الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون خليجية
مركز أبحاث أمريكي يكشف زيف “غضب” إردوغان بشأن قضية خاشقجي
فما هي الدلائل والشواهد؟

ترجمة كيو بوست عن مركز أبحاث “غيت ستون إنستيتوت” الأمريكي
عمل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على تصوير نفسه كـ”بطل حقوق الإنسان” منذ بروز قضية الصحفي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018. في 1 ديسمبر/كانون الأول، قال إردوغان خلال قمة مجموعة العشرين: “كشفنا للعالم عبر وكالتنا الاستخبارية معلومات كاملة حول مقتل خاشقجي، ولا نزال نفعل كذلك. الإعلام الأمريكي بالتحديد، والغربي بشكل عام، يتابع هذه المسألة عن كثب، وأجهزتنا الاستخبارية تجيب على جميع الاستفسارات وتغطي جميع المعلومات لها”.
في الحقيقة، هذا البيان يجسد ازدواجية مأساوية، ويكشف عن مراوغة الرئيس ذي الوجهين، لأسباب وجيهة عدة. أولًا، الحكومة التركية هي “السجان الأكبر” على مستوى العالم، حسب ما ورد في تقارير منظمات حقوقية مؤخرًا، إلى جانب تقارير صحفية متعددة. علاوة على ذلك، تؤكد الأرقام أن النظام التركي هو “أكبر قاتل” للصحفيين من بين جميع أنظمة دول العالم. بل إن نقابة الصحفيين التركية (TGC) تحيي يوم 6 نيسان/إبريل من كل عام باعتباره “يوم الصحفيين المقتولين”. بدأ هذا الحدث في 6 نيسان/إبريل 1909 عندما وقعت أول جريمة ضد الصحفي التركي حسن فهمي بسبب انتقاده للحكومة آنذاك. وقد أفادت “منصة التضامن مع الصحفيين المعتقلين” (TGDP) أن “أكثر من 112 صحفيًا وكاتبًا تركيًا قتلوا على يد الحكومات التركية ما بين 1909 و2012”.
اقرأ أيضًا: حملات اعتقالات واسعة تحول تركيا إلى ديكتاتورية
ثانيًا، لم تقدّم منظمة المخابرات التركية، التي زعم إردوغان أنها تزود الإعلام الغربي بمعلومات عن مقتل خاشقجي، أي معلومات لأفراد العائلات وغيرهم ممن يبحثون عن الحقيقة بشأن مصير الصحفيين والناشطين الأتراك الذين اختفوا دون أن يتركوا أثرًا يذكر.
والأسوأ من ذلك هو أن حكومة إردوغان شرعت في قمع منظمة شعبية جماهيرية تدعى “أمهات السبت“، اعتادت على تنظيم وقفات احتجاجية سلمية أسبوعية منذ عام 1995 نيابة عن أحبائها المفقودين. في 25 أغسطس/آب، قامت شرطة إسطنبول بتفريق هذه الوقفات الاحتجاجية بالقوة، باستخدام المياه والغاز المسيل للدموع ضد المشاركين، كما اعتقلت العشرات منهم، غالبيتهم في الثمانينيات من أعمارهم. وبعد أسبوع، أي في 1 أيلول/سبتمبر، انتشرت الشرطة التركية لقمع الاحتجاجات مرة أخرى، ومنذ ذلك الحين، واصلت الحكومة حملة القمع الأسبوعية بأساليب مروعة.
كانت “حالات الاختفاء” في الثمانينيات والتسعينيات من أكثر الحوادث التركية المروعة، إذ جرى اختطاف الكثير من الناس وقتلهم آنذاك. والأمر لم يقتصر على الصحفيين والكتاب، بل المدنيين كذلك، بمن فيهم النشطاء والسياسيين ورجال الأعمال والأكاديميين.
وحتى يومنا هذا، لا يزال العدد الدقيق للضحايا مجهولًا، ولم يجر تقديم أي جان للعدالة في ظل حكومة إردوغان. الحكومة التركية الحالية لا تتسامح مع من يخوض أي حديث حول هذه القضية؛ فعلى سبيل المثال، حكمت محكمة الجنايات التركية على فاتح تاس، رئيس دار نشر “آرام”، بالسجن لمدة 6 شهور بتهمة “الإهانة العلنية لجمهورية تركيا”، بعد أن قام بتأليف كتاب “يقولون أنك اختفيت”. تحدث هذا الكاتب حول حالات اختفاء لصحفيين أتراك عام 1994 بعد اعتقالهم من قبل الشرطة التركية.
اقرأ أيضًا: مركز ستوكهولم للحريات يكشف بالأرقام: حرب إردوغان على دور النشر ووسائل الإعلام
وللأسف، لا يزال الصحفيون ونشطاء حقوق الإنسان في تركيا يُقتلون على يد “مهاجمين مجهولين”. في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، على سبيل المثال لا الحصر، تعرض المحامي التركي البارز في مجال حقوق الإنسان، طاهر إلجي، لهجوم بالرصاص خلال مؤتمر في وضح النهار، ما أدى إلى مقتله على الفور. وبعد مرور 3 سنوات على هذه الحادثة، ظل القتلة “مجهولي الهوية”، بينما منعت الشرطة التركية مؤخرًا المحامين في أنقرة من إقامة تجمع تذكاري تكريمًا له.
كما أن الصحفي “هارتن دينك”، المناصر لحقوق الأقليات، رئيس تحرير صحيفة “أغوس”، تعرض للقتل من قبل “مجهولين” بعد أن حكمت عليه محكمة تركية في وقت سابق بالسجن بتهمة “تشويه سمعة البلاد”. جرى قتل هذا الصحفي بالرصاص أمام مقرات الصحيفة المذكورة، ولا تزال المحاكم التركية دون تحرك يذكر، برغم تورط رجال شرطة ومخابرات حسب العديد من التقارير.
كما جرى قتل مفكرين وأكاديميين في تركيا على يد “مجهولين” دون تدخل السلطات التركية، من بينهم البروفيسور “آشور يوسف” ناشر صحيفة “ماديونو دوثروي”، وكذلك “يشار حلمي” ناشر صحيفة “سيفورو”. ومن الملاحظ أن النظام التركي قضى على جميع الصحف والمجالات التابعة للأقليات في البلاد، وحافظ على وجود وسائل الإعلام الناطقة باللغة التركية والموالية لسياسات النظام فقط. من بين صحف الأقليات التركية المنقرضة حديثًا هي “أبويفماتيني”، و”فاتشيدروموس”، وكذلك “إيمبروس”.
لم تعترف الحكومة رسميًا بهكذا جرائم ضد العمل الصحفي، ولم تقدم حتى اعتذارًا أو تعويضًا عما حدث، بل استمر الجناة في الإفلات من العقاب حتى هذه اللحظة. وبحسب تقارير منظمة “منصة الصحافة المستقلة”، هنالك حاليًا أكثر من 170 صحفيًا قابعين في السجون التركية حتى اللحظة الراهنة. ومن المدهش حقًا أن الحكومة التركية عملت على طرد بعض الصحفيين المعارضين إلى قبرص، وهو ما لم تفعله دول أخرى.
اقرأ أيضًا: منظمة حقوقية: تركيا “أكبر سجان” للصحفيين في العالم للسنة الثالثة على التوالي
الخلاصة
إن تعبير إردوغان العلني عن “غضبه” إزاء مقتل خاشقجي ليس إلا نفاقًا يهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية، أهمها تشتيت الانتباه عن جرائم نظامه ضد الصحفيين الأتراك، واستهداف المملكة العربية السعودية على المستويين الإقليمي والدولي. هذا “الغضب” مزور تمامًا، ولا ينبع من مبدأ الدفاع عن حقوق الإنسان على الإطلاق. لقد حان الوقت لأن يتوقف الإعلام الغربي عن الاعتماد على المسؤولين الأتراك كمصادر للمعلومات الموثوقة حول قضية خاشقجي، ولا بد من تسليط الضوء على الاضطهاد المستمر الممارس الضد الصحفيين الأتراك.
المصدر: مركز أبحاث “غيت ستون إنستيتوت” الأمريكي
حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا