستحيل تنفيذها في دولةٍ اتحادية مثل ألمانيا. وبالتالي، عليك أن تأخذ هذه الظروف المحلية، بما في ذلك الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية، في الاعتبار عند إعداد استراتيجيتك ضد المتطرفين.
اقرأ أيضاً: البرلمان النمساوي يناقش قانونا لمكافحة الإرهاب والتطرف
هناك “شبكة التوعية بالتطرف” في الاتحاد الأوروبي، وهي محاولة من الاتحاد تهدف إلى أن تتعلم الدول الأعضاء من بعضها البعض، والجمع بين ممارسي مكافحة الإرهاب ومقارنة ما نجح في المملكة المتحدة أو ما نجح في إيطاليا وما يمكن تطبيقه في ألمانيا، على سبيل المثال. هذا فقط لكي تكون الدول الأخرى على علم بالتقدم الذي أحرزته بعض الدول الأعضاء، ويمكن معرفة المشكلات وتبادل المعلومات المفيدة.
لن تكون هناك استراتيجية أوروبية موحدة لمكافحة التطرف، فهذا ببساطة مستحيل في حالة أوروبا التي تضم 29 ثقافة مختلفة، ودولة، ولغة، وظروف تاريخية، وسكان مسلمين، وجماعات يمينية متطرفة مختلفة.
* هانز جاكوب شندلر؛ دبلوماسي ألماني، ترأس فريق التحقيق الخاص بمراقبة تنظيم القاعدة من 2001 إلى 2005، شغل منصب سكرتير أول للشؤون السياسية في السفارة الألمانية في طهران من 2005 إلى 2011، انضم إلى فريق مكافحة العقوبات المفروضة على الكيانات الإرهابية في 2013. وهو مدير مشروع مكافحة التطرف في (CEP)، وهي منظمة سياسية دولية غير حزبية، وغير هادفة للربح، تم تشكيلها للمساعدة في مواجهة القوة المتزايدة للجماعات المتطرفة في جميع أنحاء العالم.
** أجرى هذه المقابلة محرر موقع “كيوبوست”، بالتعاون مع موقع “عين أوروبية على التطرف”، وينشر هذا المحتوى بشكل مشترك بين الموقعين