الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
مركز أبحاث أمريكي: السياسة التركية ستؤدي إلى عودة “العداء والفتنة” بين العرب والأتراك
ما دور الإعلام الموالي لجماعة الإخوان المسلمين في ذلك؟

ترجمة كيو بوست –
حذر مركز أبحاث “ميدل إيست إنستيتوت” الأمريكي، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، من أن سياسة الرئيس التركي إردوغان في “تقمص دور زعيم الأمة الإسلامية” يؤدي إلى زرع بذور العداوة والخصومة بين العرب والأتراك، التي برزت خلال العهد العثماني. وأكد باحثو المركز أن “الخطاب التركي لم يعد يستند إلى القوة الناعمة، بل إلى القوة الصعبة القائمة على استعراض العضلات العسكرية”.
وبحسب التقرير، من الملاحظ أن المناهج التركية التعليمية، على عكس التصريحات التركية الدبلوماسية، تصور العرب بـ”الخونة الذين طعنوا الأتراك في الظهر خلال الحرب الأولى، وتحالفوا مع البريطانيين ضد الإمبراطورية العثمانية”.
اقرأ أيضًا: تقرير دولي: تركيا دولة ترعى الإرهاب من أجل استعادة الخلافة العثمانية
ويرى المركز الأمريكي أن تركيا تستعرض اليوم عضلاتها العسكرية في بلدان عدة في الشرق الأوسط وإفريقيا، مثل سوريا والعراق، وعبر أراضي عربية مثل قطر والكويت والصومال، وغيرها من بلدان المنطقة، من أجل هدف إستراتيجي وحيد، هو قيادة المنطقة، والعالمين العربي والإسلامي.
ووفقًا للباحثين، يتضح هذا التوجه التركي عبر إدراك حقيقة اكتمال دورة كاملة “من القوة الصعبة، ثم إلى القوة الناعمة، ثم رجوعًا إلى القوة الصعبة مرة أخرى”، انتهجتها السياسة الخارجية التركية منذ سنوات. ففي التسعينيات، اعتمدت السياسة التركية الإقليمية على النهج العسكري مع قليل من الدبلوماسية، إذ أطلقت القوات التركية أكبر العمليات العسكرية شمالي العراق، واقتربت من مواجهات عسكرية مع اليونان، وسوريا، وقبرص، وإيران. وبعد عام 2002، ركز الأتراك على “القوة الناعمة”، واعتمدوا على الدبلوماسية والتجارة والشراكة الثقافية. لكن بعد عام 2010، عاد النظام التركي إلى النهج العسكري كأداة لإظهار القوة التركية من أجل “قيادة العالم الإسلامي من جديد”.
“إمبراطورية عظيمة”
ويرى خبراء أن إردوغان شرع بالفعل في مهمة لجعل الإمبراطورية العثمانية “عظيمة” مرة أخرى؛ عبر “تركيا جديدة” تحت قيادة حزب العدالة والتنمية، قادرة على أن تصبح “قوة إقليمية عظمى” تقود العالم الإسلامي. ولم يقتصر حزب العدالة والتنمية في استعراض عضلات عسكرية في بلدان شرق أوسطية، بل عمل على غلغلة المسلسلات التركية على شاشات التلفزة العربية، وبذل جهودًا من أجل جذب السياح العرب نحو أنقرة، كل ذلك في إطار خطة محكمة لتصوير “الدولة العثمانية” على رأس الهياكل السياسية الإقليمية.
والأهم من ذلك، استغل الأتراك صعود حركات الإسلام السياسي في أعقاب الاحتجاجات العربية عام 2011، عبر تعميق العلاقات ما بين حزب العدالة والتنمية والإسلامويين العرب في جميع أنحاء الشرق الأوسط. لقد أصبحت تركيا وجهة شعبية للإسلامويين، خصوصًا جماعة الإخوان المسلمين، وباتوا ينظمون فيها مؤتمرات دولية تدير مناقشات حول مستقبل الإسلام السياسي في قيادة العالم العربي.
وهذا ما حث تركيا على الترحيب بـ”الانتفاضات العربية” التي منحت الإخوان المسلمين والفروع التابعة لها فرصًا للعب أدوار رئيسة في مصر وتونس وليبيا. ولم يخف النظام التركي الحاكم عبر تصريحاته المتكررة الرغبة في صعود الإسلامويين إلى مراكز السلطة في البلدان العربية. في الحقيقة، لم تكترث تركيا إزاء تحول الاحتجاجات السلمية في الشوارع إلى حروب أهلية في اليمن وليبيا وسوريا، بل واصلت دعم شبكة الإخوان المسلمين الإقليمية برغم حظرها من دول عربية عظمى، وهو ما زاد الطين بلة بكل تأكيد.
اقرأ أيضًا: هذه هي “أمجاد” الدولة العثمانية التي يريد أردوغان استعادتها!
“استبدادي شعبوي”
لقد أدرك العرب خطورة “الشعار” التركي الذي صدّره حزب العدالة والتنمية كنموذج إلى بقية أنحاء المنطقة، وعرفوا كيف انتقلت تركيا من “ديمقراطية مسلمة” إلى حكم استبدادي شعبوي. واليوم، أصبح استعراض العضلات العسكرية هو النهج الوحيد القابل للتطبيق من أجل إبراز القوة التركية في الشرق الأوسط في نظر الرئيس إردوغان، إذ شنت السلطات التركية عمليات عسكرية في سوريا والعراق، وأقامت قواعد عسكرية في قطر والصومال، ووقعت اتفاقات عسكرية مع الكويت، فضلًا عن استخدام منابر المساجد الممولة من أنقرة من أجل نشر عقيدة إردوغان العثمانية.
