الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

مشاهدات صحفيين فرنسيين من أرض المعارك الكردية

كيوبوست- ترجمات

منذ عام 2015، كان شمال شرق سوريا، الخاضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، هو آخر مكان في البلاد يمكن أن يعمل فيه الصحفيون الأجانب بحرية نسبية ودون مخاطر أمنية كبيرة.

في السنوات الأخيرة، تمكَّنت صحيفة “لوموند” من زيارة تلك المنطقة في مناسبات عديدة؛ حيث عمل صحفيوها على تغطية الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية بقيادة قوات سوريا الديمقراطية، كما واكبت تطورات المشروع السياسي بقيادة إدارتهم الذاتية، وإشكالية الجهاديين الأجانب المحتجزين هناك.

اقرأ أيضًا: تداعيات التدخل التركي في شمال شرق سوريا

لقد تغيَّر هذا الوضع تمامًا مساء يوم الأحد 13 أكتوبر الجاري، مع الانتشار العسكري للنظام السوري في المنطقة، والذي جاء بناءً على طلب قوات سوريا الديمقراطية؛ بسبب عدم قدرة القوى الغربية على حماية السكان في المناطق الخاضعة لسيطرتها، في مواجهة الغزو الذي قادته تركيا وأعوانها الإسلاميون.

معركة غير متكافئة

منذ بداية التدخل التركي، أصبح العمل في شمال شرق سوريا كالإبحار في بحر الظلمات؛ “لا يوجد خط أمامي واضح، لا توجد فكرة واضحة عما يحدث خارج مناطق القتال، معلومات كاذبة من كل مكان تنتشرعلى الشبكات.. لم نعد نرى أي شيء”، فهذا ليس نزاعًا عاديًّا كالنزاع الذي خاضته القوات الكردية وحلفاؤها في عام 2014 ضد “داعش”، نحن نتحدث عن حرب غير متكافئة بين مقاتلين يرتدون ملابس مدنية في السهول المفتوحة في شمال شرق سوريا، والجيش الثاني الأضخم عددًا في حلف شمال الأطلسي، بطائراته ومدفعياته.. كل ذلك يقلل بشكل كبير من فرص مغادرة البلاد على قيد الحياة.

الجيش السوري في بلدة تل مر شمال شرق سوريا رويترز

في الأيام الأولى للهجوم، وعلى بُعد عشرات الكيلومترات من جبهة متحركة، تمكَّنا من توثيق مأزق السكان ومقابلة المقاتلين المشتركين في هذه الحرب الجديدة؛ وهي الأحدث في قائمة الصراعات الطويلة التي شهدتها الأزمة السورية. لقد تمكَّنا من تقييم الكارثة الإنسانية في وقت مبكر، واستطلعنا آراء السياسيين المحليين حول تصوراتهم للأزمة، وتمكَّنا أيضًا من البدء في التحقيق في المزاعم الخطيرة للغاية، والمتعلقة بشأن الانتهاكات التي مارستها الجماعات الإسلامية، والتي دفعت بها أنقرة إلى الخطوط الأمامية.

مأساة نزوح

في غضون أيام قليلة، وعلى جوانب الطرق المغبرة كان الآلاف من النازحين يكتظون على مشارف المدن التي ضربتها نيران المدفعية التركية، لقد غمرت المستشفيات رائحة دماء الضحايا المدنيين من الرجال والنساء، الذين قُتلوا في أثناء عملهم في مكاتب المسؤولين، لقد ركَّزنا على الغوص في الفوضى التي تشهدها المنطقة بعد قرار الولايات المتحدة التغاضي عن تدخل أنقرة.

اقرأ أيضًا: لماذا قبلت مجموعات جهادية أجنبية بالعمل تحت مظلة تركيا في سوريا؟

لقد فعلنا ذلك بمساعدة ودعم عدد من زملائنا السوريين؛ المنسق والمترجم والسائق، الذين لم يترددوا في تعريض سلامتهم الجسدية إلى الخطر في هذا العمل؛ فهم بخلافنا كصحفيين فرنسيين، ليس لديهم جواز سفر أجنبي، ولا يتمتعون بدعم حكومتهم عندما تكون حياتهم على المحك؛ لكن لا يمكن الاستغناء عنهم عندما يتعلق الأمر بإيجاد طريق عاجل للهروب.

الانتشار السوري

كان بإمكاننا مواصلة هذا العمل على الرغم من أن الطرق أصبحت خطرة جدًّا، والهجمات تتكاثر يومًا بعد آخر؛ خصوصًا مع نشاط ملحوظ للخلايا الأمامية النائمة التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية. لكن الأخبار الواردة يوم الأحد، 13 أكتوبر الجاري، عن نشر النظام السوري قواته في المناطق الكردية هي التي أجبرتنا على التراجع إلى الوراء؛ ففي عيون دمشق نحن أهداف مفضلة.

اقرأ أيضًا: معادلة الأكراد الأعقد في سوريا.. هل تربحها دمشق؟

في السنوات الأخيرة، تم اختطاف عديد من الصحفيين في القامشلي على أيدي عناصر الأمن التابعة للجيش السوري، والتي حافظت على وجود دائم في المنطقة طوال فترة الحرب، وكانت القوات الكردية تتدخل دومًا لإطلاق سراحهم؛ لكن اليوم لا يمكنهم تحمل هذا العبء.

لذلك اضطررنا إلى مغادرة شمال شرق سوريا على مضض في ذروة هذه الأزمة، مع غياب الضمانات التي من شأنها أن تسمح لنا بالعمل في سوريا والعودة بأمان. سوف نتابع في الوقت الحالي التطورات العسكرية والسياسية الجارية عن بُعد، وذلك بفضل شبكتنا من المصادر المحلية.

اقرأ أيضًا: لُعبة الإخوة الأعداء والأجندات الخفية لأردوغان وبوتين في سوريا

لكن في غياب القدرة على الوصول إلى الحقيقة على الأرض، ما زلنا نرقب ما يحدث من كردستان العراق. كان علينا أن نقرر -مثل كل الصحفيين الموجودين في الموقع- الرحيل في الوقت المناسب، لقد تحول شمال شرق سوريا إلى منظر بعيد؛ لتصبح البلاد ككل، أكثر من أي وقت مضى، أشبه بأرض ميتة.

المصدر: لوموند

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة