شؤون عربية

مستقبل الإخوان المسلمين في الأردن بعد موجة العمليات الإرهابية الأخيرة

إلى أين تتجه الجماعة بعد عملية الفحيص؟

كيو بوست – مصطفى أبو عمشة

يراهن البعض على أنّ تجدد موجة العنف والعمليات الإرهابية في الأردن من جديد لا يصب في مصلحة تيارات “الإسلام السياسي”، على رأسها جماعة “الإخوان المسلمين”، التي تم تصنيفها كجماعة “إرهابية” في مصر والسعودية والإمارات.

وعادت موجة العنف إلى الظهور مجددًا في المملكة، كان آخرها ما شهدته مدينة السلط من أحداث ميدانية بعد تفجير إرهابي في مدينة الفحيص، الأمر الذي أدى إلى اشتباكات مع خلايا إرهابية أوقعت 4 قتلى، ونحو 21 مصابًا بينهم رجال أمن، وسبق ذلك بعامين الهجوم الذي تعرض له مكتب المخابرات العامة في مخيم البقعة (شمال عمان)، وأدى إلى مقتل 5 من رجال المخابرات.

اقرأ أيضًا: هل سيحسم الأردن علاقته بجماعة الإخوان أسوة بدول المنطقة؟

تصاعد الأحداث الميدانية، إضافة إلى الأزمة التي تعاني منها جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن منذ سنوات -بسبب الانقسام الحاصل داخلها، ووجود تيار متشدد داخل الجماعة- ينذران بتراجع شعبية تيارات “الإسلام السياسي”، على الرغم من أنّ الأخيرة ترفع شعار “المنهج السلمي” في التغيير السياسي والاجتماعي، خصوصًا بعد سلسلة حركات شعبية متواصلة تعرضت لها الأردن مؤخرًا، انتهت بإسقاط حكومة رئيس الوزراء السابق هاني الملقي.

يمكن القول إن إستراتيجية جماعة “الإخوان” في الأردن هي استغلال كل حدث أو حراك شعبي أو حتى المؤسسات المدنية والنقابات المهنية لإثبات حضورها في الشارع، رغم تراجع شعبيتها بشكل كبير، وهذا ما أثبتته انتخابات البرلمان عام 2007، التي حصل فيها “الإخوان” على 6 مقاعد فقط، لكن الجماعة استعادت عافيتها بعض الشيء لتحصد 15 مقعدًا أي ما نسبته 11.5% من مجمل مقاعد المجلس في الانتخابات التالية، وهذا لم يتأتَ إلا بعد إطلاق “التحالف الوطني للإصلاح”، الذي ضم مزيجًا من شخصيات إخوانية وشخصيات وطنية وحزبية أخرى.

وعلى إثر ذلك، فإنّ تساؤلًا يلوح في الأفق: ما هو مستقبل جماعة “الإخوان” بالأردن في ظل التوتر الأمني المتصاعد مؤخرًا، خصوصًا بعد فشل الجماعات “الجهادية” في المنطقة العربية في مساعيها في إحداث تغيير سياسي وعسكري، وبحثها عن ساحات جديدة للصراع، وذلك من باب فرض نفسها وقوتها من جديد؟

 

ساهم بضرب التيارات الأخرى

صرح قيادي إخواني سابق رفض الكشف عن اسمه في حديث خاص إلى “كيو بوست”، بأنّ تنظيم “الإخوان” في الأردن استُخدم كأكبر أداة أمنية لصالح الدولة، وكان له أثر كبير في تقديم المعلومات الأمنية عن التنظيمات الإسلامية كافة، مشيرًا إلى أنّ الجماعة ساهمت كذلك بضرب غالبية التيارات القومية والوطنية واليسارية، مقابل تسهيلات لها في التحرك والحضور، على حد وصف القيادي.

اقرأ أيضًا: إلى أين يتجه المشروع “الجهادي” في الأردن بعد تراجعه في المنطقة؟

ويضيف القيادي الإخواني: “الأردن تحفظ على اعتبار الإخوان تنظيمًا إرهابيًا، لأنّه يتعامل معه بطريقة التقسيمات العمودية والأفقية، إذ ظهرت تنظيمات عدة ورؤى انبثقت من رحم التنظيم الأم، وأثرت على مجمل العلاقات الداخلية والخارجية للتنظيم”، مشددًا على أنّ الدور المنوط بـ”الإخوان” على المستوى الأردني بدأ يتراجع بسبب تطور وسائل الأمن، التي بدأت تعتمد على التكنولوجيا، عوضًا عن الأشخاص، وعلى التواصل الإيجابي بدلًا من التهديد والوعيد.

 

ارتباط الإخوان مع القوى الإقليمية

أما فيما يتعلق بارتباط الإخوان مع الخارج والقوى الإقليمية، فقد تصاعد ذلك في العقد الأخير مقارنة بالارتباط مع القوى القُطرية، في محاولة من عناصر الجماعة للوصول إلى السلطة بمساعدة قوى الخارج، الأمر الذي دفع الجميع لوضع الإخوان في سلة “الإرهاب”، بحسب ما يرى القيادي الإخواني، الذي شدد على أنّ الأزمة التي تعاني منها الجماعة لها بعدها البنيوي الداخلي، إضافة إلى البعد المتعلق بالخارج وعلاقتها في المنطقة وتناقضاتها.

ويعاني التنظيم من عدم وضوح في الأهداف، بحسب القيادي، إضافة الى تغير الدور الدعوي إلى السياسي غير مكتمل النضوج، والعمل للتنظيم وليس للإسلام، وبروز التيارات الداخلية من ثوري جهادي “الصقور” إلى متريث “الحمائم”، وتفاقم الصراع بين التيارين، ووجود انقسامات أخرى في كلا التيارين، تتبع الشيخ والعالم والمفكر الفلاني، مما كان له أثر في إضعاف البنية الداخلية على مدار سنوات عدة.

ويوضح القيادي أيضًا بأنّ تطلعات البعض لتحقيق أكبر الفوائد على المستوى الفردي من التنظيم جعل الجماعة تظهر وكأنها تبعية لأشخاص وليس لأفكار، منوهًا إلى أن التنافس الاقتصادي والتجاري داخل التنظيم أظهره كـ”شركة مساهمة محدودة”، فتفشت الاختراقات التي تصل إلى مستوى القيادات.

اقرأ أيضًا: أزمة الاقتصاد الأردني: هل باتت الطريق مسدودة أمام حل جذري؟

وعلى ما يبدو، فإنّ تنظيم “الإخوان” في الأردن يعاني من استمرارية في التهميش وتخوين الآخر والظهور بالمظهر الفوقي والاستعلائي على الجميع، مستخدمة في بعض الأحيان حاجات البعض عبر شراء الذمم، وذلك بحسب ما أفاد به القيادي الإخواني لـ”كيو بوست”، الأمر الذي شكل قاعدة كارهة للتنظيم.

وحول نظرة  جماعة “الإخوان” إلى الحراكات السياسية التي حدثت في الأردن مؤخرًا، ومدى تعويلها على التغيير السلمي، يرى القيادي الإخواني، بأنّ الحراكات السياسية في الأردن أظهرت التنظيم على حقيقته، فبعد خروج “الإخوان” من نقابة المهندسين، ومن مجمل النقابات، حدثت هذه الحراكات؛ فبعد أن تحررت النقابات من “الإخوان” -على حد وصفه- تحرر الشارع الأردني وعادت النقابات لتأخذ دورها في قيادة الشارع، في ظل تغيب واضح للأحزاب. ويشير القيادي السابق إلى أنّ “الإخوان” لم يشاركوا في الحراك إلا بالأفراد الذين يؤمنون بشكل فردي بضرورة التواجد مع الشعب في مطالبه.

تصريحات القيادي الإخواني السابق تشير بوضوح إلى أنّ الشارع الأردني لم يعد يثق بجماعة “الإخوان” كتنظيم ولا بمن يقوده، وكذلك الحال مع مجمل الأحزاب الأردنية، بفعل تفشي سياسة المحسوبيات واستنزاف المواطن والشعور بعدم الأمن الاجتماعي والاقتصادي.

ومن هنا، فإنّ مستقبل الإخوان في المنطقة لا يزال مبهمًا، لكن الأحداث المتسارعة تزيد من الغموض أيضًا، في ظل تناقض خطاب الإخوان مع سلوكهم العملي؛ سواء كان ذلك على الساحة الأردنية أو على الساحة المصرية والتونسية والليبية، الأمر الذي يستدعي مراجعة الإخوان لأنفسهم على المستويات السياسية والفكرية كافة.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة