الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

مشاعر العداء للآسيويين أعمق مما تعتقد

كيوبوست- ترجمات

بارابال غورونغ♦

والدتي النيبالية ذات الخمسة والسبعين عاماً التي تعيش في نيويورك، تمارس المشي كل يوم صباحاً ومساءً. ومؤخراً طلبت منها أن تذهب متخفية. اشتريت لها شعراً أشقر مستعاراً وأخبرتها أن ترتدي معه قبعة ونظارات شمسية وكمامة. “ربما عندئذ سيتركونها وشأنها”. قالت أمي وهي تثبت شعرها المستعار وقبعتها: “أنا أفهم قلقك ومخاوفك يا بني، ولكني أفضل أن أحمل عكازاً أو عصا، وفي حال حدوث شيء ما يمكنني عندها أن أقاوم”.

هذه هي والدتي، مرنة وشجاعة، ومثال في التعامل السليم مع الضغوط. وأنا معجب بقوتها؛ ولكنني دائم القلق على سلامتها، وأتصل بها باستمرار لأعرف مكانها في كل وقت من الأوقات. هذا ما آلت إليه الأمور. خوف دائم إلى درجة أنه يصيبك بما يشبه الشلل.

اقرأ أيضاً: الجرائم والمضايقات العنصرية ضد الآسيويين ترتفع إلى مستوى قياسي خلال جائحة “كوفيد-19”

هذا ما وصلنا إليه

سيل من جرائم الكراهية ضد الآسيويين طالت أشخاصاً مسنين في وضح النهار؛ كان من هذه الهجمات تلك التي طالت فيلما كاري، ذات الخمسة والستين عاماً، التي تعرضت إلى الضرب والشتم في وضح النهار في نيويورك، الأسبوع الماضي، وحادث إطلاق النار في ثلاثة نوادٍ صحية في أتلانتا الذي أودى بحياة ست نساء آسيويات. وقد تم تسجيل 3,800 حادثة كراهية ضد الآسيويين خلال العام الماضي. يبدو الأمر وكأنه موجة عارمة من العنف ضد الآسيويين.

باستخدامه مصطلحات مثل “الفيروس الصيني” و”إنفلونزا كونغ”، أعطى الرئيس ترامب لفيروس كورونا وجهاً آسيوياً، وقد عانينا جميعاً بسبب ذلك. وعلى الرغم من أن خطابه السيئ هذا قد غذى بلا شك جرائم الكراهية، فإن جذورها تضرب عميقاً في التيارات العنصرية الكامنة التي لطالما أثرت على مجتمعاتنا في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: كيف يتم استغلال “كوفيد-19” لنشر الكراهية وتحقيق مكاسب سياسية؟

ويمكنك أن تجد هذه التيارات في كل المجالات؛ فعلى سبيل المثال، في العالم الذي أنتمي إليه -عالم الموضة والأزياء- تبرز مظاهر عنصرية النظام بشكل يومي، وتتجاوز شكل الاعتداءات البسيطة.

وكشخص لديه منصة، وقادر على التأثير، أعتقد أنه من مسؤوليتي أن أتحدث عن الأمر بصوت عالٍ.

متظاهرون في أتلانتا ضد العنصرية تجاه الآسيويين- “نيويورك تايمز”

مَن هو الأمريكي؟

الموضة في أنقى صورها هي انعكاس للعالم الذي نعيش فيه؛ وهي لا تأتي من فراغ، بل تتأثر بالموسيقى والثقافة والحركات الاجتماعية والسياسية.

ولدت في سنغافورة، وترعرعتُ في نيبال وفي الهند. وفي هذه الدول يواجه المرء قضايا؛ مثل التمييز على أساس اللون والتمييز الطبقي والهياكل الاجتماعية الهرمية. وعندما أسست علامتي التجارية قبل اثني عشر عاماً أردت أن أثبت للأشخاص المهمشين أنهم مرئيون ومهمون؛ ولكنها كانت معركة شاقة.

ولا يزال يُنظَر إلى مسألة مَن يحدد الموضة، أو ما الذي نعتبره أنيقاً أو حسن الذوق من خلال منظار استعماري تشَّكل من خلال مثُلٍ أوروبية ترجع إلى قرون عديدة. والأزياء المستوحاة من ثقافات الأقليات أو المتجذرة في تراث مصممي هذه الأقليات غالباً ما توصف بأنها “غريبة” أو “عرقية”. وغالباً ما يُقال عن الألوان غير الهادئة إنها “مبتذلة ومتوهجة”. وتستمر هذه العنصرية في مجال الأزياء؛ لأنه لا يوجد ما يكفي من الأشخاص الملونين الذين يشعرون أن لديهم القوة الكافية لردعها.

اقرأ أيضاً: تفشِّيكورونايرافقه صعود في كراهية الأجانب والعنصرية ضد الآسيويين

في بداية مسيرتي المهنية نصحني كثيرون بالحد من العارضات الملونات في عروضي؛ لأن الزبائن لن يتقبلوا عارضات من غير البيض. وأتذكر أيضاً معارضة شركائي في العلامة التجارية، عندما أردت أن أفتتح مجموعة جديدة من الأزياء مع العارضة الكورية جي هي بارك.

ولكني اعتدت على مشاهدة هذا التمييز ضد الآسيويين القلائل من أمثالي أو الملونين الذين اقتحموا عالم صناعة الموضة. صحيح أن عالم الموضة بدأ يخطو خطواته الأولى في الاتجاه الصحيح؛ ولكن لا تزال الطريق طويلة أمامنا. ولا أزال إلى اليوم أرى الكثير من التمييز ضد السود والأمريكيين اللاتينيين والآسيويين والأمريكيين الأصليين والمثليين والمتحولين الجنسيين.. وغيرهم.

عارضات على منصة بارابال غورونغ أثناء عرض أزياء في نيويورك في سبتمبر 2019- “غيتي إيماجز”

كثيراً ما كنت ألتقي بأشخاص يشككون في هويتي الأمريكية. وفي أحد الاجتماعات التي عقدت لإطلاق مجموعة جديدة من الأزياء، طلب مني أحد المستثمرين أن أعبر له عمّا تعنيه علامتي التجارية. بدأت في شرح فكرة أن الموضة الأمريكية كانت دائماً ما ينظر إليها من خلال منظار أبيض؛ ولكنني كمهاجر آسيوي من الجيل الأول وكشخص من الأقليات، وكشخص مختلف وملون أرغب في إعادة تعريف مفاهيم الموضة في هذا البلد. فأنا أنظر إلى هذا البلد على أنه مزيج من الثقافات والأعراق والإثنيات والأديان والأحجام المختلفة، ويجب الاحتفال بذلك.

فأجابني المستثمر: “حسناً، أنت لا تبدو أمريكياً، كيف يمكنك أن تحدد النمط الأمريكي؟”. كان ما قصده واضحاً بالنسبة إليَّ، فأنا لست أبيض، ولذلك فأنا لست مؤهلاً أو مخولاً بتشكيل النمط الأمريكي.

اقرأ أيضاً: كراهية الأجانب أم رهابالفيروسات“؟

انتهى بي الأمر بأن حولت حفل إطلاق تلك المجموعة إلى احتفال بالهوية الأمريكية وبالانتماء الأمريكي؛ حيث قدمت عدداً من العارضات على المنصة يرتدين قمصاناً بيضاء قصيرة الأكمام المطبوعة بألوان وردية. وفي ختام العرض ارتدين أوشحة كتب عليها السؤال: “مَن هو الأمريكي؟”.

حصل العرض على كثير من ردود الفعل الإيجابية، وأطلق حواراً مفيداً حول مسألة الهوية؛ ولكن البعض شعروا أنه كان مباشراً جداً أو قوياً أكثر مما ينبغي. وعلى كل حال، فعندما يتعلق الأمر بالنضال من أجل حقوق الإنسان الأساسية لا يمكن أن يكون قوياً أكثر مما ينبغي، ولا يمكن للصوت أن يكون عالياً جداً.

دخل عالم الموضة والأزياء في المواجهة مع ظاهرة كراهية الآسيويين- أرشيف

نحن بحاجة إلى أن نروي قصصنا

من الواضح أن الطريق نحو “صناعة أزياء” أكثر عدالة لا تزال طويلة. وما لم تبذل العلامات التجارية جهوداً صادقة في تنويع صانعي القرار فيها، ومجالس إدارتها بأشخاص مخلصين ومستعدين لخوض حواراتٍ صعبة تتحدى التحيز، فإن المساواة لن تتحقق. ولنكن صادقين؛ إن الجهود التي تبذلها العلامات التجارية في احتضان الثقافة الآسيوية ترجع إلى ارتفاع القوة الشرائية لدولٍ مثل الصين وكوريا الجنوبية والهند، وليس إلى صحوة أخلاقية.

لدينا كآسيويين في هذه الصناعة أن نلعب دوراً في غاية الأهمية؛ فأكثر من 60% من سكان العالم هم من الآسيويين. والآسيويون هم أكبر مستهلك للألبسة، وهم يصنعون معظمها أيضاً، ومع ذلك يقال لنا إن أصواتنا لا تهم. ونحن دائماً ما نلعب أدواراً ثانوية ونلبي احتياجات الصناعة بهدوء وخضوع. وهذا لا يكفي، فقد حان الوقت لأن نتكلم وأن نفعل شيئاً.

اقرأ أيضاً: جائحة فيروس كورونا ستغير النظام العالمي إلى الأبد

علينا أن نستفيد من الوقت في بناء قدراتنا من خلال المشاركة في التدريبات على ردع التحرش ودعم منظمات ومبادرات العدالة الاجتماعية، والتعاون مع المنظمات غير الربحية التي تعمل على تشكيل الثقافة وبناء التضامن من خلال التنوع وإيجاد حلول مؤثرة ومستدامة للتحديات التي تواجه مجتمعاتنا.

كانت احتجاجات الأسبوع الماضي التضامنية مؤثرة للغاية، وقد تظاهرتُ مع زملائي ومع الناشطين وقادة المجتمعات وسكان نيويورك العاديين؛ لنخبر العالم بحقيقة ما نعانيه، ولنجد الدعم والأرضية المشتركة مع الأقليات الأخرى المهمشة.

مظاهرة تطالب بإنهاء العنف ضد الآسيويين في منطقة تشيلسي في نيويورك- “سي إن إن”

علينا أن نكون حاضرين في كل مكان، وفي كل زاوية. وكلما روينا قصصنا أكثر أصبحت وجوهنا وتجاربنا وإنسانيتنا أكثر قبولاً واحتضاناً من المجتمع الأوسع.

يجب أن نطالب بمقاعدنا الصحيحة على الطاولة، ثم نستخدم مواقعنا هذه لتمكين المجموعات المهمشة الأخرى. وسبيلنا إلى ذلك هو أن نكون مرئيين بشكل واضح، ويجب علينا صياغة قصصنا الخاصة، ورواية هذه القصص.

♦مصمم أزياء أمريكي نيبالي، مقيم في نيويورك.

المصدر: سي إن إن

اتبعنا على تويتر من هنا

 

 

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة