الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
مع رحيل نتنياهو لن تصمد اتفاقيات إبراهيم فحسب.. بل ستزدهر

كيوبوست- ترجمات
د.نمرود غورين
أعربت العديد من الأصوات على المستوى الدولي عن قلقها حول الآفاق المستقبلية لاتفاقيات إبراهيم في ظل الحكومة الإسرائيلية الجديدة. ويرجع هذا القلق إلى فكرة أن اتفاقيات تطبيع العلاقات التي تم توقيعها عام 2020 بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين، كانت إنجازاً شخصياً للزعيمَين السابقَين نتنياهو وترامب، وأنه لم تكن لتحصل دونهما. ومن هنا يأتي السؤال حول إذا ما كانت هذه الاتفاقيات ستصمد بعد رحيلهما عن السلطة. لن تصمد هذه الاتفاقيات فحسب؛ بل إنها قد تحررت لتزدهر وتصل إلى آفاق جديدة. وتصريح وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد، بأن زيارته الخارجية الأولى ستكون إلى الإمارات العربية المتحدة، هي خير مؤشر على ذلك.

لعب نتنياهو دوراً رئيسياً في التوصل إلى الاتفاقيات وتوقيعها؛ ولكن سلوكه في الأشهر الأخيرة قد قلص من إمكانية تجسيد الإمكانات الكبيرة لهذه الاتفاقيات. كما أن نتنياهو لم يكن المهندس الوحيد لعملية التطبيع. فعملية التطبيع بدأت في الواقع قبل مجيئه إلى السلطة عام 2009، وتطورت بفضل جهود دبلوماسية مكثفة من وراء الكواليس على مدى سنوات عديدة. وقد أضافت وزارة الخارجية وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مدماكاً بعد آخر في بناء هذه العملية. فالاهتمامات المشتركة في المجالات الأمنية والاقتصادية والعلمية والبحثية دفعت بإسرائيل ودول الخليج للتقارب، وكذلك فعل القرار الاستراتيجي للإمارات العربية المتحدة الذي اعتبر التطبيع مع إسرائيل أساساً جوهرياً لطموحاتها بعيدة المدى في المنطقة وعلى المسرح الدولي. صحيح أن ترامب ونتنياهو قاما بدورهما بنجاح؛ لكن الخطوة كانت أكبر منهما بكثير.
اقرأ أيضاً: اتفاق إبراهيم يعيد صياغة الصراع ويعزل المتطرفين الإقليميين
بعد زوال نشوة الاختراق الذي تم تحقيقه، بدأت العقبات في الظهور؛ فقد تكرر تأجيل زيارة نتنياهو إلى منطقة الخليج، وبدأت سياساته تسبب إحباطاً لدى الإماراتيين الذين احتجوا علناً على محاولات نتنياهو استخدام اتفاقيات إبراهيم لمصلحته السياسية الشخصية. ولم يقتصر الأمر على امتناع نتنياهو عن زيارة الخليج؛ بل منع وزراء حكومته من القيام بزيارات كهذه، خشية أن يسرقوا منه الأضواء. وقد أدى تجميد الزيارات الرسمية لوزير الخارجية أشكينازي، ووزير الدفاع غانتس، إلى منع حدوث أي تقدم أو تعميق للعلاقات. كما أن سياسات نتنياهو في القدس الشرقية والمسجد الأقصى والجولة الأخيرة من القتال في غزة، أدت إلى رد فعل عكسي في دول الخليج -وإن كان معتدلاً- أوضح أن تدهور علاقات إسرائيل مع الفلسطينيين سينعكس سلبياً على علاقات هذه الدول مع إسرائيل. والعامل الآخر الذي أثبت تأثيره السلبي كان محاولة ترامب الفاشلة تأسيس صندوق استثماري لتمويل المشروعات المرتبطة باتفاقيات إبراهيم، ووعوده بالتطبيع الوشيك مع دول عربية أخرى، وهذا ما لم يحصل بالفعل أيضاً.

في الأيام الأخيرة لولاية نتنياهو كانت علاقات إسرائيل بعيدة كل البعد عن وعوده وتصريحاته المدوية أثناء حملته الانتخابية؛ ولكن الظروف قد نضجت الآن أمام الحكومة الجديدة للمضي قدماً وقطف ثمار العلاقة مع دول الخليج. وقد أكد كل من بينيت ولابيد، منذ أيامهما الأولى في منصبيهما، أهمية العلاقات مع دول الخليج، وعبَّرا عن التزامهما لتطوير هذه العلاقات، كما تبادلا الرسائل مع مسؤولين إماراتيين رفيعي المستوى. وبعد زوال عرقلة نتنياهو للزيارات الرسمية إلى دول الخليج، ومع الرفع التدريجي لقيود فيروس كورونا على السفر، أصبح من المرجح أن تشق مجموعة من الوفود الحكومية رفيعة المستوى طريقها إلى دول الخليج؛ لتعزيز العلاقات الناشئة. ومن المتوقع للحكومة الجديدة أيضاً أن تعزز من إدارتها للعلاقات مع الدول العربية بالنظر إلى استعادة وزارة الخارجية دورها وصلاحياتها في عهد لابيد، وبالنظر إلى عودة هيمنة الاعتبارات الدبلوماسية والمهنية -بدلاً عن المصالح السياسية الشخصية- على عملية صنع القرار. كما أنه من المرجح أيضاً أن تمنع شفافية الحكومة الجديدة وجود عقبات إضافية في وجه هذه العلاقات، مثل صفقة النفط التي قيل إنها تمت بين شركات إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، والتي تعارضها وزيرة الحماية البيئية تامار زاندبيرغ. كما أن نية وزير التعاون الإقليمي المعين حديثاً فريج (عيساوي فريج، سياسي فلسطيني إسرائيلي وعضو في البرلمان الإسرائيلي عن حزب ميريتس- المترجم) في تعزيز مشاركة المواطنين الإسرائيليين العرب في العلاقات مع دول التطبيع، هي أمر يبشر بالخير أيضاً. كما تبشر بالخير أيضاً الإجراءات الحكومية لتفعيل الحوار مع السلطة الفلسطينية.
اقرأ أيضاً: أنماط العلاقات العربية- الإسرائيلية ومستقبل السلام في ظل اتفاقات أبراهام
تلتزم الولايات المتحدة بقيادة بايدن، بتعزيز علاقات إسرائيل مع دول التطبيع من خلال إطار عمل أفضل من ذلك الذي وضعه ترامب؛ ليس كوسيلة للتحايل على القضية الفلسطينية، بل كرافعة لتحسين العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية. كما أن نية بايدن تعيين السفير الأمريكي السابق إلى إسرائيل دانييل شابيرو، بصفة مبعوث خاص له لعملية التطبيع، ستكون خطوة مفيدة جداً لإسرائيل ودول المنطقة، وربما ستساعد على إذابة الجليد بين قيادة الإمارات والفلسطينيين؛ وهي خطوة في حال نجاحها يمكن أن تمهد الطريق لمشروعات مشتركة بين إسرائيل ودول الخليج والسلطة الفلسطينية. وهذا سوف يمكن إسرائيل أيضاً من الاستفادة من سياسة الجوار الجنوبي للاتحاد الأوروبي التي تشير بشكل واضح ومحدد إلى اتفاقيات التطبيع وتعبر عن استعداد الاتحاد للمشاركة في المشروعات ذات الصلة والمساعدة في إنجاحها.

هذه الفرص السياسية- الدبلوماسية تدعمها البنية التحتية المدنية والاقتصادية التي تأسست في الأشهر الأخيرة بين إسرائيل ودول الخليج. وقد تطور التعاون بين المؤسسات البحثية والجامعات والمؤسسات الثقافية والشركات التجارية ومنظمات المجتمع المدني، وبدأت تظهر المشروعات الجديدة بشكل يومي، وإن كانت لا تزال محدودة النطاق. وكل هذا يحمل رسالة للحكومة الجديدة بشأن الإمكانات الكبيرة الكامنة بانتظار الاستفادة منها، وتشجع هذه الحكومة على العمل في هذا الاتجاه.
اقرأ أيضاً: اتفاقية السلام التاريخي.. من الشعارات إلى الواقعية السياسية
سينطلق في الأول من أكتوبر -بعد تأخير عام كامل بسبب الجائحة- معرض إكسبو الدولي في دبي، بمشاركة إسرائيل؛ مما يمنح إسرائيل منصة رائعة لعرض منتجاتها. وكان قد تم التخطيط لهذا المعرض في العام الماضي على أن يكون بمثابة الإطلاق الفعلي للتطبيع بين الإمارات وإسرائيل. وفي هذا العام، وبوجود المقاربة الصحيحة من الحكومة الجديدة، يمكن لهذا الحدث أن يتحول إلى احتفال بالعلاقة الجديدة التي اكتسبتها إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، والتي يجب عليها تطويرها أكثر مما وصلت إليه.
♦رئيس ومؤسس معهد “ميتفيم” الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية، ومحاضر في الدراسات الشرق أوسطية في الجامعة العبرية في القدس.
المصدر: موقع والاه