لم تعد القوة الناعمة سياسة تركية بعد اليوم، بل انتهجت أنقرة سياسة إقليمية عسكرية مهددة لنسيج المجتمعات الإسلامية. لقد أدت هذه السياسة إلى عودة التحيز والعداء بين الأتراك والعرب بعد أن تلاشت منذ عشرات السنين.
وعلى غرار مركز الأبحاث الأمريكي، رأى مركز ستوكهولم للحريات، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، أن “الرئيس إردوغان أطلق العنان لحلم الخلافة التركية عام 2023، عبر مؤتمرٍ جمع قيادات إسلاموية بعيدًا عن الأضواء، أكد فيه المجتمعون على قيادة إردوغان للعالم الإسلامي ككل”. وقد نشر المركز السويدي قائمة بتصريحات رسمية تركية، جميعها تؤكد على “تقمص إردوغان لشخص زعيم الأمة الإسلامية”.
كما قالت مجلة “إنترناشونال بوليسي ديجست” الدولية، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، إن “إردوغان وجد في قضية الصحفي جمال خاشقجي فرصة مواتية لاستئناف مشروعه في استعادة الإمبراطورية العثمانية من جهة، وإبعاد الرياض عن قيادة العالم الإسلامي باعتبارها حاضنة المقدسات الإسلامية من جهة أخرى”.
حملات إعلامية موجهة
من الملاحظ أن الصحافة التركية، والمنافذ الإعلامية الموالية لأيديولوجية الإخوان المسلمين، منها القطرية، شرعت في الآونة الأخيرة باستخدام تقنيات التلاعب الإعلامي الموجه، مثل “المغالطة” و”البروباغاندا”، اللتين تنطويان على إخفاء معلومات أو وجهات نظر أثناء الحديث عن قضية تخص تركيا أو حتى المملكة العربية السعودية. كما تضمنت حملات التأثير الإعلامية إلصاق عبارات رنانة مثل “قيادة العالم الإسلامي” و”زعامة الدول الإسلامية” بالرئاسة التركية، بغرض التأثير على آراء المتلقين عبر ما يعرف بتقنية “التلاعب النفسي”.
ومن الجدير ذكره أن تضليلًا إعلاميًا كهذا تزامن مع حدوث تغيير جذري في الخطاب السياسي التركي، الذي بات يربط ما بين شخصية إردوغان وزعامة الأمة الإسلامية عبر تصريحات المتحدثين الرسميين.
في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، نشرت صحيفة “ذي بينينسيولا” القطرية الصادرة بالإنجليزية مقالة تحت عنوان: “تركيا وقطر تنشران مفهوم الإسلام الحقيقي”، في إشارة إلى أن “الإسلام الصحيح” ينبع حصرًا من الأراضي التركية والقطرية. وقد جاء في نص المقالة أن “رئيس الشؤون الدينية التركي علي إيرباس يؤكد على أن تركيا وقطر عازمتان على نشر المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامي على مستوى العالم”. ومع ذلك، يمكن القول إن خطابًا إعلاميًا كهذا لا يمكن أن ينطلي على أبسط البسطاء من المتلقين.
اقرأ أيضًا: تقرير أمريكي يكشف خطط “داعش” لإعادة التمويل، وتركيا الوجهة
أما تلفزيون هابرلر (haberler) التركي الحكومي، فقد أفرد، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، تقريرًا تحت عنوان: “إردوغان يمثل صوت ضمير العالم الإسلامي”. كما شاركت العنوان ذاته صحيفة “يني شفق” التركية، وقالت فيه إن “الرئيس التركي هو حامي المسلمين من فلسطين إلى ميانمار”. ومن اللافت للانتباه أن الرئيس إردوغان ذاته يستخدم خطابًا إعلاميًا يوحي بقيادته المزعومة للعالم الإسلامي، إذ قالت صحيفة “حريت” التركية، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني، إن “الرئيس التركي يحث الدول الإسلامية على استخدام عملاتها المحلية بدلًا من الأجنبية”. أما تلفزيون TRT التركي، فقد نشر تقريرًا، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، تحت عنوان “الرئيس التركي يدعو إلى الوحدة الإسلامية”، نقل فيه تصريحات إردوغان وربطها بقضية فلسطين. كما نشرت صحيفة “ديلي صباح” التركية، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، مقالة أسهبت فيها بالحديث عن “إصرار إردوغان على وحدة الأمة الإسلامية في مواجهة المطامع الغربية”. كما زعمت مجلة “ذي نيو تركي“، في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، أن “إردوغان غير قواعد اللعبة باتجاه توحيد الأمة الإسلامية”.
وأخيرًا، شاركت منافذ إعلامية دولية معروفة بموالاتها لأيديولوجية الإخوان المسلمين زوايا الحملة الإعلامية التي تصور إردوغان كقائد للعالم الإسلامي. ففي 30 نوفمبر/تشرين الثاني، أفرد موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تقريرًا تحت عنوان: “تركيا تقود الشرق الأوسط عبر صناعة الطعام الحلال”، وقالت فيه إن “أنقرة استطاعت أن تضع نفسها في مركز قيادة الشرق الأوسط عبر الطعام الحلال، إلى جانب العسكر والسياسة”. بينما نشرت مجلة “ميدل إيست مونيتور” البريطانية، التي يديرها عناصر من الإخوان، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني، مقالة تحت عنوان “إردوغان سيمنع المحتل من إطفاء أضواء القدس”، اعتبرت فيه الرئيس التركي بطلًا إسلاميًا “يدافع عن حقوق المسلمين”. بينما زعمت مجلة “أستوت نيوز” الموالية لتركيا، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني، أن “إردوغان أصبح زعيم العالم الإسلامي”.
حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا