الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
مصدر لـ”كيوبوست”: إيران لم تتوقع “ثورة” في الشارع العراقي بعد إقالة الساعدي
الساعدي هو الرجل الأكثر نزاهة في حكومة مليئة باللصوص

خاص- كيوبوست
وَفقًا لمنظمة الشفافية الدولية غير الحكومية، فإن العراق هو البلد الثاني عشر الأكثر فسادًا في العالم. وتشير التقارير الرسمية إلى أنه منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، ابتلع الفساد 410 مليارات يورو على الأقل؛ ما يعني أربعة أضعاف ميزانية الدولة، وأكثر من ضعف الناتج المحلي الإجمالي للعراق، هذا بالإضافة إلى اقتصاد متدهور، ونسبة بطالة تجاوزت 25% بين الشباب، فضلًا عن نقص حاد في الخدمات؛ لا سيما الكهرباء والمياه الصالحة للشرب.
وعلى الرغم من أن المظاهرات المطلبية والاحتجاجية في العراق ليست نادرة بل تكررت كثيرًا خلال السنوات الأخيرة؛ فإنه منذ وصول حكومة عادل عبد المهدي في 25 أكتوبر 2018، لم تشهد شوارع المدن العراقية تعبئة من هذا النوع؛ حيث انتشرت دعوات للتظاهر في كل المدن تقريبًا، ولم تتبناها حتى الآن أية منظمة، سياسية كانت أم دينية “إنها المرة الأولى التي تخرج فيها تظاهرات بهذا الحجم دون توجيهات ودون أعلام وملصقات أو شعارات حزبية، وربما هذا ما يزيد من التوجس والتردد في صفوف القيادات السياسية والدينية حيال التعامل معها”، حسب مصدر مقرب من الحكومة العراقية تحدث إلى “كيوبوست”.
اقرأ أيضًا: مصدر لـ”كيوبوست”: لماذا تحمي إيران مصالح السعودية في العراق.
عبد الوهاب الساعدي
يتكرر هذا الاسم كثيرًا بين صفوف المتظاهرين، فهل كانت إقالته المفاجئة قبل أيام سببًا في تحريك الشارع العراقي، لا أحد يمكنه الجزم بذلك، ولكن تبقى لهذا الرجل الذي ينحدر من عائلة شيعية فقيرة تشبه حال كثير من العراقيين ذكرى لا يمكن تجاهل صداها.
برز نجم عبد الوهاب الساعدي، المولود في مدينة الصدر ببغداد عام 1963، بعد عام 2014 إبان اجتياح تنظيم الدولة الإسلامية أراضي ثلاث محافظات عراقية؛ هي: الأنبار ونينوي وصلاح الدين.
وبعد سقوط محافظة الأنبار بيد تنظيم داعش تم تكليف الساعدي بقيادة قوة من جهاز مكافحة الإرهاب والقوات الخاصة في وزارة الداخلية؛ حيث تمكن خلال فترة وجيزة من تحرير عدة مناطق في جنوب الرمادي، مركز محافظة الأنبار.
جهاز مكافحة الإرهاب الذي كان على رأسه هو الوحيد في مفاصل الدولة العراقية الذي لم تتمكن إيران من اختراقه

يحظى الساعدي بشعبية كبيرة بين العراقيين من جميع المذاهب والطوائف؛ لا سيما في الموصل ذات الغالبية السُّنية، والتي أكمل فيها دراسته الجامعية؛ حيث شعر الأهالي بغضب شديد بعد أن رفضت السلطات رفع الستار عن تمثال نصب تكريمًا له في المدينة التي حررها من عناصر “داعش”، واتخذت بعد ذلك قرارًا بإزالته من موقعه.
وحسب المصدر الذي تحدث إلى “كيوبوست”: “يعد الساعدي الرجل الأكثر نزاهة في حكومة مليئة باللصوص، كما أن له مواقف مناهضة لإيران، يكفي أن نعرف أن الساعدي رفض عدة مرات لقاء الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، كما أن جهاز مكافحة الإرهاب الذي كان على رأسه، هو الجهاز الوحيد في مفاصل الدولة العراقية الذي لم تتمكن إيران من اختراقه، وظل مرتبطًا بشكل مباشر بالولايات المتحدة الأمريكية”.
.. رفض عدة مرات لقاء الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني
ويبدو أن هناك رسالة وصلت من إيران إلى رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، تطالبه صراحةً بإبعاد الساعدي عن المشهد؛ لأن شراء ولائه لم يكن ممكنًا. وهو أمر لم يكن سهلًا في البداية على رئيس الوزراء العراقي، حسب المصدر: “إلا أن عبد المهدي اضطر إلى تقديم الساعدي كقربان يتقرب به من طهران، والتي لا تُبدي حتى الآن الحماس المطلوب تجاه الحكومة العراقية بشكل عام، وتجاه عادل عبد المهدي بشكل خاص؛ فهي تعتبره رجلًا رماديًّا متعدد الولاءات”.
اقرأ أيضًا: “أبو خميني”.. ذراع إيرانية جديدة لإنعاش المشروع الإيراني بالعراق.
عناصر تخريب
الانقسام بدا واضحًا بين السياسيين العراقيين تجاه الطريقة التي يجب بها التعامل مع هذه الاحتجاجات ومحاولة احتوائها؛ خصوصًا أن التحركات تتم بشكل عفوي وتفتقر إلى الرأس أو المركزية؛ فتنتقل كالنار في الهشيم من مدينة إلى أخرى، لكن بعض هؤلاء كان حاسمًا منذ البداية في وصف المتظاهرين بـ”المندسين والعملاء”، وهم لا يتوانون عن تبادل صور ومقاطع فيديو تظهر عمليات تخريب ونهب وسرقة تعرَّضت إليها مناطق الاحتجاجات.
لكن الصورة هنا تبدو مختلفة إلى حد ما، حسب المصدر الذي أشار في حديثه إلى “كيوبوست”، مفضلًا عدم الكشف عن هويته، إلى “دور تلعبه الميليشيات المحسوبة على إيران؛ لا سيما عصائب أهل الحق، والتي أرسلت عناصر لاختراق التظاهرات والإشراف على عمليات السلب والنهب، ثم تصوير مقاطع فيديو يتم تبادلها على مستوى واسع النطاق، بهدف ثني الناس عن الخروج أو إيهام مَن خرج بغوغائية التظاهرات وضرورة قمعها”.
ومع ازدياد حصيلة ضحايا القمع بين المتظاهرين وإصرار قوات الأمن على استخدام الذخيرة الحية في تفريق التظاهرات، يبدو أن الأروقة الرئاسية والبرلمانية العراقية على موعد حاسم خلال الساعات القليلة المقبلة، بينما يبقى باب التساؤلات مفتوحًا على مصراعَيه حول مستقبل الاحتجاجات الأخيرة في بلاد الرافدين.. فهل هي “فورة” غضب عابر أم “ثورة” تصحيح قادم.