الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون عربيةمشاريع الخمسينمقالات
مستقبل صناعة الدفاع في دولة الإمارات في الأعوام الخمسين القادمة

كيوبوست
جان-لو سمعان♦
تعتبر الصناعة العسكرية من الركائز المحورية في مسيرة تحديث أية دولة، على المستوى الاستراتيجي والاقتصادي. كما أنها تمكن الدولة من تحقيق الاستقلال الاستراتيجي (strategic autonomy) والاكتفاء الذاتي في هذا المجال؛ ما ينعكس إيجاباً على استقلال قراراتها في مجال السياسة الخارجية، والتحرر من أي ضغوط خارجية محتملة؛ ما يدعم السيادة الوطنية بصورة أوضح.
في الوقت نفسه، يمكننا أن نرى كيف يُسهم تطوير الصناعة العسكرية في تنويع الاقتصاد. وبصفة عامة يعتبر الخبراء أن ديناميكية المشروعات في هذا القطاع تؤدي إلى اكتشافات تكنولوجية واكتساب مهارات وقدرات جديدة، وبالتالي يُسهم في سياق دول الخليج في انتقال النموذج الاقتصادي المعتمد على النفط والغاز الطبيعي إلى اقتصاد المعرفة الذي يعتمد على قدرة القوى العاملة على التجديد والابتكار.
اقرأ أيضاً:كيف أسهم “آيدكس” و”نافدكس” في تطوير صناعات الإمارات الدفاعية
بناء على ما سبق، فإن نجاحات الصناعة العسكرية في الإمارات العربية المتحدة تبدو شديدة الأهمية؛ فلقد تمكنت الإمارات في وقت قصير نسبياً من تطوير شركات وكفاءات خاصة في مجال الصناعات العسكرية، ويعتبرها العديد من المراقبين الدوليين مثالاً يحتذى في الخليج.
خلال العقد الماضي، تبنت أبوظبي خطة طموحة لتعزيز قطاع الدفاع والطيران، وفي إطار تنفيذ هذه الخطة أسست مجموعة “إيدج” عام 2019. واليوم تقدر عائدات “إيدج” بـ5 مليارات دولار، ولديها 12 ألف موظف. وخلال عملية تأسيسها دمجت المجموعة أكثر من 25 شركة إماراتية في مجال الصناعة العسكرية لتحقيق هدفَين؛ الأول مالي والثاني صناعي. فتأسيس كيان واحد مثل “إيدج” يتيح حرية للحركة ويتجنب تشتُّت الوسائل، وبالتالي القدرة على أن تصبح شركة تنافسية في الأسواق العسكرية الإقليمية. وتمكنت “إيدج” من عقد شراكات مع المملكة العربية السعودية وإسرائيل. وعَكَسَ تأسيس “إيدج” أهمية توحيد الصناعة العسكرية تحت مظلة واحدة؛ وهو الأمر ذاته الذي حدث في دول أخرى في الخليج مع الشركة “السعودية للصناعات العسكرية” و”برزان القابضة” في قطر.

على المستوى الدولي يُشهدُ للصناعة العسكرية الإماراتية بالكفاءة؛ خصوصاً في قطاعات مثل بناء السفن والسيارات المصفحة التي تتميز بالجودة. بالنسبة إلى المجال البحري، تلعب شركة “أبوظبي لبناء السفن” (أو “إي دي إس بي”) دوراً مركزياً في إطار تحديث القوات البحرية الوطنية؛ خصوصاً منذ عام 2004، مع إنتاج 6 سفن من فئة “بينونة” للقوات المسلحة الإماراتية. وأصبحت شركة “إي دي إس بي” مجموعة مؤثرة أيضاً على المستوى الإقليمي، وبرهن بيع سفن إنزال دبابات للكويت على ذلك.
والأمر ذاته حدث مع تطوير شركتَين إماراتيتَين؛ “نمر” و”أموروك”، بالنسبة إلى تسليح القوات الأرضية. فمنذ تأسيسها في عام 2000، أصبحت “نمر” شركة معروفة لإنتاج الآليات العسكرية المدولبة الخفيفة والمتوسطة التي يستخدمها الجيش الوطني اليوم. بالنسبة إلى شركة “أموروك”، بدأت أنشطتها في المجال اللوجستي، وتدريجياً اتسعت طموحاتها إلى إنتاج هليكوبتر “سيكورسكي”.
اقرأ أيضاً: من خارج هذا العالم: لماذا تعتبر مهمة الإمارات إلى المريخ انتصاراً جيوسياسياً؟
السؤال إذن: كيف يمكننا أن نرى مستقبل الصناعة العسكرية الإماراتية؟ وما الأهداف التي يجب على الإمارات السعي نحو تحقيقها في هذا الصدد؟ تشير تجارب عدد من الدول؛ خصوصاً القوى الصغرى، إلى تحديات وصعوبات واجهتها للحفاظ على استقلالها الصناعي؛ لا سيما في القطاع العسكري، حيث تكاليف البحث والتطوير المرتفعة، هذه التكاليف تدفع المسؤولين السياسيين إلى زيادة الاعتماد على الاستيراد من القوى الكبرى. وفي هذا السياق، لن يكون هدف الاكتفاء الذاتي واقعياً تماماً؛ بل تطوير مهارات خاصة و”أسواق متخصصة”.

لفهم هذه المقاربة الاستراتيجية من الضروري أن ندرس تجارب دولتَين مؤثرتَين في هذا القطاع: إسرائيل وسنغافورة. فعبر تاريخ الصناعة العسكرية في هذين البلدين الصغيرين، يمكننا أن نتعلم أهمية تطوير كفاءات خاصة تمثل القيمة المضافة للصناعة الوطنية، وعلى سبيل المثال الصناعة الإسرائيلية تُعتبر الأكثر فعالية في مجال الدفاع الصاروخي مع تطوير القبة الحديدية والطائرات دون طيار وقدراتها في مجال أمن الحاسوب.
اقرأ أيضاً: تشغيل المفاعل الثاني في براكة يعزز مسيرة الإمارات العلمية
هذه المجالات تمثل عنصراً محورياً للأمن الوطني للإمارات التي تواجه وستستمر في مواجهة تحديات غير تقليدية من منظمات غير حكومية في الخليج، ولذلك فإن الاستثمارات في التقنيات الجديدة؛ مثل الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيرة، تشكل مستقبل الصناعة العسكرية الإماراتية. بالإضافة إلى ذلك، يمثل تركيز الصناعة الوطنية في “أسواق متخصصة”؛ مثل أمن الحاسوب والذكاء الاصطناعي، تطوير القدرة على التعامل مع التحديات الجديدة التي تواجه القوات المسلحة في العصر الحالي أو ما يُسمى بـ”حروب الجيل الرابع”؛ ما يعني خوض الجيوش معارك غير تقليدية وضد منظمات غير حكومية، كما قد نشهد في اليمن والعراق. في نهاية المطاف التفكير في الشكل الذي ستكون عليه الصناعة العسكرية الإماراتية في عام 2071، ليس موضوعاً للخيال العلمي؛ بل موضوع أساسي لتحقيق التوجهات الاستراتيجية الضرورية لحماية الوطن، ومثل هذا التفكير بعيد المدى يحتاج إلى أن يبدأ من اليوم.
♦باحث متخصص في مجال الشؤون الاستراتيجية لمعهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية. عمل سابقاً أستاذاً مشاركاً لكلية الدفاع الوطني في أبوظبي.