الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية

معهد أبحاث السياسة الخارجية: الإمارات بعد عقد من السياسة الخارجية النشطة، مواجهات أقل وتنوع أكثر

أصبح خفض التصعيد أولوية في السياسة الخارجية لـ"أبوظبي" بعد عقدٍ من السياسة الخارجية والمشاركة النشطة في اليمن وليبيا وسوريا. وترغب القيادة الإماراتية، اليوم، في اتخاذ مواقف غير منحازة تركز على التجارة والطاقة والتكنولوجيا..

كيوبوست- ترجمات

جوشوا كراسنا

نشر موقع معهد أبحاث السياسة الخارجية ورقة عمل كتبها جوشوا كراسنا، الزميل الأول في برنامج الشرق الأوسط التابع للمعهد، بعد زيارته الأخيرة إلى منطقة الخليج العربي، وتستند هذه الورقة، من بين أمورٍ أخرى، إلى رؤى مجمعة توصل إليها الباحث بعد سلسلةٍ من المقابلات والاجتماعات التي أجراها أثناء زيارته للإمارات، ومن متابعته الحثيثة لمجريات وتطورات الأحداث في دولة الإمارات.

يستهل الباحث ورقته بالإشارة إلى انتهاج دولة الإمارات العربية المتحدة، على مدى العامين الماضيين، سياسة خارجية أكثر تنوعاً، ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة، من أهمها خيبة الأمل من رد الفعل الأمريكي على هجمات الحوثيين بالطائرات المسيرة على أبوظبي في فبراير 2022، والتقييم الإماراتي السلبي لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان.

ومن منظورٍ أوسع، فقد أصبح خفض التصعيد أولوية في السياسة الخارجية لـ”أبوظبي” بعد عقدٍ من السياسة الخارجية، والمشاركة النشطة في اليمن وليبيا وسوريا. واليوم ترغب القيادة الإماراتية في اتخاذ مواقف غير منحازة تركِّز على التجارة والطاقة والتكنولوجيا.

ويرى الإماراتيون أنهم في وضعٍ يؤهلهم للعمل كوسطاء دوليين، بفضل تواصلهم مع الجميع، وعدم القطيعة مع أحد، وأصبحوا يمنحون الدبلوماسية والمشاركة وتجنب الاشتباك دوراً أكبر في سياساتهم.

اقرأ أيضاً: سياسة الإمارات الخارجية.. الحوار هو الحل

دبلوماسية تقوم على خمسة عناصر

يقول كراسنا: “في حوارٍ أجريته معه مؤخراً، قال لي نارايانابا جاناردان، الخبير في أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية في أبوظبي، إن فترة الثمانية عشر شهراً التي أمضتها الدولة في مجلس الأمن الدولي قد علمتها كيف تتصرف القوى الكبرى العالمية. وأضاف: تتمحور دبلوماسية أبوظبي حول خمسة عناصر رئيسية؛ هي: رؤوس الأموال، والتجارة، والتعاون، والتواصل، والمناخ”.

وتبذل الإمارات جهوداً كبيرة لتحقيق مكانة رائدة في الاقتصاد العالمي في حقبة ما بعد الوقود الأحفوري. وتشمل هذه الجهود مبادراتٍ سياسية هامة، واستثمارات في مجال البيئة والاستدامة، والاستخدام الاستراتيجي لصناديق الثروة السيادية للاستثمار في مختلف أنحاء العالم، في مجال البنوك والصناعات الرئيسية. وتبدو أحد العوامل المهمة التي تمنح الإمارات القدرة على ممارسة سياسة دقيقة ومرنة الهيكل المدمج والموحد لآلية صنع السياسة الخارجية الذي وضعه ونفذه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

الشيخ طحنون بن زايد أثناء زيارته لطهران- وكالات

وعلى المستوى العالمي، شعرت الإمارات العربية المتحدة، كما هي الحال في المملكة العربية السعودية، بالانزعاج من محاولات الولايات المتحدة تجنيدها أو إجبارها على دعم سياساتها تجاه روسيا والصين، ولكنها لم تتأثر بتلك المحاولات. فالإماراتيون يتحفظون على الرواية الأمريكية المتعلقة بهاتين الدولتين، وفي الوقت نفسه يبذلون جهوداً لعزل علاقات بلادهم معها عن تلك التي تربطهم بالأمريكيين. وقد أخبرني دبلوماسي أجنبي مقيم في أبوظبي أن حكومة الإمارات تؤكد -على جميع المستويات- أن علاقاتها مع روسيا “سوف تبقى طبيعية”.

اقرأ أيضاً: الرئيس الإماراتي في روسيا.. زيارة يعوِّل عليها العالم

يُشار إلى أنه مع الأزمة بين روسيا والغرب، تدفق المواطنون الروس ورؤوس الأموال الروسية إلى الإمارات. وقد وصل أكثر من 50,000 مواطن روسي إلى الإمارات منذ مطلع العام الجاري، وفقاً لمصدر مطلع في دبي. وازدادت التجارة غير النفطية بين الإمارات وروسيا بنسبة 95% خلال العام الماضي.

لافتة على نادٍ في عجمان (الإمارة الأصغر في الدولة)- مؤسسة أبحاث السياسة الخارجية

كما تستمر الإمارات في تحسين علاقاتها مع الهند، التي تنتهج سياسةً مماثلة فيما يتعلق بروسيا، والدافع وراء ذلك هو قناعة الدولتين بأن العالم بات يتمحور حول الاقتصاد بشكلٍ متزايد بدلاً من التركيز على الأمن. تتركز المصالح الأمنية لدول الخليج في الغرب -الصين والهند لا تقدمان الدعم أو ضمانات أمنية حتى الآن- بينما تكمن مصالحها الاقتصادية في الشرق.

كما تتركز التجارة العالمية، وكذلك الأسواق الطبيعية للنفط الخليجي، بشكلٍ متزايد في منطقة المحيطين الهندي والهادي، ودول الخليج هي رابط طبيعي بين آسيا -وخاصة الهند التي تربطها بها روابط تاريخية وبشرية كبيرة- والأسواق الأوروبية والمتوسطية.

إعادة توجيه المنطقة: تحييد العلاقات السامة

على المستوى الإقليمي، شهدت السياسة الخارجية لدولة الإمارات في العامين الماضيين تحولاتٍ هائلة، حيث عملت على تطبيع العلاقات مع أربع دول رئيسية متنافسة في المنطقة؛ هي إيران وتركيا وإسرائيل وقطر. يقول جوشوا: “قال لي موران زاغا من المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية في جامعة حيفا وميتيفيم: “يشير اتساع وعمق هذه العملية وسرعة إنجازها إلى وجود محاولة استراتيجية بعيدة المدى لطمس خطوط الصدع التقليدية، وإعادة تشكيل المحاور في المنطقة”.

قادت التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية الإماراتية إلى تسريع تعاطيها مع إيران، الذي بدأ بعد خيبة الأمل من رد الفعل الأمريكي على الهجمات المرتبطة بإيران على منشآت الشحن البحري الخليجية ومنشآت أرامكو في سبتمبر 2019. وعاد السفير الإماراتي إلى طهران في أغسطس 2022 بعد سحبه منها عام 2016. ويخطط البلدان لزيادة تجارتهما البينية من 15 مليار دولار عام 2022 إلى 30 مليار عام 2030. يقول جوشوا: “يرى الدبلوماسيون الغربيون الذين التقيتهم في الإمارات أن أبوظبي لا ترغب بوجود حالة من عدم الاستقرار في إيران ربما تنعكس سلباً على دول الخليج”.

اقرأ أيضاً: الإمارات… إعادة تموضع أم تغيير للتوجهات ودوائر التحرك؟

من جهةٍ أخرى، تتقدم العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وتركيا بسرعة أدهشت المراقبين. وقد زار رئيس دولة الإمارات؛ الشيخ محمد بن زيد آل نهيان، أنقرة في نوفمبر 2021، وقام أردوغان بزيارة أبوظبي في فبراير 2022. وأثناء زيارة الشيخ محمد لأنقرة تم الإعلان عن إنشاء صندوق استثماري بقيمة عشرة مليارات دولار في عدة قطاعات من الاقتصاد التركي، بما فيها الطاقة وتغير المناخ والتجارة.

وفي يناير 2022 أعلن البلدان عن مقايضة عملات بقيمة 4.7 مليار دولار عزَّزت بشكلٍ كبير احتياطي تركيا من العملات الأجنبية، وعززت الليرة التركية. كما وقع البلدان اتفاقية تجارة حرة في 3 مارس الماضي على أمل توسيع تجارتهما الثنائية من 8 مليارات دولار، إلى 25 ملياراً، خلال خمس سنوات. وثمة أحاديث عن أن التعاون الأمني والدفاعي بين البلدين لم يتوقف حتى خلال فترة التوتر بينهما.

