الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

مسيرة أردوغان إلى إفريقيا.. علاقة غامضة مع موريتانيا

العلاقة السياسية بين البلدين غير واضحة المعالم رغم أن أردوغان زار نواكشوط مرتين.. استغرقت الأخيرة عدة ساعات

كيوبوست- عبدالجليل سليمان 

لم تكن موريتانيا محط اهتمام تركيا يوماً ما، لولا أنْ التفتت إليها جماعة الخدمة التي يتزعمها فتح الله غولن، بمدرسة ومنهج تعليمي مُتطور عام 2004، قبل أن تتضاعف إلى 10 بحلول 2016؛ نفس السنة التي وافقت فيها نواكشوط على تسليمها إلى الحكومة التركية، بعد اتهام أردوغان الجماعة وزعيمها بالتدبير والتخطيط لإطاحته عن السلطة.

تمتلك الحكومة التركية الآن، نحو 10 مؤسسات تعليمية تحت الإدارة المباشرة لوقف المعارف التركي، تقدِّم خدماتها إلى نحو ألف طالب وطالبة من منسوبي العائلات مرتفعة ومتوسطة الدخل.

اقرأ أيضاً: عناصر جماعة الإخوان.. ثورة مضادة كامنة في مفاصل الدولة السودانية

عليه؛ فإن الاستثمار في التعليم مثَّل الخاصرة الرخوة التي تسلَّلت منها “أنقرة” الإخوانية إلى “نواكشوط”، وهذا ما دفع الرئيس التركي في أول زيارة له إلى موريتانيا وحلوله ضيفاً على الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، إلى الإشارة، في أول تصريح له، إلى موريتانيا “بلد المليون شاعر، وحافظي القرآن”، مستخدماً أسلوبه المعهود في دغدغة المشاعر القومية (العروبة) والمشاعر الدينية اللتين تَسِمان وجدان قطاع واسع من الموريتانيين.

مُختبئ بين المناهج

من وجهة نظر حرم أبوبكر، الباحثة في شؤون غرب إفريقيا، فإن تسلسل أردوغان إلى موريتانيا لم يكن وليد لحظة اختطاف مدارس فتح الله غولن، وإلحاقها بوقف المعارف الحكومي؛ رغم أنها وفرت له ملاذاً مثالياً للاختباء بين فصولها ومناهجها الدراسية من أجل استخدام “نواكشوط” بديلاً استراتيجياً، حال فشله في مصادرة السياق السياسي الليبي لصالح أنقرة، وهذه خطة تركيِّة تقليدية، ظلت مؤجلة إلى حين اكتمال الظروف الموضوعية لإطلاقها، إلا أن المحاولة الانقلابية على أردوغان عجَّلت بها.

اقرأ أيضاً: بعد إجراءات قيس سعيد.. أبواب إفريقيا مُغلقة أمامفلول النهضة

أمينة أردوغان أثناء زيارتها مدرسة تركية بنواكشوط- وكالات

 

تعتقد أبوبكر أن أردوغان سعى منذ وصوله إلى السلطة عام 2003 إلى وضع موريتانيا ضمن خطته للتوسع في إفريقيا؛ لكن الأوضاع في البلدين لم تسمح إلا بالقليل؛ خصوصاً في حقبة الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، الذي اصطف تماماً مع الاتجاه السياسي السائد في الإقليم العربي، القائل بضرورة تحجيم دور الإخوان المسلمين في الفضاء السياسي، ما لم يتخلوا عن العنف وابتزاز المشاعر الدينية.

حبر على ورق

حرم أبوبكر

بيد أن ولد عبدالعزيز نفسه، استقبل أردوغان، في أول زيارة لرئيس تركي إلى موريتانيا، فبراير 2018، وعقدا معاً اتفاقيات تعاون في مجالات عديدة؛ مثل الصيد البحري والزراعة والسياحة والتعدين، إلا أن هذه الاتفاقيات ظلَّت ولا تزال محض حبر على ورق، ولم ينفذ منها عدا اليسير؛ مثل بعض المطاعم التركية في العاصمة وعدة سفن تجوب المحيط وتحط على مراسي ميناء نواذيبو، وحتى هذه تعرضت إلى نكبة كبرى بعد أن ضبطت السلطات الموريتانية مليوناً و400 ألف دولار على متن سفينة صيد تركية قبيل مغادرتها الميناء إلى بلد إفريقي مجاور يقيم به بعض قادة جماعة الإخوان المسلمين الموريتانية، ويعتقد أن الأموال كانت في طريقها إليهم؛ الأمر الذي جعل الاستثمارات التركية في موريتانيا محل شكوك وتوجس.

اقرأ أيضاً: مسجد الأمة في غانا.. تمويهأردوغانيجديد للتغلغل في إفريقيا

 غزل مستمر

رغم ذلك؛ فإنه لم يتوقف الغزل التركي تجاه نواكشوط، حسب عبارة “أبوبكر”، التي استطردت قائلةً لـ”كيوبوست”، وفقاً لإحصائية غربية، فقد نشط الوقف التركي في توزيع لحوم الأضاحي على نحو 50 ألفاً من الفقراء، كما وفَّر نحو 11 بئراً للمياه، بينما نشطت وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا” كعادتها في تقديم المساعدات الغذائية ومواد التنظيف لنحو 1500 أسرة في العاصمة نواكشوط وبعض المدن الأخرى.

لكن بالنسبة إلى “أبوبكر”، فإن الأهم من ذلك هو أن ارتفاع حجم التجارة بين البلدين هذا العام إلى 6 أضعاف ما كان عليه عام 2008، وكذلك حجم الاستثمار التركي في موريتانيا، رغم ضآلة المبالغ المستثمرة.

اقرأ أيضاً: بعد سيطرة الإخوان وزعماء القبائل.. هل يصبح شرق السودان مقراً للجماعات الإرهابية؟

وتتوقع حرم أبوبكر، أن تمضي العلاقة بين أنقرة ونواكشوط بوتيرة أسرع من ذي قبل في عهد الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني؛ لكن بتحفظ أيضاً، والدليل على ذلك ليس ما روجت له وكالة الأناضول التركية الرسمية، عن حوار دار بين ولد الغزواني ونائب أردوغان فؤاد أقطاي، على هامش حفل تنصيب رئيس جمهورية النيجر “محمد بازوم”، أبريل 2012، في العاصمة نيامي؛ حيث أشاع أقطاي أن ولد الغزواني كشف له عن وجود نحو ألف تركي تعود أصولهم إلى موريتانيا، بينهم مَن ينتسبون إلى عائلته، يعيشون في جنوب تركيا منذ 1919، وأنه دعا الغزواني وعقيلته إلى زيارة امتداداتهما العائلية التركية، فرحَّبَا بالفكرة. وإنما تصريحات ولد الغزواني الدائمة بأنه يصبو إلى تعزيز وتطوير علاقات التعاون القائمة بين بلده وتركيا من أجل خدمة مصالح الشعبين.

اقرأ أيضاً: الأمن الشعبي”.. هل يقطع السودان الذراع المسلحة لجماعة الإخوان المسلمين؟

عبر التعليم

محمدي موسى دهاه

في معرض تعليقه على مدى إمكانية نجاح تركيا في اختراق موريتانيا عبر مغازلة حكومتها، قال الصحفي والمحلل السياسي محمدي موسى دهاه، متحدثاً إلى “كيوبوست”: مع بداية الألفية، استثمرت تركيا في موريتانيا عن طريق مدراس “بُرج العلم”؛ وهي مدارس تركية خاصة استهدفت الطبقة البرجوازية، ونجحت في فرض نفسها كأفضل المدارس من حيث المنهج التعليمي؛ لكن بعد الخلافات الكبيرة التي طرأت بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وزعيم جماعة الخدمة فتح الله غولن، وضعت الحكومة التركية يدها على هذه المدارس التابعة للجماعة، وتم تغيير اسمها إلى مدارس “النجوم”، التي تقدِّم استثمارات كبيرة في المجال التعليمي، فضلاً عن انتشار المطاعم التركية في العاصمة نواكشوط.

اقرأ أيضاً: أبوبكر شيكاو الإرهابي الأكثر وحشية.. هل مات منتحراً؟

فساد في الصيد

يشير دهاه أيضاً إلى استثمارات تركية بملايين الدولارات في مجال صيد الأسماك، مضيفاً أن سفن الصيد التركية أصبحت منتشرة بكثرة على ساحل موريتانيا المُطل على المحيط الأطلنطي؛ خصوصاً على شواطئ “نواذيبو” العاصمة الاقتصادية لموريتانيا، كاشفاً عن أن هذا النشاط التركي في مجال الصيد تكتنفه شبهات فساد وصفقات مشبوهة سبق أن تم الحديث عنها وتناولها في وسائل الإعلام المحلية.

السلطات الموريتانية تحبط سفينة تركية على متنها ملايين الدولارات- وكالات

بالنسبة إلى دهاه، فإن العلاقة السياسية بين البلدين غير واضحة المعالم، رغم أن أردوغان زار نواكشوط مرتَين؛ استغرقت الأخيرة عدة ساعات، وإنه رغم مضايقات الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز لجماعة الإخوان؛ فإن العلاقة بين البلدَين لم تشهد توتراً كبيراً، واتسمت بنوع من الهدوء. اليوم، يتولى السفير الموريتاني السابق في تركيا محمد أحمد ولد محمد الأمين، إدارة ديوان رئيس الجمهورية، وله علاقات واسعة مع الأتراك.

اتبعنا على تويتر من هنا

 

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة