
كيوبوست- ترجمات
كريغ ميلو
ماذا يحدث إذا أدرك المودعون الأتراك أن أموالهم لم تعد موجودة في البنوك التي أودعوها فيها؟ هذا هو مستوى القلق التالي الذي تواجهه البلاد بعد انخفاض عملتها الوطنية في أعقاب إقالة الرئيس رجب طيب أردوغان، محافظَ البنك المركزي.
تمكنت بعض المؤسسات المالية التركية -مثل “يابي في كريدي بانكاسي”، و”تركيا غارانتي بانكاسي”، و”أك بانك”- بفضل إدارتها الجيدة من تجاوز الأزمات الاقتصادية الشاملة المتعددة التي عصفت بالاقتصاد التركي.
اقرأ أيضاً: خبير اقتصادي: 3 أسباب وراء تدهور الليرة التركية
لكن الدولة في العام الماضي استنزفت خزائن تلك المؤسسات بقيامها بفرض “قروضٍ” قسرية إلى حد ما؛ وذلك لتمويل حملة فاشلة لدعم الليرة، فأهدرت الحكومة بفشلها ما قيمته 80 مليار دولار؛ ما جعل هذه المؤسسات المالية والمقرضين الذين يدعمونها (غالبيتهم من الأوروبيين) عرضة للوضع الهش الذي نشأ منذ أن أقال أردوغان ناجي إقبال في 19 مارس.

إدوارد الحسيني؛ كبير محللي العملات في مؤسسة “كولومبيا ثريدنيدل إنفستمنت” البريطانية، يقول: “لست متأكداً من قدرة النظام المصرفي التركي على النجاة من هذه النوبة القلبية التي ألمت به، الاحتياطيات غير موجودة عملياً”.
يحتفظ الأتراك بنصف مدخراتهم في حسابات بالعملة الصعبة، محمية من تغيرات الليرة التي فقدت ثلثي قيمتها مقابل الدولار على مدى السنوات الخمس الماضية. في الأحوال العادية يكون هذا الأمر جيداً للجميع؛ فالبنوك لديها أصول تتناسب مع اقتراضها بالدولار أو اليورو.
اقرأ أيضاً: الليرة التركية تهوي إلى مستوى قياسي وارتفاع جنوني في الأسعار
وقد أضرت إدارة أردوغان بهذه المعادلة المثالية في السنوات الأخيرة من خلال اتفاقيات المقايضة، ومن خلال الاعتماد على البنوك لتحفيز الاقتصاد من خلال الإقراض الموسع؛ فبلغ نمو الائتمان أكثر من 30 في المئة العام الماضي، وذلك أمر غير متوقع على الإطلاق في ظل تأثير جائحة “Covid-19” على الاقتصاد، على حد تعبير سامي معدّي، المدير الرئيسي لسندات الشركات في الأسواق الناشئة في مؤسسة “تي رو برايس”.

دامت محاولة ناجي إقبال للحد من هذه التجاوزات أربعة أشهر فقط. ولا شك في أن آلية عمل البنوك تخضع للإمكانات. يقول معدي: “لقد كنت مقتنعاً بالائتمان التركي في عام 2018″؛ ولكن الآن، أصبحت المخاطر كبيرة في ظل آخر انهيار حاد للعملة التركية”؛ فالبنوك التركية تتعرض إلى خطرٍ كبير جراء القروض المشتركة العالمية، التي توفر تمويلاً قصير الأجل.
وهذه الهيكلة “كابالية” إلى حدٍّ ما (إشارة إلى منظمة كابالا السرية التي يزعم البعض أنها تقوم بإدارة السياسات والاقتصادات في العالم أجمع- المترجم)؛ تتم إدارتها من خلف أبواب مغلقة من قِبل حفنة من العمالقة الماليين. يقول الحسيني: “إن الخطأ الفادح التالي لسياسة أردوغان قد يغلق شريان الحياة؛ لا سيما إذا كان ينطوي على تدخل الدولة برأس المال”، مضيفاً: “إذا نأت بنفسها بنوك مثل (كريدي سويس) أو (إتش إس بي سي) فجأة عن المؤسسات التركية، فإن ذلك قد يعني نهايتها”.
اقرأ أيضاً: تراجع الديمقراطية والحريات والليرة.. سياسة أردوغان في أسبوع واحد
شهدت ديون البنوك التركية قفزة في الفوائد للتعويض عن المخاطر المتزايدة. تقول أوموتوندي لاوال؛ رئيسة ديون الشركات في الأسواق الناشئة في مؤسسة “بارينغز”: “إن هذا يكفي لقضم السندات قصيرة الأجل”؛ مثل سندات السنوات الثلاث من بنك “تركيا بانكاسي” التي قفزت فوائدها من 4.5% إلى 6.5%.

وأضافت لاوال: “ظلت سوق القروض المشتركة مفتوحة حتى عام 2018؛ حتى خلال جائحة (كوفيد-19)، بشكل عام هناك سيولة في النظام”. ترى لاوال أن معظم ديون الشركات التركية مفيدة لغير شركات الخدمات المصرفية؛ إنها منحازة للمصدرين الذين يستفيدون من انخفاض قيمة العملة المحلية، بما في ذلك شركة تصنيع الأجهزة المنزلية “آركليك”، ومصنع الزجاج “تركيا سيسي في كام فابريكالاري” ومصنع الحلويات “أولكر بيسكوفي سانايي”.
كما أنها متفائلة بشأن شركة الاتصالات الوطنية “ترك سيل”، على الرغم من اعتمادها على الليرة. وتقول “هذا ائتمان من درجة ((BB- يعطي عائدات نسبتها 5.9% على مدى سبع سنوات. بينما يعادل العائد المرتفع في الولايات المتحدة 3%”. بينما يشك مستثمرون آخرون في أن أية شركة تركية يمكنها عزل نفسها عن الاضطرابات الشاملة الحالية.
اقرأ أيضًا: صهر إردوغان وزيرًا للمالية: مؤشرات على استمرار تراجع الاقتصاد التركي
بدا أردوغان منفصلاً عن واقع الأسواق في خطاب ألقاه في 24 مارس، أمام مؤتمر لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه، قال خلاله: “أدعو المستثمرين الأجانب إلى الوثوق بقوة تركيا وإمكاناتها”؛ وهذا أمر يحتاج إلى معجزة.
المصدر: بارونز