واليوم يبدو أن هذا التعاون آخذٌ في الازدهار، فتركيا قادرةٌ على توفير الأسلحة بعيداً عن قيود الولايات المتحدة، وهذا درس مهم تعلمته الإمارات من حرب اليمن، وهناك تقارير عن مشروع لإنتاجٍ مشترك للأسلحة التركية في الإمارات. ومع ذلك لم يؤدِّ تحسن علاقة الإمارات مع تركيا إلى تراجع في علاقاتها الوثيقة مع اليونان وقبرص التي تعززت خلال العقد الماضي، بهدف احتواء النفوذ التركي.

الإمارات وتركيا تعزِّزان علاقاتهما بتوقيع 13 اتفاقية- ديلي صباح

يبدو أن علاقة الإمارات مع قطر تتطور بسرعة أيضاً، على الرغم من البداية البطيئة التي أعقبت التقارب الذي قادته السعودية في قمة العلا في يناير 2021، ويمكن ملاحظة ذلك من التغطية الإعلامية الواسعة التي حظيت بها زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى الدوحة أثناء استضافتها بطولة كأس العالم في ديسمبر 2022، ومشاركة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في القمة العربية المصغرة في أبوظبي في يناير 2022 التي دعا إليها الشيخ محمد بن زايد على وجه السرعة. وقد قامت الإمارات مؤخراً بإلغاء الحظر على المواقع الإخبارية القطرية، وسحبت عرضها لاستضافة اجتماع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لعام 2026، ودعمت قطر كمضيف محتمل لهذه الاجتماعات.

اقرأ أيضاً: أندريه كورتونوف: التطورات الأخيرة كرست الإمارات كلاعب مهم على الساحة الدولية

العلاقة الرسمية الجديدة نسبياً مع إسرائيل بدأت تشغل القيادة الإماراتية بشكلٍ كبير في الأشهر الأخيرة. فقد خلقت السياسات المتشددة لحكومة نتنياهو اليمينية الجديدة في إسرائيل تحديات لجميع لدول العربية المحافظة التي تحسنت علاقاتها مع إسرائيل في السنوات الأخيرة. وتم تأجيل الخطوات الرمزية إلى أجلٍ غير مسمى، إذ لم يتم تحديد موعد لزيارة الدولة إلى أبوظبي التي يتوق إليها نتنياهو بشدة، ولم يتم تحديد موعد القمة المقبلة لمنتدى النقب الذي كان مقررا عقده في مارس الماضي في المغرب. كما أدانت الإمارات والبحرين الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس مرات عديدة في الأسابيع الأخيرة.

السلام بين الإمارات وإسرائيل أكثر من مجرد اتفاقية بل هو أسلوب حياة- تايم أوف إسرائيل

وعلى كل حال، فإن المنطق الاستراتيجي والاقتصادي والجيوسياسي المقنع الذي دفع الإمارات ودول اتفاقيات إبراهيم الأخرى إلى إضفاء الطابع الرسمي على علاقاتها مع إسرائيل لم يتغير أبداً. إن حكومة الإمارات ترغب في إقامة علاقة طويلة الأمد مع إسرائيل، ولكنها تتجنب أن يتم النظر إليها على أنها عامل من عوامل التمكين للحكومة الإسرائيلية الحالية. وتشير مصادر خليجية مطلعة إلى أن الحكومة الإماراتية ترى في اتفاقيات إبراهيم “اتجاهاً استراتيجياً”، وأن الحكومة الحالية فيها تشكل حجر عثرة في الطريق. ويبدو أن الإمارات قد أعطت إشارة بهذا المعنى، عندما التقى الشيخ محمد من زايد في 27 مارس مع رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت.

تتواصل الصفقات مع إسرائيل، والتي يُنظر إليها على أنها تخدم هدف أبوظبي الاستراتيجي الجغرافي- الاقتصادي للربط بمنطقة شرق المتوسط، وخاصة في مجال التنقيب عن الغاز، واستغلاله في مصر وإسرائيل، ومشاريع الطاقة المتجددة في جميع أنحاء المنطقة.

في 26 مارس الماضي، وقع البلدان اتفاقية التجارة الحرة بينهما، والتي تم التوصل إليها في مايو الماضي. وقد كان التمثيل الرسمي الإماراتي منخفضاً أثناء التوقيع، ولم يسافر وزير التجارة الإماراتي إلى إسرائيل للتوقيع عليها. وتستمر الاستثمارات الإماراتية في قطاع الطاقة الإسرائيلي الذي يُنظر إليه في أبوظبي على أنه مصلحة طويلة الأمد، كما يتضح من عرض أدنوك الأخير (مع شركة بريتش بتروليوم) لشراء نصف شركة الغاز الإسرائيلية الجديدة “نيو ميد” التي تمتلك 45% من حقل ليفياثان للغاز، فيما يمتلك صندوق الثروة السيادية “مبادلة” بالفعل 11% من حقل تامار الأصغر.

العلاقة الثنائية الأخرى التي تطورت بشكلٍ كبير خلال السنتين الماضيتين هي مع سوريا. فقد كانت الإمارات تقف في طليعة المساعي لإعادة نظام الأسد إلى الصف العربي، لرؤيتها ضرورة قبول حقيقة بقائه في السلطة، وضرورة التواصل العربي مع سوريا من أجل تقليص النفوذ الإيراني.

وقد زار وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد دمشق في نوفمبر 2021، وقام الأسد بزيارةٍ مفاجئة إلى دبي وأبوظبي في فبراير 2022 لزيارة الجناح السوري في معرض إكسبو 2020، وكانت هذه أول زيارة عربية له منذ اندلاع الأزمة في سوريا.

وفي 19 مارس 2023 وصل الأسد برفقة عقيلته إلى أبوظبي في زيارةٍ رسمية ثانية. أتاح الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا للدول المهتمة في المنطقة التواصل مع الدولتين، وتحسين علاقاتها معها لأسبابٍ إنسانية.

محمد بن راشد يستقبل الرئيس السوري بشار الأسد أثناء زيارته لدبي- أرشيف

التنويع الاقتصادي بعيداً عن النفط

يقول جوشوا: تتبع الإمارات والسعودية سياساتٍ للتنويع الاقتصادي بعيداً عن النفط، (وهي عملية سبقت الإمارات وقطر في تنفيذها المملكة العربية السعودية). وتقول حكومة الإمارات إن حصة النفط والغاز من الناتج المحلي الإجمالي اليوم لا تتجاوز 28%.

في الأسابيع الأخيرة تركز قدرٌ كبيرٌ من الاهتمام على تحول السياسة الخارجية السعودية نحو نهج أكثر تعددية، مع التأكيد على الاختلافات المستمرة مع الولايات المتحدة. وتشمل هذه الاختلافات زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض في ديسمبر 2022، والتنسيق الوثيق مع روسيا بشأن إنتاج النفط (بما في ذلك التخفيض الأخير) ومؤخراً الاتفاق الذي توسطت فيه الصين لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران. ولكن -كما هي الحال في العديد من المجالات الأخرى- الإمارات العربية المتحدة كانت قد سبقت المملكة في ذلك.

تتمتع الإمارات العربية المتحدة بثقلٍ عالمي وإقليمي يفوق كثيراً ما قد يمليه حجمها وموقعها، فهي واحدةٌ من بين خمسة أو ستة لاعبين استراتيجيين مهمين في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا. وقد استخدمت الإمارات ثقلها الاقتصادي، وكونها الفاعل الإقليمي الأكثر تقدماً، لبناء هذه المكانة والحفاظ عليها. وقد نجحت في ترجمة ثرواتها النفطية إلى اقتصادٍ معولم وقوي ومتنوع، قائمٍ على الخدمات والتمويل والتجارة والخدمات اللوجستية لخدمة الأهداف الجيوستراتيجية.

على سبيل المثال، تُعتبر صناديق الثروة السيادية الخاصة بها من بين أكبر المستثمرين في العالم اليوم، مع ما لا يقل عن 46 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية في عام 2022. وموانئ دبي العالمية هي واحدة من أكبر خمسة مشغلين لمحطات الحاويات في العالم (حوالي 10% من السعة العالمية).

وقد استخدمت الإمارات كلَّ ذلك، إلى جانب أجهزتها المركزية الرائعة من أجل صنع القرار وتنفيذه مدفوعة باستراتيجيةٍ طويلة الأجل، لاغتنام الفرص، ولتصبح قائداً للمعسكر المحافظ خلال الانتفاضات العربية، وما بعدها.

♦زميل أول في برنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسات الخارجية، ومحلل متخصص بالتطورات السياسية والاقتصادية في الشرق الأوسط، وفي القضايا الاستراتيجية الدولية.

المصدر: معهد أبحاث الشرق الأوسط

اتبعنا على تويتر من هنا

 

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة