الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةمعاوية بن أبي سفيانمقالات

معاوية بن أبي سفيان نظرة أخرى (6)

معاوية ومسيحيو سوريا.. مساواة تامة مع المسلمين

كيوبوست

تيسير خلف♦

أشرت في الحلقة الثانية من هذه السلسلة إلى أن واحداً من أهم اعتراضات بعض الصحابة؛ أمثال أبي ذر الغفاري وعبادة بن الصامت، على سياسات معاوية الداخلية في بلاد الشام؛ هو موضوع المساواة بين المسلمين والمسيحيين، واتباعه سياسة عدم التدخل في حياة المسيحيين وتجاراتهم أياً كانت. وسأتناول الآن هذه المسألة من وجهة نظر المصادر المسيحية المتوفرة.

حول ضريبة الجزية

لدينا مصدر سرياني قديم معاصر لمعاوية؛ اعتمد عليه البطريرك ديونيسيوس التلمحري (المتوفى عام 845م)، في الكتابة عن هذه المرحلة، هو كتاب تاريخ سرجي بن يوحنا الرصافي؛ حيث يقول إنه في السنة التاسعة لمعاوية، والرابعة والخمسين للعرب، والمقصود التقويم الهجري، أوعز أبو الأعور إلى الجنود المسيحيين في سوريا بدفع ضريبة “جزيتا”؛ وهذه الضريبة كانت معروفة في الفترة السابقة على الإسلام وتعني ضريبة الرأس، وهي ما يُعرف في المصادر الإسلامية بالجزية.

اقرأ أيضًا: معاوية بن أبي سفيان.. نظرة أخرى (2)

وهذه الإشارة تدل على أن جنود جيوش معاوية المسيحيين، وكانت نسبتهم كبيرة، سواء من الأقباط كربابنة سفن ونوتية، أو من المقاتلين المسيحيين العرب من بني كلب وتغلب وتنوخ، لم يدفعوا الجزية المفروضة على المسيحيين؛ كونهم من حملة السلاح. ومن غير الواضح سبب فرض الجزية عليهم في هذا العام؛ ولكن ربما لم تطبق إلا لفترة وجيزة بدليل أن ثمة أخباراً بعد عقود بأن عبدالملك بن مروان فرض الجزية على الجنود المسيحيين. ويمكننا الاستنتاج هنا بأن سبب فرض الجزية من جانب القائد أبي الأعور السلمي، كان ربما بسبب تذمر الجنود المسلمين الذين كانوا يدفعون الزكاة الخاصة بهم، مقابل إعفاء المسيحيين من ضريبة الجزية. وهناك تأكيد من المؤرخ الماروني ثيوفيلوس الرهاوي (695- 785م)، بأن غنائم الحرب كانت توزع بالتساوي بين الجنود المسلمين والمسيحيين.

حجر ترميم حمامات الحمة

ومن المؤشرات المهمة على قضية التسامح والمساواة في سياسات معاوية الداخلية، نقش مؤرخ في السنة السادسة لمعاوية، وهي 42 لتاريخ العرب (الهجري) التي تعادل 663 ميلادية، بمناسبة ترميم حمامات جدارا، (في الجولان السوري المحتل حالياً)؛ حيث وضع عامل الإقليم، وهو مسيحي يُدعى يوأنس، علامة الصليب في مفتتح حجر التدشين، وذكر بالحروف اليونانية اسم معاوية أمير المؤمنين.

اقرأ أيضًا: معاوية بن أبي سفيان نظرة أخرى (4)

قطع دابر الجدل اللاهوتي

ونقرأ في الحوليات المارونية التي كتبت في زمن معاوية خبراً غاية في الأهمية يدل على وعي عميق من جانب معاوية لخطورة الجدل الديني الذي دمر الإمبراطورية البيزنطية. والحوليات المارونية هي نص تاريخي حولي (سنوي) مكتوب بالسريانية الغربية الرهاوية، نجت مقاطع كثيرة منه وفقدت مقاطع أخرى.

من المقاطع الناجية خبر يقول إن معاوية وافق في عام 970 من التقويم السلوقي الذي يعادل 659 ميلادي، على عقد مناظرة لاهوتية بحضوره؛ بين البطريرك الثامن للسريان اليعاقبة ثيودور الأسقيطي، الذي كانت خدمته من عام 649 حتى عام 667م، ومعه الأسقف السابق وعالم الرياضيات والفلك السرياني الكبير سابوخت النصيبيني (575-  667م)، وبين الموارنة. وقد اشترط معاوية على المتناظرين أن يدفع الخاسر مبلغاً كبيراً يبلغ عشرين ألف دينار ذهبي كل عام لخزينة الدولة. وكانت نتيجة المناظرة لصالح الموارنة، حسب المصدر الماروني؛ حيث فرض على اليعاقبة دفع المبلغ وصمتوا بعد ذلك. ويبدو أن هذا الجزاء قد اضطر اللاهوتيين المسيحيين للكف عن المناظرات والمجادلات العقيمة حول طبيعة الإله؛ الأمر الذي أسهم في تحقيق الاستقرار المطلوب. 

اقرأ أيضًا: معاوية بن أبي سفيان نظرة أخرى (3)

حفل تنصيب مسيحي

وتشير الحوليات المارونية إلى احتفالات جرت في أورشليم (القدس) سنة 971 من التقويم السلوقي، والتي تعادل 660 ميلادية، لتنصيب معاوية ملكاً. ويبدو أن هذه الاحتفالات نظمها المسيحيون بمناسبة نجاته من محاولة الاغتيال. ويقول المصدر الماروني إن معاوية صعد وجلس على الجلجثة (مكان صلب يسوع) وصلى هناك، وذهب إلى كنيسة الجثمانية التي يعتقد المسيحيون أن يسوع صلى وبكى عليها قبل أن يعتقله الجنود الرومان، ثم نزل إلى قبر مريم المباركة، عند جبل الزيتون؛ ليصلي فيه.

وقد توهم بعض هواة التاريخ أن هذا المقطع يؤكد أن معاوية كان مسيحياً، وهو في حقيقة الأمر كان سياسياً يراعي أن رعيته تتكون في غالبيتها من المسيحيين، ولذلك عليه أن يكسب ثقتهم. ويشير المصدر نفسه، في المقطع التالي، إلى أن المسلمين اجتمعوا بعد ذلك، وتحديداً في شهر يوليو، وأعلنوا ولاءهم لمعاوية، ثم صدر أمر بإعلانه ملكاً في جميع قرى ومدن سلطته وأن يهتفوا باسمه ويدعوا له.

وثمة مصدر لاتيني معاصر لمعاوية هو الحاج من بلاد الغال الأسقف أركولف، يذكر في نص رحلته قصة سمعها من مسيحيي أورشليم (القدس)، عن خلاف وقع بين طائفتَين مسيحيتَين في المدينة المقدسة حول كفن السيد المسيح، وأن معاوية قام بحل المشكلة بطريقة إعجازية.

دينار ذهبي من سك معاوية ويلاحظ محو الصلبان منه

وللتدليل على قوة المسيحية في بلاد الشام في زمن معاوية، نقرأ معلومة فريدة غاية في الأهمية حول قيامه بسك نقود من الذهب والفضة من دون علامة الصليب؛ وهو ما أدى إلى الإعراض عنها وعدم تداولها من جانب السكان المسيحيين، الأمر الذي أدى إلى فشل التجربة والعودة إلى العملات التي تحمل علامة الصليب، وقد أكد هذا الخبر اكتشاف دينار ذهبي أموي مبكر من عهد معاوية بلا صلبان وعليه عبارة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. 

لقراءة الحلقة السابقة: معاوية بن أبي سفيان نظرة أخرى (5)

♦كاتب سوري

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

تيسير خلف

كاتب سوري

مقالات ذات صلة