الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربية
مصر.. الناشطون ينتفضون لرفات عميد الأدب العربي
جدل بين المصريين واكب نية هدم مقبرة الأديب طه حسين لإنشاء طريق جديد

كيوبوست
شهدت الأوساط الثقافية المصرية حالةً من الهدوء بعد عاصفة الأنباء التي أثارتها مسألة هدم مقبرة عميد الأدب العربي طه حسين؛ لإنشاء محور مروري جديد، وتفكير أسرة المفكر المصري الراحل، الذي يعد رمزاً من رموز الفكر العربي والإنساني، في نقل رفاته خارج البلاد، بنفي محافظة القاهرة نيتها هدم المقبرة، وكل ما أُثير في هذه المسألة.
ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً كبيراً في نشر هذه الأنباء، وشهدت اعتراضات بشكل كثيف على الأمر، قبل أن تهدأ بسبب بيان المحافظة، وبيان أُسرة عميد الأدب العربي التي أكدت فيه عدم التفكير في نقل الرفات خارج البلاد.

ودعا عدد من المفكرين والمثقفين المصريين إلى ضرورة الحفاظ على هذه المعالم التاريخية ورعايتها بشكل يجعلها مزارات سياحية، ونماذج تحتذي بها الأجيال الجديدة في مسيرة العطاء المصري للإنسانية، والبحث عن بدائل في حال تقاطعت مثل هذه الأماكن مع أعمال التطوير الحضاري التي تشهدها البلاد.
اقرأ أيضاً: طه حسين في ذكراه الـ46.. الإسهام المعرفي والثقافي
إهمال للتاريخ
وقال الروائي وأستاذ علم الاجتماع الدكتور عمار علي حسن: إن الأمر تم باستهانة شديدة، وجرى في البداية حين هُدمت مقابر تضم رفات إحسان عبدالقدوس، وقيل أيضاً ابن خلدون والجبرتي. وفي مقابر المماليك كان هناك بعض الشخصيات التاريخية المهمة التي يشكل وجود رفاتها في مصر قيمة مهمة، لم تتم مراعاتها، وأيامها اقترح بعض الناس، وكان رأيهم وجيهاً، أن تُبنى مقبرة لأعلام مصر ورموزها عبر التاريخ.

وأضاف حسن، في تصريحات أدلى بها إلى “كيوبوست”، أنه يمكن للدولة باسم المنفعة العامة أن تقوم بنقل الرفات في تظاهرة ثقافية تاريخية أثرية مهمة، يمكن أن يُشار إليها باعتبارها تكريماً للأعلام التاريخيين؛ ولكن ذلك لم يحدث، وبينما يستعد العالم لتجديد ذكرى عميد الأدب العربي العام المقبل، بمناسبة مرور 50 عاماً على وفاته، نُفاجأ أنهم سيقومون بهدم مقبرته التي اختارها بنفسه.
واستطرد: هذه المقبرة لها قصة كتبتها زوجته سوزان، في مذكراتها التي حملت عنوان “معك”، بأن هذا المكان كان بقرب مدرسة للبنات والبنين، وبُعيد وفاته قالت إنه يستأنس بصوت التلاميذ وطلاب العلم؛ فهو الذي ناضل طوال حياته لتحقيق مقولته الشهيرة “إن التعليم حق كالماء والهواء”، وعمل على تطبيق هذه الفلسفة وقت أن كان وزيراً للمعارف.

وأكد حسن أن مقبرة طه حسين ليست مكاناً يتم التعامل معه باستهانة، وهو ليس شخصاً عابراً في الأمة العربية عبر تاريخها حتى يتم التعامل معه بهذا الشكل، لافتاً إلى أن السوشيال ميديا لعبت دوراً في وقف هذا الأمر، وكذلك الخبر الذي تسرَّب إلى مَن كانوا على وشك اقتراف هذه الجريمة، بنيَّة الأسرة نقل الرفات إلى فرنسا، ولو حدث هذا الأمر لكان فضيحة كبيرة، وكأن مصر ضاقت بمفكريها وأعلامها؛ لأن التعامل مع المفكرين والأدباء الكبار بهذا الشكل ليس عملاً حصيفاً أو رشيداً على الإطلاق.
اقرأ أيضاً: إيهاب الملاح لـ”كيوبوست”: مهاجمو طه حسين لم يقرأوا كتاباته أو يناقشوها
تأثير قوي

وقال عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية محمد سعد عبدالحفيظ: إن ما حدث في واقعة الإبقاء على مقبرة طه حسين أو نفي نيَّة إزالتها دليل على أن وسائل الإعلام غير التقليدية “السوشيال ميديا” أصبحت لها قوة تأثير بالغ، جعل الرأي العام يضغط من خلالها على صانع القرار، وهذا مقارنة مع وسائل الإعلام التقليدية يضعنا أمام واقع تراجع دور الأخيرة وتأثيرها في السنوات الماضية؛ لأنها أصبحت بشكل أو بآخر لا تعبر عن نبض الناس، وإنما توجهات السلطة والمسؤولين.

وأضاف عبدالحفيظ، في تصريحاته لـ”كيوبوست”، أنه في معظم الدول التي لديها تاريخ ورموز لها قيمة، تبادر الحكومات بأن تحول مقابر هؤلاء الرموز إلى أماكن جذب سياحي، وبالتالي فإن على الدولة التي شرعت في السنوات الأخيرة بإزالة عدد من المقابر أن تُعيد النظر في هذا التوجه، وتحول هذه المقابر إلى عنصر جذب سياحي يمكن الاستفادة منه في السياحة الثقافية، وتذكير الأجيال الجديدة بهذه الرموز؛ لإكمال مسيرتهم في العطاء الإنساني.
اقرأ أيضاً: دولت فهمي… مناضلة مصرية قتلها “شرف” العائلة!
وتابع عضو مجلس نقابة الصحفيين المصرية: حتى فكرة نقل مقابر هؤلاء الرموز الكبار في مكان واحد تجعلنا نفقد الهدف؛ فالأَولى أن نستهدف جعلها عنصراً لجذب السياح، ولا يمكننا نقل مقبرة أو متحف لقامة كبيرة مثل طه حسين أو الشافعي بعيداً عن الناس؛ بل يجب المحافظة على القيمة التاريخية والأثرية، لافتاً إلى أن قضية مقبرة عميد الأدب العربي كشفت عن خلل في تفكير المسؤولين، وهو أن عليهم استخدام الحلول الهندسية البديلة دون التعرض إلى الأثر.
إثارة البلبلة

لكن وزير الثقافة المصري الأسبق الدكتور عبدالواحد النبوي، له وجهة نظر أخرى، عبَّر عنها في تصريحاته لـ”كيوبوست” بالقول: لم تظهر أوراق تقول إن الدولة تنوي هدم مقبرة طه حسين، ولم نرَ قراراً من مجلس الوزراء أو محافظة القاهرة بحصر المباني التي ستتم إزالتها وتتضمن المقبرة.
وأضاف النبوي: أنا مختص في التاريخ، ودائماً أبحث عن دليل للأشياء، ومحافظة القاهرة نفت الأمر، وحتى في إزالة المقابر فإن الجهات التنفيذية تبلغ أهالي المتوفين، وتمنحهم مهلة لنقل الرفات إلى أماكن جديدة، وهذا لم يحدث مع أسرة عميد الأدب العربي، وكل قلقي أن يكون الهدف نوعاً من الفتنة وإثارة البلبلة والقلاقل، ومهاجمة السلطة وتصويرها على أنها ضد التراث المصري والرموز التاريخية.

وأشار إلى أن مصر بتاريخها الطويل أنجبت رموزاً في كل المجالات؛ كالطب والهندسة والعمارة والفكر والأدب، مشيراً إلى أن مسألة بناء مقبرة أو متحف كبير يضم رفات كل هذه الشخصيات أمر صعب، وربما يعترض عليه أحفاد هؤلاء الرموز، ومن الأفضل الاهتمام بهذه المقابر ورعايتها كمعالم جذب.
اقرأ أيضاً: لماذا يتهم المجتمع المصري المرأة بالمسؤولية عن العنف ضدها؟
وتابع وزير الثقافة المصري الأسبق: الضجة على السوشيال ميديا تدل على أننا أمام مجتمع يقظ، ويحترم رموزه ويقدرها، وهو أمر محمود؛ وهذا لا يمنعنا من البحث عمن وضع كلمة “إزالة” على المقبرة، في ظل إنكار محافظة القاهرة نيَّة هدمها.
تشكيل العقل

ويرى مؤسس التيار العلماني المصري كمال زاخر، أن السوشيال ميديا وافد جديد استقر وأصبح له دور كبير؛ خصوصاً في الظروف التي يمر بها العالم، وقوة هذا الوافد تتجاوز المحلية، وهذا التطور الناتج عن التحول والانتقال من الثورة الصناعية إلى الثورة الرقمية المعلوماتية، ظاهرة تستحق الدراسة على المستويين الأكاديمي والسياسي، وإعادة النظر في العلاقة بين أطراف المعادلة المجتمعية.
اقرأ أيضاً: مركز رمسيس ويصا واصف للفنون.. منسوجات إبداعية من عمق القرية المصرية
وقال زاخر، في تصريحات أدلى بها إلى “كيوبوست”: نحتاج إلى إعادة تشكيل العقل الجمعي تجاه الرموز؛ لأننا نعاني مصادرة بعض الأصوات على كل التيارات الفكرية، والقضية الأخطر في الهجمة التي تعرض إليها العقل المصري من قِبل الجماعات المتشددة، ليس فقط في ما يتعلق بالمفكرين؛ ولكن أيضاً في الروابط داخل الأسرة، ما أثَّر على التركيبة الفكرية لنا، ويجب الانتباه إلى هذا الأمر حتى لا نُعالج النتائج ونترك الخلل الرئيسي.

وتابع: مصر واحدة من أقدم الحضارات؛ لكن الواقع أننا ليست لنا علاقة بهذا التاريخ الذي أسأنا إليه، وهناك انقطاع معرفي بيننا وبين تاريخنا وجذورنا، حتى إن تأثير الجماعات المتشددة أدى إلى ما يُعرف بـ”تديين التاريخ”، كنوع من أنواع الإرهاب الفكري الخطير.