الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
مساعد وزير الخارجية الأمريكي: يمكن للسعودية لعب دور إيجابي في اختيار رجال الدين في أوروبا

كيوبوست – خاص
هذه الدراسة تعود إلى سبتمبر 2017، وألقيت في طاولة مستديرة حول “حركات الفاشية والإسلام السياسي”، بتنظيم مركز مارتينز للدراسات الأوروبية في بروكسيل، ولا يزال كثيرٌ من الأفكار المطروحة فيها صالحًا للتطبيق. ويعرض ديفيد شينكر، الذي قدَّم هذه الورقة حيث كان يشغل منصب مدير برنامج السياسات العربية في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أفكاره حول الكيفية التي يمكن من خلالها تحقيق تقدم ملموس في الحرب ضد الأفكار المتطرفة أو كما سمَّاها “حرب الأفكار”. والواضح أن هذه الأفكار ما زالت مهمة؛ خصوصًا أنه حتى وقتنا هذا لم يحدث التقدم المنشود في هذه الحرب.
نحو ائتلاف جديد للجهات الفاعلة المناهضة للإسلاميين في أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية
ديفيد شنكر
في يونيو 2015، قالت مذكرة مُسرَّبة من وزارة الخارجية الأمريكية، إن جهود محاربة التطرف في الغرب وفي منطقة الشرق الأوسط تعاني ضعفًا واضحًا، وإن الحملة الإعلامية على تنظيم داعش أقرب إلى الفشل. وأضافت المذكرة أن “علينا القيام بعمل أفضل لإسقاط مصداقية داعش في الفضاء المعلوماتي”.[1]
اقرأ أيضًا: جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا.. أخطر أقلية إسلامية
ورغم مرور عامَين ما زال المسلمون في أوروبا، والولايات المتحدة، والشرق الأوسط، ينضمُّون إلى الجماعات المتطرفة، بينما يتبنَّى عددٌ قليلٌ فقط من الدول خطوات فعلية في “حرب الأفكار”. على سبيل المثال، أنشأت الولايات المتحدة قناة “الحرة”، وأسَّست السعودية مركزًا لإعادة تأهيل المواطنين المتطرفين. ومن ثَمَّ هناك حاجة إلى بذل مزيد من الجهد والتنسيق مع الشركاء المحتملين. وبالنظر إلى تزايد خطر التطرف والإرهاب الذي تواجهه أوروبا، لابد من توسيع الشراكات عابرة الحدود الوطنية، ويمكن طرح شركاء محتملين للحكومات لتوسيع هذه الحملة وزيادة فاعليتها، كالتالي:
الشركاء الدينيون
وُجِّه كثيرٌ من الاهتمام إلى الضغط المستمر الذي يمارسه الرئيس السيسي على مؤسسة الأزهر الدينية المصرية؛ لا سيما مطالبته الصعبة لها بالإصلاح. وعلى الرغم من انخفاض أثر مبادرته؛ فإن هناك بعض البيانات التي توحي بأن للنموذج الذي ترعاه الدول في الشرق الأوسط مصداقية[2]. ويمكن لجامعة القرويين في المغرب، التي تعمل بتوجيه من وزارة الشؤون الدينية والمسؤولة عن تعليم وتأهيل الأئمة والعلماء، وَفقًا لنهج المغرب الإسلامي المعتدل تقليديًّا، أن تقوم بدور في التواصل في أوروبا.

الشركاء الإعلاميون
من المهم في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا التي تضم كبرى الجاليات المسلمة، أن تزوِّد المجتمعات الإسلامية بالموارد والمعلومات والتوجيه الديني الذي يعبِّر عن الرواية المضادة ويدعو إلى الإسلام المعتدل. وفي هذا الصدد حظرت فرنسا محطة “المنار” التابعة لـ”حزب الله” اللبناني؛ لبثها خطاب التطرف والعنف[3].

ومع ذلك، هناك قنوات تحريضية أخرى متاحة في التليفزيونات الفضائية الأوروبية؛ ومنها قناة “الأقصى” التابعة لحركة حماس، ومحطة “مكملين” التابعة للإخوان المسلمين، بالإضافة إلى عديد من القنوات الشيعية التي تروِّج للطائفية. ثم هناك قناة “الجزيرة”. وبعيدًا عن القنوات السافرة؛ مثل “المنار”، يجدر بذل مزيد من الجهد لتحديد القنوات الفضائية الأخرى التي تعزِّز التطرف وحظرها في أوروبا. ومن جانبها، تقوم القنوات التي تحظى بمعدلات مشاهدة مرتفعة في أوروبا؛ مثل “العربية” و”سكاي نيوز عربية”، بدور إيجابي في بث الرسائل المعتدلة.
اقرأ أيضًا: قناة الجزيرة المُرتبِِكة.. وقطر الأكثر ارتباكًا
المنظمات غير الحكومية
هناك كثير من المنظمات الإسلامية يمكن الاختيار منها. وقد اجتمع نحو (400) جماعة إسلامية في بروكسل في 2008، برعاية اتحاد المنظمات الأوروبية في أوروبا، ووقَّعت “ميثاقًا” للمسلمين في أوروبا عنوانه “كيف يجب أن نتصرَّف بصفتنا مواطنين إيجابيين في المجتمعات التي نعيش بينها وأن لا نشكِّل تهديدًا؟”[4].
ربما تكون جماعات أخرى واعدة أكثر في إقامة شراكات فعالة لمكافحة التطرف. على سبيل المثال، في عام 2017 تعهَّد المجتمع الإسلامي في إيطاليا -وهو يتكون من جماعات تمثِّل (70%) من المسلمين في إيطاليا- أن “يرفض كل أشكال العنف والإرهاب، ويلتزم بإقامة الصلوات في المساجد بالإيطالية[5]“.

في إطار هذه الأُسس، يمكن أن تلعب السعودية دورًا إيجابيًّا في هذه الشراكة العابرة للحدود الوطنية، فللمملكة علاقات طويلة الأمد، مالية ودينية على حد سواء، مع المراكز الإسلامية في أوروبا. ويمكن الاستفادة من القوة السعودية “الناعمة” لتحسين اختيار رجال الدين، وتغيير الرسائل، وتعزيز التنسيق الوثيق بين هذه المراكز والدول الأوروبية الموجودة فيها.
الحكومات المحلية
هل يجب أن تبدأ وزارات الداخلية في أوروبا في القيام بدور في تنظيم شؤون الجماعات الدينية، كما تفعل وزارات الداخلية في الشرق الأوسط؟ في فرنسا، وزارة الداخلية هي التي تمنح ترخيصًا للأئمة. ويمكن أن تكون وزارات الداخلية الأوروبية مهيَّأةً لأداء دور، من حيث الموارد والقدرة على الاختراق. لكن في الوقت نفسه، قد يُحدث تدخُّل الجهات الحكومية في المساعدة في تنظيم المجتمعات الدينية بالبلدان الديمقراطية بعضَ ردود الأفعال غير الإيجابية.
اقرأ أيضًا: أوروبا بين مطرقة اليمين المتطرف وسندان الإرهاب الجهادي
في وسع الحكومات القيام بأمور أخرى؛ مثل التعاون مع المنظمات غير الحكومية لرفع مستوى الاعتدال. ومن جانب آخر، هناك بعض التحديات التي تواجه الدول؛ مثل ارتباط التطرف بالبطالة. ويُعتقد أن الجرائم الصغيرة المفضية إلى السجن تُعَرِّض مرتكبيها إلى الاحتكاك بالمسجونين المسلمين المتشددين والمجرمين المتطرفين. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الشراكة بين الحكومة والقطاع الصناعي لتوظيف بعض هؤلاء المسلمين، يمكن أن تكون مثمرةً في تقليص المشكلة.
آليات جديدة
يحتاج عدد من الدول العربية إلى تعديل آلياته في تمويل المؤسسات الدينية في الخارج؛ بحيث تكون أكثر حكمةً في العطاء الخيري في أوروبا، وبعد استقصاء دقيق حول هذه المؤسسات. وإذا أرادت أوروبا والغرب والشركاء العرب في الائتلاف المناهض لـ”داعش” أن يحققوا نجاحات ملموسة في مكافحة الإرهاب في أوروبا من خلال تبنِّي حملة ربما تمتد جيلًا من الزمن، فيجب أن تحظى الحملة بالأولوية والتركيز الدائم. وقد يكون من الضروري إنشاء مؤسسة؛ مثل “مركز عمليات” لوضع المشروعات والمبادرات في أوروبا، والتنسيق بين الشركاء المحليين والدوليين في التنفيذ والتمويل، غير أنه دون الالتزام على المدى الطويل، لن تُدحر هذه الأيديولوجية المتطرفة الضارية على الأرجح.
لمطالعة نسخة PDF من الدراسة: اضغط هنا
المراجع:
[1]– Mark Mazzetti and Michael Gordon, “ISIS IS Winning the Social Media War, US Concludes,” The New York Times, June 12, 2015. https://www.nytimes.com/2015/06/13/world/middleeast/isis-is-winning-message-war-us-concludes.html
[2]– Sarah Feuer, “State Islam In the Battle Against Extremism,” The Washington Institute for Near East Policy, Policy Focus 145, June 2016. http://www.washingtoninstitute.org/uploads/Documents/pubs/PolicyFocus145_Feuer-4.pdf
[3]– Naomi Sakr, “Diversity and diaspora: Arab Communities and satellite communication in Europe,” Global Media and Communication, 2008. http://www.med-media.eu/library/diversity-diaspora-arab-communities-satellite-communication-europe/
[4]– Teresa Kuchler and Leigh Philips, “400 groups sign charter for European Muslims,” EU Observer, January 14, 2008. https://euobserver.com/news/25444
[5]– “Italian Muslims Sign anti-extremism Pact,” AFP, February 2, 2017.