الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
مسلمو جنوب وجنوب شرق آسيا: رؤى متنافسة للمستقبل

كيوبوست – ترجمات
أديتي بهادوري♦
تردَّد صدى التغيير الأخير في وضع آيا صوفيا في اسطنبول في جميعِ أنحاء العالم، بعد أن قضت أعلى محكمةٍ في تركيا بتحويلها من متحفٍ إلى مسجد مرة أخرى. وتباينت ردود الفعل على هذا القرار، حيث انتقد أتباعُ الكنيسة الأرثوذكسية في اليونان وروسيا هذا القرار بشدة، ووصفته اليونان “بالاستفزاز الصريح للعالم المتحضر”. من جانب آخر كانت الدول ذات الأغلبية المسيحية غير الأرثوذكسية؛ مثل الولايات المتحدة وفرنسا أكثر تكتمًا في استجابتها، وحتى قيادات الكنيسة الكاثوليكية لم تعبر عن أكثر من مجرد “القلق”. ومع ذلك، لم يكن هناك ترحيب يُذكر بهذه الخطوة في أوروبا. من جانبها، أعربت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، التي أدرجت آيا صوفيا على أنها موقع تراثي، عن أسفها لقرار تركيا الأحادي الجانب.
اقرأ أيضًا: الوضع الحرج لآيا صوفيا
ردود الفعل في جنوب آسيا
في جنوب آسيا، ترددت أصداء هذه الخطوة في المجتمعات المسلمة وقوبلت بموافقة قطاعات كبيرة منها. إذ رحّبت الجماعة الإسلامية؛ أكبر حزب إسلامي في باكستان، بقرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إقامة أول صلاة عامة في آيا صوفيا منذ ما يقرب من قرن من الزمان، في 24 يوليو، ولم تكن الجماعة الإسلامية لوحدها التي ترحب بالقرار التركي.
من جانبهم، جاء رد فعل المسلمين في الهند فوريًا ومبتهجًا. وهنا تجدر الإشارة إلى أن المسلمين في الهند يشكلون أقلية نسبية في دولة علمانية دستوريًا، وذات أغلبية هندوسية، لكنهم يشكلون بشكل عام ثاني أكبر مجتمع مسلم في العالم (إندونيسيا فقط لديها عدد أكبر من المسلمين). قام العديد من المسلمين الهنود بنشر الإشادة بأردوغان على وسائل التواصل الاجتماعي، ومقاطع فيديو لأول أذان للصلاة في آيا صوفيا، وما إلى ذلك. حتى أن قناة على موقع يوتيوب بعنوان “الهند الإسلامية” نشرت مقاطع فيديو تشيد بوعد أردوغان بتحرير المسجد الأقصى في القدس. وبرّر الكثيرون هذه الخطوة، قائلين إن السلطان العثماني محمد الثاني قد اشترى النصب التذكاري، ومن ثم كان ينبغي أن يبقى مسجدًا، وأن قرار تحويله إلى متحف في عام 1935 من قبل المؤسس العلماني للجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، لم يكن له أساس قانوني أو ديمقراطي.
اقرأ أيضًا: الهند والمسلمون والوباء: تفكيك الخيوط المتداخلة
وفي إندونيسيا، رحبت منظمات مثل “نهضة العلماء”؛ أكبر منظمة إسلامية في الدولة، و”المحمدية”، أقدم منظمة إسلامية في الدولة، بقرار تركيا بشأن آيا صوفيا. ومن المثير للاهتمام أن الأصوات المناهضة لقرار أردوغان جاءت من قلب الإسلام، من العالم العربي. لقد انتقدتِ الافتتاحيات في الصحافة العربية، والمؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، وشخصيات بارزة في العالم العربي قرار تركيا بشدة.
ولخص الكاتب طلال الطريفي أهداف أردوغان في عموده، قائلًا: “ما تقوم به الحكومة التركية الحالية في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان ضد العالم العربي هو انعكاس للعادات العثمانية القديمة.. كل ما تقوم به الحكومة التركية من أشياء ذات بُعد ديني يحاول تعزيز مواقفها وتصويرها على أنها حصن الإسلام”.

بدائل آسيا للمستقبل
في الواقع، يحاول الرئيس أردوغان جاهدًا أن يُنصّب نفسه زعيمًا للعالم الإسلامي، محاولًا مواصلة إرث الحكام العثمانيين، الذين نصّبوا أنفسهم خلفاء للعالم الإسلامي من القرن السادس عشر فصاعدًا، واعترف بهم الحكام المسلمين في أماكن بعيدة مثل الهند.
إن رفض معظم العالم العربي لقرار أردوغان بشأن آيا صوفيا هو انعكاس لحقيقة أنه يُورّط تركيا في توتراتٍ متصاعدة مع جيرانها. ويبدو أن سياسات أردوغان تؤدي إلى تآكل قاعدة دعمه في الداخل. وهذا التراجع في الدعم المحلي لأردوغان هو السبب في اتجاهه بشكل متزايد إلى المسلمين في الدول البعيدة جغرافيًا للحصول على دعمهم.

تقليديًا، كانت المجتمعات المسلمة في جنوب آسيا وأماكن أخرى تتطلع إلى العالم العربي للحصول على التوجيه في الأمور الروحية والدنيوية، لكن الديناميات المتطورة في الآونة الأخيرة تعني أن أردوغان ينافس بشكل متزايد دولًا مثل المملكة العربية السعودية. والآن، لدى المسلمين في جنوب وجنوب شرق آسيا رؤيتان متنافستان للمستقبل:
الأولى هي الدول العربية التقليدية، التي تعزِّز احترام التنوع والتسامح والتعايش السلمي بين مختلف الأديان. ويمكن ملاحظة ذلك في الحفاظ على الكنائس والمعابد اليهودية في هذه الأراضي. وقد قامت دولٌ مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين وعُمان بترميم أو تخصيص الأراضي والموارد لبناء المعابد الهندوسية والسيخية و”الجوردوارا” للجاليات الوافدة. علاوة على ذلك، تقوم دولة الإمارات بتجديد الكنائس التي دمرها تنظيم داعش في أماكن مثل العراق. وقد شملت رؤية المملكة العربية السعودية 2030 بعض التغييرات الجذرية بالفعل، مثل السماح للنساء بقيادة السيارة، ووضع مسار للإصلاح والانفتاح الأكبر في المملكة. ولا شك أن هذه رؤية لمستقبل أكثر شمولًا وتقدمية.
اقرأ أيضًا: تحويل “آيا صوفيا” إلى مسجد.. سابقة تاريخية تنتهك التراث الإنساني
أما الرؤية الأخرى، فهي التي يقدمها أردوغان، وهي عكس ذلك، رؤية حنين إلى الماضي والنظرة إلى الوراء والحلم بإحياء أمجاد الماضي نظريًّا لكن مع ممارسةٍ قمعية في الممارسة العملية، وتنطوي على تضييق الخناق على وسائل الإعلام، والتراجع عن حقوق المرأة، وتعزيز نظرة دينية ضيقة للجماعة/ الطائفة التي ينتمون إليها. والتغيير في وضع آيا صوفيا يؤكد هذه الرؤية.
ورغم أن هناك بعض المصالح الداخلية على ما يبدو لأردوغان في متابعة هذا المسار، إلا أن هذا المسار، في ظل عالم اليوم المتنامي العولمة، يضع تركيا في صدام مع جيرانها. وعلى شعوب جنوب وجنوب شرق آسيا أن تختار المستقبل الذي تبتغيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
♦محررةً في موقع “International Affairs Review“، الذي يسلِّط الضوءَ على وجهات نظر الجنوب في القضايا العالمية
المصدر: عين أوروبية على التطرف