الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
مستويات جديدة ”مرعبة” لمعاداة السامية والإسلاموفوبيا في أمريكا.. الأسباب والمآلات
تشير استطلاعات رأي إلى أن اليهود أنفسهم يقولون إن المسلمين الأمريكيين، والأمريكيين السود، يواجهون قدراً كبيراً من التمييز أكثر مما يواجهه اليهود.

كيوبوست
أفاد باحثون، في تقرير صدر حديثاً، أن معاداة السامية في الولايات المتحدة ارتفعت في عام 2022 بنسبة 35%، وذكروا أن الدعاية المعادية للسامية وتفوق البيض في الولايات المتحدة وصلت إلى مستويات جديدة.
يقول تقرير صادر عن مركز دراسة يهود أوروبا المعاصرين، بجامعة تل أبيب ورابطة مكافحة التشهير، إن معاداة السامية لا تقتصر على العنصريين البيض؛ بل إنها وصلت إلى اليمين المتطرف واليسار المتطرف، لتتسلل إلى التيار الرئيسي للثقافة والسياسة الأمريكية.
ووفقاً لبيانات صادرة عن رابطة مكافحة التشهير، ومقرها الولايات المتحدة، كان المتعصبون البيض وراء أكثر من 80% من جرائم القتل الأمريكية ذات الصلة بالتطرف عموماً في عام 2022. وقد وصف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، تفوق البيض بـ“السم”، ودعا الأمريكيين إلى رفضه، كما أنشأ مجموعة لتنسيق الجهود لمكافحة معاداة السامية وكراهية الإسلام وأشكال التحيز والتمييز ذات الصلة.
اقرأ أيضاً: أضواء على معاداة السامية المعاصرة
حقبة جديدة “مرعبة”
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية، خلال الأعوام الماضية، زيادة ملحوظة في جرائم الكراهية والتطرف؛ حتى بات الخبراء يصفونها بأنها “حقبة جديدة مرعبة”. تشير الإحصاءات، مثلاً، إلى أن الزيادة السنوية في جرائم الكراهية في عام 2021 هي الأكبر منذ أكثر من ثلاثة عقود في الولايات المتحدة، ولا تزال الجرائم في تزايد مستمر.
تُعرف جريمة الكراهية بأنها جريمة بدافع التحيز ضد العرق أو اللون أو الدين أو الأصل القومي أو التوجه الجنسي أو الجنس أو الهوية الجنسية أو الإعاقة. ومؤخراً، تشير التقارير إلى زيادة ملحوظة في جرائم الكراهية ضد اليهود في الولايات المتحدة. من جانب آخر، يُلاحظ تنامي الإسلاموفوبيا وصعود الإسلاميين في البلاد أيضاً؛ وهو ما يؤدي إلى تبادل الاتهامات وتضخيم أصوات الكراهية.
وصلت الأحداث المعادية للسامية في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها العام الماضي؛ منذ أن بدأت رابطة مكافحة التشهير في تسجيلها عام 1979. ووفقاً لقاموس أكسفورد؛ فإن معاداة السامية هي معاداة الشعب اليهودي أو التحيز ضده.
في فبراير الماضي، على سبيل المثال، حذرت السلطات في نيويورك وشيكاغو من أن جماعات النازيين الجدد المتطرفة قد تخطط لاستهداف الشعب اليهودي في “يوم الكراهية القومي”، ويصادف يوم 25 فبراير.

الإسلاموفوبيا.. في تصاعد
لا تقتصر جرائم الكراهية في الولايات المتحدة على المجتمعات اليهودية فقط؛ بل العديد من الفئات الأخرى، مثل السود والآسيويين والمسلمين. وتُعد المشاعر المعادية للمسلمين عموماً -أو ما يُعرف بالإسلاموفوبيا- اتجاهاً متصاعداً خلال العقدَين الماضيَين.
على سبيل المثال، يقول أحد استطلاعات الرأي إن 52% من الأمريكيين و48% من الكنديين يعتقدون أن المجتمعات الغربية لا تحترم المجتمعات الإسلامية. يشير أحد استطلاعات الرأي أيضاً إلى أن اليهود أنفسهم -عموماً- يقولون إن المسلمين الأمريكيين، والأمريكيين السود، يواجهون قدراً كبيراً من التمييز أكثر مما يواجهه اليهود.
اشتدت كراهية الإسلام في الولايات المتحدة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001؛ مدفوعة بعدد من العوامل، منها الخطاب السياسي والإعلامي، والصراعات السياسية داخل وخارج البلاد. وفي ما يتعلق بمعاداة السامية، وفقاً لبعض الاستطلاعات، فإن السبب الأكثر شيوعاً هو الشعور بحرية أكبر في التعبير عن المشاعر المعادية.
كما ألقت تقارير جانباً من اللوم -مؤخراً- على مشاركة حزب “القوة اليهودية” المتطرف في الحكومة الإسرائيلية، متهمةً الحزب بـ”تلويث الخطاب العام الإسرائيلي بتعبيرات عنصرية مروعة”.
تدفع معاداة السامية، وكذلك الإسلاموفوبيا، إلى إطلاق العديد من النداءات الحكومية وغير الحكومية لمحاربة خطاب الكراهية وجرائمها؛ ومن ذلك المطالبة بمزيد من دمج المسلمين والمجتمعات الإسلامية في صناعة القرار والحياة الاجتماعية والسياسية الأمريكية، وهو ما أثار، في المقابل، حفيظة أولئك الذين يدعون إلى فصل الدين عن الدولة، متهمين الحكومة بالترويج لدين واحد على حساب الأديان الأخرى.
صعود وتحالفات
يُوصف مجلس مدينة هامترامك، بولاية ميشيغان، بأنه أول مجلس مدينة في أمريكا يتكون أعضاؤه من المسلمين؛ لكن حكومة المدينة هذه توصف أيضاً بأنها “غارقة في معاداة السامية وكراهية الدولة اليهودية”؛ وذلك بسبب إصلاحاتها المثيرة للجدل وتمريرها قوانين يُنظر إليها على أنها تلبي المصالح والمبادئ الإسلامية.
اقرأ أيضاً: ما قصة كراهية اليهود ومعاداة السامية في مؤسسة “دويتشه فيله” الناطقة بالعربية؟
لكن ولاية ميشيغان ليست الوحيدة التي يتم فيها تمرير قوانين أو تبني إصلاحات من ذلك النوع؛ ففي ولاية ماساتشوستس، على سبيل المثال، أثارت إصلاحات مشابهة جدلاً واسعاً كذلك؛ حيث تدرس الهيئة التشريعية للولاية مشروع قانون من شأنه أن يعزز ويميز مشاركة المسلمين في سياسات الولاية. يتبنى مشروع القانون فكرة إنشاء لجنة لتحديد وترشيح المسلمين الأمريكيين المؤهلين لشغل مناصب التعيين على جميع المستويات الحكومية.
وفي حين أن مشروع قانون ماساتشوستس يهدف إلى “مكافحة التمييز ضد المسلمين”؛ إلا أن معارضيه لا ينظرون إليه كذلك؛ حيث يصف ستيف ريسنكوف، مدير مركز القانون اليهودي والدراسات اليهودية في كلية ديبول، المشروع بأنه “جهد غير مسبوق وغير دستوري للترويج لدين واحد، هو الإسلام، على جميع الديانات الأخرى”. مضيفاً أنه “ينتهك مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة”.
يثير مشروع القانون المزيد من الجدل أيضاً؛ لأنه -على ما يبدو حسب مراقبين- قد تم تقديمه بمساهمة من فرع ماساتشوستس لمجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (CAIR)، والذي يُنظر إليه، وإلى أعضائه، كذارع للإخوان المسلمين في الولايات المتحدة، وعلى أنه “على علاقة بالعديد من القضايا الإرهابية والمتطرفة”؛ بما في ذلك معاداة اليهود ونظريات المؤامرة.

وتماماً مثلما يلقى صعود الإسلاميين في الولايات المتحدة معارضة البعض؛ فإنه يحظى بتأييد وتحالف آخرين أيضاً. ففي لقاء مع “كيوبوست”، يقول كليف سميث، مدير مشروع واشنطن في منتدى الشرق الأوسط، إنه من المفارقات في هذه المرحلة أن يُنظر إلى الإسلاميين كحلفاء من قِبل أقصى اليسار وأقصى اليمين.
يعمل كليفورد سميث كمسؤول الاتصال لدى منتدى الشرق الأوسط لصناع القرار وقادة الرأي في واشنطن العاصمة، وهو يمتلك خبرة في العلاقات الدولية والقانون، كما شغل عدة مناصب في الكونغرس؛ كان آخرها مدير الاتصالات للنائب الأمريكي غاري بالمر.
وفقاً لكليف؛ فإنه من المرجح أن يرى اليساريون المتطرفون في أمريكا، الإسلاميين على أنهم صوت “أصيل”، متوهمين أنهم يدافعون عن المهمشين. كما من المرجح أن ينظر اليمينيون المتطرفون إلى الإسلاميين على أنهم “أصدقاء”؛ بسبب ما يعتبرونه تحدياً للإسلاميين لوجهة نظر يسارية علمانية للعالم، وهم “يرون في هذا التحدي قوة”.
ارتباطات مشبوهة ومآلات ضارة
يعتقد كليف أن صعود الإسلاميين في الولايات المتحدة له آثار ضارة؛ إذ يدق الإسلاميون إسفيناً بين المسلمين الأمريكيين ويضرون بالتماسك الاجتماعي.
يقول كليف إن أغلب المسلمين الأمريكيين “يريدون فقط الانسجام مع جيرانهم، وبقية الجمهور الأمريكي”؛ لكن الإسلاميين يصورون العلاقات على أنها إما “مع الإسلاميين” وإما “ضد المسلمين”، وهو أمر غير معقول؛ إلا أنه “رواية سياسة فعالة”.
اقرأ أيضاً: لماذا تحول مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية إلى جبهة جهادية؟
ويعتقد كليف أن الإسلاموية، أي الفكر الإسلامي السياسي، هو شكل من أشكال الإسلام المرتبط بسلطة الدولة، بطريقة تجعل بعض المجموعات ترتاب منه؛ لأنهم يعتقدون أنهم قد يتعرضون إلى سوء المعاملة، أو التحامل، ما لم يكونوا جزءاً من مجموعة محددة؛ مثل الإخوان المسلمين أو الجماعة الإسلامية.
ويرى كليف أيضاً أن الدول التي تروج للفكر الإسلامي السياسي؛ مثل قطر وتركيا وإيران وباكستان، يُنظر إليها بارتياب كذلك؛ مما يضر بالمسلمين الغربيين والمسلمين عموماً في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك البلدان ذات الأغلبية المسلمة، بسبب ترويج تلك الدول “نسخة مفرطة التسييس من الإسلام” تدفع الناس إلى التشكيك في الإسلام؛ حتى عندما يواجهون الغالبية العظمى من المسلمين المعتدلين، حسب تعبيره.
وفي ما يتعلق بصعود الإسلاميين في الولايات المتحدة؛ بما في ذلك الكونغرس، يقول كليف إنهم يمتلكون تأثيراً كبيراً على القضايا التي يكون لدى الكونغرس معرفة مؤسسية أقل بها؛ مثل الجدل المتجدد حول كشمير. كما أنهم نشطون للغاية في قضايا؛ مثل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي والمساعدات الأمريكية الخارجية للبلدان ذات الأغلبية المسلمة، والتي ينتهي بها المطاف بمساعدة الأصوات الأكثر تطرفاً.
لكن هذه القضايا، وفقاً لكليف، يشترك فيها مع الإسلاميين لاعبون آخرون بنفس التأثير أيضاً. ويمكن للإسلاميين إقامة التحالفات بالفعل، وتغيير السياسات الهامشية؛ لكنهم لا يملكون قدرة السيطرة على الحكومة، ولا هم يحتاجون إلى ذلك “لإحداث المشكلات للمسلمين وغير المسلمين”، كما يقول سميث كليف.
تعد العنصرية وخطاب الكراهية أمرَين بغيضَين بلا شك عند تبنيهما من قِبل أي جماعة، فكما يذكر مركز دراسات يهود أوروبا المعاصرين ورابطة مكافحة التشهير “يجب ذكر ما هو واضح؛ العنصرية هي عنصرية، والعنصرية اليهودية بائسة مثل الأشكال الأخرى للعنصرية، ويجب ألا يُعفى عنها أو يتم التسامح معها”.
تعمل الأمم المتحدة -مثلاً- على مواجهة خطاب الكراهية؛ لأن محاربة الكراهية والتمييز والعنصرية وعدم المساواة من بين مبادئها الأساسية. ويُدرك صناع القرار والخبراء أن خطاب الكراهية يحرض على العنف والتعصب، وأن وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام والسياسات الشعبوية يمكن أن تضخمه، وأنه إذا تُرك دون معالجة سيشكل تهديدات جادة على تماسك المجتمعات.