الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربية

معالم مأرب اليمنية.. حكاية خطر مستمر

كيوبوست

أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو، معالم مملكة سبأ اليمنية القديمة على قائمة التراث العالمي المعرض للخطر؛ على أمل الحفاظ على تلك الآثار وحمايتها من عواقب الصراع الدائر في البلاد منذ ثمانية أعوام.

مملكة سبأ هي إحدى ممالك جنوب الجزيرة العربية القديمة، إلى جانب ممالك أخرى؛ مثل حضرموت ومعين وقتبان وحِمير. نشأت مملكة سبأ في ما يُعرف اليوم بمحافظة مأرب، وكان موقعها على طريق تجارة اللبان الشهير أحد أسس ازدهارها؛ لكنها اليوم تقع في قلب خطوط القتال الرئيسية في اليمن، وتشهد صراعاً محتدماً بين قوات المتمردين الحوثيين والحكومة الشرعية، كما أنها أحد مسارح وملاذات الجماعات الإرهابية والمتطرفة.

يمتلك اليمن أربعة مواقع للتراث العالمي مسجلة في قائمة اليونسكو؛ أقدمها تسجيلاً هو مدينة شبام القديمة في محافظة حضرموت، جنوب شرق اليمن، والتي تمت إضافتها في عام 1982. كما تضم القائمة أيضاً مدينة صنعاء القديمة، وزبيد، وسقطرى. جميع تلك المناطق، باستثناء سقطرى، مهددة بالخطر جراء الصراع وآثار عدم الاستقرار في البلاد. 

اقرأ أيضاً: في واشنطن.. معرض لإنصاف تمثيل تاريخ اليمن

لدى إعلان اليونسكو إضافة معالم مملكة سبأ، أكدت المنظمة أن هذه المعالم ستحظى بفرصة الوصول إلى المساعدات التقنية والمالية التي يمكنها المساهمة في الحفاظ عليها. تتمثل رسالة منظمة اليونسكو في إرساء السلام من خلال التعاون الدولي، تؤمن المنظمة بأن السلام يجب أن يقوم على الحوار والتفاهم بين الشعوب، وتوطيد الأواصر بينها من خلال تعزيز التراث الثقافي. تصون اليونسكو في الوقت الحالي 1073 موقعاً من مواقع التراث العالمي في 167 بلداً. 

مملكة سبأ والملكة بلقيس

لا يوجد إجماع على التاريخ الدقيق لنشأة مملكة سبأ، إلا أن ظهورها بوضوح يُرجح أن يكون بين القرنَين العاشر والتاسع قبل الميلاد، واستمرت حتى أواخر القرن الثالث الميلادي. يقترن اسم مملكة سبأ كثيراً بالملكة بلقيس، والتي تحظى بشهرة في التراث الديني الإسلامي والمسيحي واليهودي؛ بفضل ارتباطها بحكاية النبي سليمان، وقد ذُكرت في الكتب الدينية المقدسة، القرآن والتوراة.

 يُزعم أن نفوذ الملكة بلقيس وصل عبر البحر الأحمر إلى مملكة أكسوم الإثيوبية، تذهب بعض المزاعم إلى أبعد من ذلك، حيث تدَّعي أن إثيوبيا هي الموطن الأصلي لبلقيس، وليس اليمن؛ لذلك تمتلك بلقيس مكانة في التراث الإثيوبي على الرغم من الجدل الدائر -منذ قرون- حول حقيقة ذلك. في الواقع، يرى الكثير من الخبراء أن بلقيس ذاتها ليست سوى أسطورة خيالية روجها الرواة. بغض النظر عن موطن بلقيس أو حقيقة وجودها؛ فإن الآثار في سبأ، مأرب، شاهدة على حضارة مزدهرة، عُدَّت من بين أغنى ممالك جنوب الجزيرة العربية القديمة، إن لم تكن الأغنى على الإطلاق.

لوحة تصور الملكة بلقيس مع الملك سليمان- الرسام الإيطالي Giovanni De Min

كانت مملكة سبأ تشارك طريق اللبان مع ممالك جنوب الجزيرة العربية الأخرى، وكانت إحدى المحطات الأخيرة في جنوب الجزيرة العربية لمرور القوافل القادمة من مملكة حضرموت؛ حيث كان اللبان يُجمع ويُحمَّل على ظهور الجِمال، قبل أن ينطلق في رحلة شاقة عبر الصحراء العربية ليصل إلى فلسطين ومصر وأوروبا والعراق وفارس. 

ومن أجل إحكام السيطرة، وجني المزيد من الثروة، سعى السبئيون إلى ضم المزيد من الأراضي إليهم من خلال التحالفات حيناً، والغزو كثيراً؛ حتى قيل إن اسم سبأ مشتق من لفظة “غزا”، لكثرة حروبها وشدة بأس شعبها، وفقاً لما ذكره يوسف محمد عبدالله، في كتاب “أوراق في تاريخ اليمن وآثاره”.

سد مأرب.. عبقرية البناء وتاريخ الهجرة

التهديد بالدمار جراء الصراع المستمر في اليمن هو السبب الرئيسي لإضافة معالم مملكة سبأ إلى قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر. تتكون قائمة المعالم من سبعة أماكن تشمل العديد من المعابد القديمة، وسداً، وأنقاض مأرب القديمة. اشتهرت مملكة سبأ بعبقرية مهندسيها، وحُسن تدبيرهم أنظمة الري، ولا أدلّ من ذلك من سد مأرب القديم، فخر اليمنيين، ومعلم سبأ الخالد، وإحدى أساطير حضارات الجزيرة العربية.

عُرف عن سبأ جناتها العظيمة، التي تصل حد الإعجاز، حتى يُروى أن الناس كانوا يمشون خلالها بالسلال على رؤوسهم لا يقطفون شيئاً من الثمار، بل كانت الثمار تتساقط من ذاتها على السلال المحمولة؛ لكثرتها ونضجها، حتى يخرج الماشي في تلك الجنان بغذاء ربما يفوق حاجة يومه. 

اقرأ أيضاً: فن الزخرفة والعمارة في حضرموت

لكن ذلك النعيم كان مصيره الزوال؛ بسبب الصراع الذي حدث في عهد ما يُعرف بمملكة سبأ الثانية، أو ما يُعرف أيضاً بـ”مملكة سبأ و(ذو ريدان) وحضرموت ويمنات” والذي كان من نتائجه تهدم سد مأرب العظيم، وتخريب الزراعة، حتى تشتت السكان في أنحاء الجزيرة العربية، بل ووصلوا إلى العراق والشام؛ بحثاً عن الأمان والرزق. وحسبما تروي كتب التاريخ، كان من بين أشهر العشائر المهاجرة الأشعريون واللخميون والكِنديون والمذحجيون والغساسنة والأوس والخزرج وخزاعة.. وغيرهم. عُمِّر السد بعد تلك الهجرات ودُمِّر مراراً وتكراراً.

ولا تزال المخاطر محدقة

اليوم، لا يزال اليمن يواجه المخاطر المحدقة من كل جانب، حتى بعد مرور قرون من دروس حضارات جنوب الجزيرة العربية التي تعلمنا أن التنافس والصراع المستمر والأناني لا يؤدي إلا إلى الهلاك والتشريد والهجرة. تحتضن مأرب اليوم أكبر مجتمعات النازحين في اليمن، والذين فروا من خطوط النزاع ونقاط الصراع الساخنة بحثاً عن الأمن، والذي لم يجدوه حتى في مأرب؛ حيث لا تزال لعنة الحرب تلاحقهم.

مخاطر الحرب والصراع في اليمن تهدد الإنسان وتاريخه في آن واحد. تُعد شبام وصنعاء وزبيد ومأرب مدناً معرضة للخطر بشدة؛ بسبب الحرب وآثار عدم الاستقرار.

قلعة بيت الفقيه في مدينة زبيد- وسائل التواصل

جميع تلك المدن القديمة هي الآن في قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر؛ ويُعد هذا تعهداً عالمياً بحماية هذه الأماكن بوصفها مهمة للتراث البشري ككل، وليس اليمن وحده. ومع ذلك، سيتطلب الأمر الكثير لحماية فعالة ومستدامة لهذه المدن العالمية القديمة.

تتمثل أبرز المخاطر في وقوع تلك المدن في مناطق صراع مشتعلة؛ خصوصاً مأرب وزبيد. تتعرض الآثار التاريخية في جميع تلك المدن إلى التخريب والنهب والتدمير؛ بسبب الهجمات العسكرية ونشاط الجماعات الإرهابية والإجرامية. في مأرب، يعتبر الوضع أكثر حرجاً بشكل خاص؛ حيث توجد تشكيلات عسكرية متنوعة تشمل الحوثيين وقوات الجيش اليمني والجماعات الإرهابية؛ مثل تنظيم القاعدة والجماعات المتحالفة معه، كحزب الإصلاح، الذراع العسكرية للإخوان المسلمين في اليمن. 

كانت محافظة مأرب مسرحاً لقتال عنيف مع الحوثيين منذ فبراير 2021، وقد دفع المدنيون ثمناً باهظاً؛ حيث قُتل وجُرح العديد منهم بسبب الصواريخ والألغام الأرضية والعبوات الناسفة. إضافة إلى ذلك، تعرضت الآثار التي لا تُقدر بثمن إلى النهب والتخريب والتهريب بغرض الاتجار غير المشروع أو تمويل الجماعات الإرهابية والمتمردة.

اقرأ أيضاً: الحوثيون ضمن شبكة تهريب عالمية لآثار اليمن

أصبحت حماية الآثار التاريخية أكثر أهمية من أي وقت مضى مع تزايد الصراعات الداخلية والخارجية في جميع أنحاء العالم. لا تنحصر قيمة الآثار التاريخية في مزاياها المعمارية أو الجمالية، ولكن أيضاً للتاريخ والثقافة التي تمثلها. في أوقات النزاع، غالباً ما تكون هذه الآثار أهدافاً للعنف والدمار بشكل عرضي، وأحياناً مقصود؛ لأنها ترمز إلى قيم وتقاليد مجموعة أو مجتمع معين. لسوء الحظ، هناك القليل مما يمكن القيام به لحماية تلك الآثار، من ذلك توفير الحماية المادية ورفع مستوى الوعي بين السكان المحليين حول أهمية هذه الآثار وتعزيز الشعور بالفخر والملكية. يمكن للمنظمات الدولية أيضاً أن تلعب دوراً حاسماً من خلال المراقبة والتقييم ورفع الوعي العالمي وتقديم المساعدة المالية والتقنية.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة