الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
مسلسل Squid Game – لعبة الثراء أو الموت
الثيمة الرئيسية لهذا العمل هو دراسة النفس البشرية في العالم الرأسمالي الحديث حيث المنافسة شديدة للغاية

كيوبوست – عبيد التميمي
لا يوجد عمل حالياً أشهر وأنجح من مسلسل Squid Game، المسلسل الكوري الجنوبي الذي استطاع السيطرة على تصدر قوائم المشاهدات في منصة نيتفليكس في دول عديدة، متحولاً بدوره إلى أعلى المسلسلات مشاهدة في تاريخ نيتفليكس.
المسلسل من كتابة وإخراج الكوري هوانغ دونغ هيوك، ويتحدث عن مجموعةٍ من الأشخاص الغارقين في الديون، والذين تتم دعوتهم إلى المشاركة في عددٍ من الألعاب للفوز بجائزة مالية كفيلة بأن تسدد جميع ديون الفائز. وبالرغم من أن جميع الألعاب طفولية، إلا أن المحك عالية والثمن الذي يدفعه الخاسر هو حياته.
تريلر المسلسل
الثيمة الرئيسية لهذا العمل كان دراسة النفس البشرية في العالم الرأسمالي الحديث، حيث إن المنافسة شديدة للغاية، ويُجبر الأشخاص على تأدية أمور لا يرغبون فيها، لكنها مطلب أساسي لنجاتهم، وما يتبقى فقط هو قدرتهم على العيش مع هذه الخيارات من عدمها.
إن فكرة المشاركة في ألعابٍ مميتة واستفادة طبقة عليا من هذا الأمر هي ليست بفكرة جديدة، بل الكاتب ذكر عدة مصادر استلهم منها فكرة المسلسل، لكن استطاع المسلسل أن يتفرد بأسلوب يجمع فيه ما بين واقعية الأحداث وارتباطها بيومنا الحاضر، وبين كوننا نعيش في عالم مستقبلي بغير علمنا. عالم تُخترق فيه خصوصيتنا بشكل مستمر، أقدارنا تقبع في يد قلة قليلة من الأشخاص الأقوياء، ولا يبدو أن هناك سبيل للخلاص إلا بالانضمام إلى الجانب المظلم. قد يشعرنا استخدام هذه الأوصاف القاسية أننا نتحدث عن عالم مستقبلي بعيد، لكن الحقيقة أن أوجه التشابه بين عالمنا اليوم وبين العالم في Squid Game، هي أكثر بكثير من أوجه الاختلاف.

بداية نمطية
بداية المسلسل كانت اعتيادية لهذا النمط من القصص، تم تقديم شخصية البطل بشكل واضح، وشاهدنا صدمة المشاركين من النمط الدموي للعبة. لكن في الحقيقة ما جعل المسلسل يتميز عن غيره في هذا التصنيف من الأعمال هو الحلقة الثانية تحديداً، بعد أن قررت الأغلبية من المشاركين إيقاف اللعبة والخروج، اختلفت طريقة السرد المعتادة وبدل أن نتابع قصة شخص واحد، عرّفنا المسلسل على عدة شخصيات، تعرفنا على قصصهم ودوافعهم وأسباب تواجدهم في اللعبة.
اقرأ أيضًا: Promising Young Woman .. انتقام فتاة شابة
وحتى مع بطء النسق الواضح، فإنه كان من المهم للغاية مشاهدة جميع أبطال القصة يعودون بملء إرادتهم إلى مكان يبدو الخروج منه شبه مستحيلاً، كل ذلك لأجل فرصة في تحقيق الحلم، واكتساب مبلغ الفوز. هذا التغيير كان مهماً لأن العمل احتاج أن يرتبط المشاهدون بالشخصيات قبل أن تستمر القصة، فكل ما حصل بعد ذلك تقريباً كان مرتبطاً بأفعال مباشرة للشخصيات، وكيفية تأقلمها مع المواقف التي وضعت فيها، وعدم ارتباطنا بالشخصيات في ذلك الوقت يعني عدم اهتمامنا بالمنحنى الجديد الذي سوف يأخذه المسلسل.
وتحدث الكاتب عن نقطة ارتباط المشاهدين بالشخصيات، حيث قال إن تصميم الألعاب كان سهلاً ليعطي فرصة للمشاهدين أن يفهموها بسرعة، ويركزوا كل انتباههم على الشخصيات، عوضاً عن محاولة فهم قواعد اللعبة.

لا يضيع المسلسل أيَّ فرصة في تسليط الضوء على الطبقية الناتجة عن الرأسمالية، فالمقامر الذي يضيع نقوده هدراً في سباقات الأحصنة يجد نفسه في نفس المركب مع مهاجرٍ يعمل مجتهداً لإطعام زوجته وابنه، لا تهم خلفيتك التعليمية والمهنية، الجميع سوف يتنافس حتى الموت على فرص شبه مستحيلة للارتقاء بنفسه فوق هذا المجتمع المسحوق تماماً، ومما لا شك فيه أنه سوف يخسر روحه في سبيل تحقيق ذلك.
وكل ذلك يحصل تحت أنظار عددٍ قليل من الأفراد الذين يتحكمون بمسار اللعبة كيفما يشاؤون. إنها نظرة قاسية وواقعية على المجتمع الرأسمالي، في ظلِّ تقلص أعداد الطبقة المتوسطة ونمو أعداد الطبقة الفقيرة.
اقرأ أيضًا: Pieces of a Woman.. عن تراجيديا الفقد
قرارات قاسية
لكن المسلسل لا يتوقف عند ذلك الحد، بل هو يتعمق في دراسة الأفراد الواقعين تحت اضطهاد الطبقة العليا، وتحولهم الحاد في ظلِّ انجبارهم الدائم على اختياراتٍ قاسية لا يملكون سوى اتخاذها. من خلال ذلك، يطرح المسلسل أحد أسئلته الجوهرية بشكل غير مباشر، هل الناس بطبيعتهم طيبون؟ هل هم أهل للثقة؟
يطرح المسلسل هذا السؤال عن طريق عرض سلوكيات اللاعبين، وهم تحت أشد مراحل الضغط، وحياتهم على المحك، وهم أمام خيارين أحدهما هو التقدم إلى اللعبة التالية، والآخر يعني الموت. ولا يجيب المسلسل عن ذلك بشكل مباشر (لأن لا أحد يملك الإجابة بشكل قاطع طبعاً)، ولأن شخصية البطل غي هون من الأشخاص النادرين الذين يؤمنون بخيرية الناس برغم حياته المزرية، بينما شخصيات أخرى ممن هم حلفاؤه في اللعبة، يؤمنون بالعكس. مما يؤدي بدوره إلى تصادم في المعتقدات، واختلاف في التصرفات، تحت مواقف متشابهة.

آخر الأفكار الرئيسية التي ناقشها المسلسل، والتي أثرت بشكلٍ واضح على نهايته، وأعطتها صبغة واقعية، هي حتمية التعايش مع الخيارات.
منذ أول لعبة، كان على غي هون أن يتخذ خياراً بالتخلي عن شخص يطلب المساعدة، وفارق هذا الشخص المجهول حياته لهذا السبب، وهنا اتضح أن النجاة في اللعبة لا يعني بالضرورة ترابطاً اجتماعياً بين اللاعبين، بل على العكس من ذلك، قد تكون مساعدتك لأحد الأشخاص سبباً في خسارتك.
اقرأ أيضًا: محاكمة متهمي شيكاغو السبعة… The Trial of the Chicago 7
وخلال جميع الحلقات كان على الشخصيات اتخاذ قراراتٍ قاسية غيّرت من تكوينهم تماماً وحولتهم إلى أشخاصٍ آخرين، وحينما يفوز غي هون باللعبة، ويحصل على الجائزة، فهو لا ينفذ أمنياته على الإطلاق، بل يستغرق سنة كاملة قبل أن يبدأ بتحقيق أماني رفاقه من اللعبة. لأن ما حصل لا يمكن استيعابه في فترة زمنية بسيطة، بل من شبه المستحيل أن يستوعبه شخص ما، وقطعاً لن تساعد كل أموال العالم في استيعاب هذه الصدمة.
غي هون الذي كان أكثر الأشخاص اقتناعاً بطيبة الناس واستحقاقهم للثقة، كان عليه أن يواجه نفسه ويتساءل بكل صدق، هل هو شخص طيب أم لا؟