الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
مسلمو إثيوبيا… وطبيعة الصراع مع المسيحيين الأرثوذكس
تفاقم الأزمات بين المسيحيين والمسلمين في الآونة الأخيرة ينذر بخطر وشيك وعودة للنزاع العرقي والطائفي في المنطقة

كيوبوست – عبد الجليل سليمان
أعلن مجلس الشؤون الإسلامية في أمهره، الثلاثاء المنصرم، أن أكثر من 20 شخصاً قُتلوا في هجومٍ استهدف مسلمين في مدينة غوندر، شمال إثيوبيا أثناء جنازة مسلم كبير السن.
ووصف المجلس الهجوم بالمذبحة، وحمَّل مسؤولية ارتكابها إلى من سماهم بمتطرفين مسيحيين مدججين بالسلاح، أطلقوا وابلاً من الرشاشات الثقيلة والقنابل اليدوية على المشيعين، ما أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص، ونقل الجرحى إلى المستشفى.
اقرأ أيضاً: وساطة إماراتية تزرع الأمل بين السودان وإثيوبيا
وقال عمدة المدينة زودو ماليد، إن المهاجمين كانوا متطرفين سعوا لإحراق المدينة، وتدميرها وزعزعة استقرارها ونهبها، وأضاف “هذا لا يمثل بأي حال من الأحوال المجتمعين الإسلامي والمسيحي”، لكن الحكومة المركزية الإثيوبية في أديس أبابا لاذَت بالصمت، في الوقت الذي خرجت فيه مظاهرات سلمية كبيرة منددة بالهجوم، انطلاقاً من مسجدي أنور وبنين، جابت شوارع العاصمة الإثيوبية، الأربعاء 27 أبريل.

وأكد مصدر أمني إثيوبي فضل حجب اسمه، لـ”كيوبوست”، أن النزاع الذي أفضى إلى الهجوم يدور حول ملكية المقبرة التي شهدت الحادثة نفسها، حيث ظلّت موضع نزاع مُستمر بين المسلمين والمسيحيين الأرثوذكس، الذين يُشكلون غالبية سُكان المدينة، التي يعتبرونها مُقدسة بالنسبة لهم، وأنه كان يمر بسلام في كل الأوقات، إلا أن جهات سياسية ما، لم تسمها، استثمرته هذه المرة لصالح أجندتها السياسية، وأضاف المصدر، بأن التحقيقات جارية في هذا الصدد، ولا يجوز الحديث عنها قبل اكتمالها.
وفيما حذر مراقبون من أن النزاعات التي يبدو أنها متجذرة في الدين في إثيوبيا غالباً ما تتشكل أيضاً من خلال الخلافات حول الأرض والعرق، وغيرها من القضايا، أكد مجلس الشؤون الإسلامية بإقليم أمهره حيث وقع الهجوم “أن المقبرة كانت تاريخيًا مقبرة للمسلمين، وظلت كذلك في جميع الأوقات”.
اقرأ أيضاً: جدل في إسرائيل بسبب يهود إثيوبيا
أهداف خفية

يستبعد الكاتب الصحافي أنور إبراهيم، الذي تحدث إلى “كيوبوست” من العاصمة الإثيوبية، أن يكون ما حدث أمراً سياسياً، ويرجح ارتباطه بطوائف لها أهداف خفية، ربما هي جماعات مسيحية متشددة، خاصة أنّ هناك اعتقاداً سائداً بين المسيحيين أن غوندر مدينة دينية؛ بحسب تعبيره.
ويستطرد إبراهيم، واصفاً الحادث بأنه تصعيد جديد للعنف في إثيوبيا، وأضاف: لم تصدر الحكومة المركزية في أديس أبابا حتى الساعة بياناً حول الحادث، واكتفت ببيانات صادرة عن حكومة إقليم أمهرا حيث وقع الهجوم، ومجلس الشؤون الإسلامية بالإقليم، فيما صدرت تصريحات متفرقة من بعض المسؤولين تتهم جهات وصفتها بالمتشددة بأنها وراء هذه الحادثة، وحوادث أخرى مشابهة، استهدفت المسلمين في إقليم أمهره.
يواصل إبراهيم حديثه لـ”كيوبوست”، بحسب بعض الجهات فإن هذا الحادث، إن لم يتم احتواؤه بسرعة قد يفضي إلى إشعال صراعٍ ديني واسع النطاق، وربما قد تكون عواقبه وخيمة في ظل تطورات الأحداث في الداخل سياسياً ودينياً، خاصة أن هنالك من يتربص للصيد في الماء العكر، بحسب عبارته.
اقرأ أيضاً: الحرب الأهلية في إثيوبيا.. خطر وجودي يهدد أمن المنطقة

وفي سياقٍ ذي صلة، كشف إبراهيم، أنه سبق أن منع مكتب وزارة التربية في العاصمة أديس أبابا الطلاب المسلمين من أداء صلواتهم في المدارس، الأمر الذي خلق حالة من الاحتقان ما تزال مستمرة، قبل أن تأخذ الأمور منحى أكثر عنفاً في حادثة إقليم أمهره الأسبوع الماضي، والتي تعتبر تطوراً إضافياً فيما يخص ملف المسلمين في إثيوبيا والذي كان يتم تصعيده من وقتٍ إلى آخر من قبل الحكومات السابقة كافة.
وأحال إبراهيم، تأخر الحكومة في التحرك إزاء ملف العنف ضد المسلمين، بأن الجهات التي تدبر هذه الحوادث غير معروفة تحديداً، وأن الإشارة إلى جهة ما بالاسم يظل محض تخمين واتهام، مجرد اتهامات فقط؛ رغم أن السائد أنها جماعات مسيحية متشددة.
صراع ديني

من جهته، حذر المحلل السياسي المهتم بشؤون القرن الأفريقي، إبراهيم حالي، في حديثه إلى “كيوبوست” من مغبة عدم تدخل الحكومة المركزية في هذا الحادث، وتركه لإدارة إقليم أمهره وبلدية مدينة غوندر، الأمر الذي من شأنه أن يفضي إلى نوع من النزاع الديني الحاد بين المسلمين والمسيحيين الأرثوذكس الراديكاليين الذين يعتبرون المدينة برمتها كنيسة كبيرة، وأرضاً مسيحية خالصة، وهؤلاء في الغالب هم من هاجموا مقبرة المسلمين، ألقوا عبوة ناسفة على المشيعين ما أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 5 في الحال، فيما لحق بهم آخرون خلال اشتباكات أعقبت ذلك، عمت جميع أنحاء المدينة حيث تم نهب متاجر المسلمين، وباءت محاولات إحراق نحو 3 مساجد بالفشل.

بطبيعة الحال، وهذا هو السائد تاريخياً في إثيوبيا، فإنّ خريطة الصراعات الإثنية والدينية في إثيوبيا متداخلة وبالغة التعقيد، وكثيرة التشابكات، وظلت التحالفات ضمن هذا السياق المعقد والمتشابك قابلة للتحولات والتقلبات حتى بين الأعداء أو الحلفاء التاريخيين، حيث تتخذ صيغاً سياسية سرعان ما تنهار وتُطلق أخرى.
إلا أن تفاقم الأزمات بين المسيحيين والمسلمين في الآونة الأخيرة ينذر بخطرٍ وشيك، فقد قتل عام 2019، نحو 3 مسيحيين وجرح 15 من قبل متطرفين مسلمين حاولوا منعهم من بناء كنيسة في أرض قال المسلمين إنها تتبع لهم، بمنطقة ديسي 250 كلم شمال شرق أديس أبابا، كما قتل في عام 2007 نحو 12 شخصاً في نزاعٍ بين مسلمين ومسيحيين.
وفي عام 2019 اعتقلت السلطات خمسة أشخاص يُشتبه في قيامهم بإحراق 4 مساجد في بلدة موتا بمنطقة ديسي نفسها، وفقاً لحالي، الذي اعتبر الهجوم الأخير على المقبرة وأعمال العنف التي أعقبته، وصمت الحكومة المركزية الذي استدعى خروج المسلمين في العاصمة أديس أبابا، كلها مؤشرات تنذر بإمكانية خروج الأمور عن السيطرة، فما لم يتم القبض على المجرمين وتقديمهم للمحاكمة في العنف والعنف المضاد سيكون سمة للعلاقة بين المكونين الإسلامي والمسيحي لمدينة غوندر، وسينتقل الأمر إلى كافة المناطق الإثيوبية ربما.