الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون عربيةصحة
مرضى السرطان في اليمن.. دعوة لمساواة عالمية
يعاني مرضى السرطان في اليمن ضعف جودة خدمات الرعاية الصحية وتناقص الأدوية المجانية وغير المجانية

كيوبوست- منير بن وبر
يصادفُ اليومَ العالميَّ للسرطان، الذي يُحتفى به في شهر فبراير من كل عام، تناقصٌ حاد في الأدوية اللازمة للعلاج في اليمن، في بلد يعاني أساساً ضعفَ قطاع الرعاية الصحية؛ بسبب النزاع.
يعاني قطاع الرعاية الصحية في اليمن تدهوراً حاداً، جنباً إلى جنب مع تناقص مستمر في تمويل برامج حالات الطوارئ الصحية والمساعدات والإغاثة. تُعد مراكز علاج الأورام السرطانية في اليمن؛ مثل المركز الوطني للأورام، إحدى المنشآت المتأثرة بظروف النزاع ونقص التمويل. في اليمن، بشكل عام، يعمل نحو 56 في المئة فقط من المراكز الصحية بطاقتها الكاملة.
اقرأ أيضاً: تراجع عالمي في لقاحات الكوليرا.. هل تعود الكارثة إلى اليمن؟
يتم تنظيم اليوم العالمي للسرطان من قِبل الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان، والذي يؤمن أن تشخيص السرطان وعلاجه ورعايته يجب أن تكون عادلةً للجميع، بغض النظر عن المكان الذي يعيش فيه الإنسان أو دخله أو عرقه أو جنسه. ومع ذلك، وفقاً للأمم المتحدة، فإن رعاية المرضى بالسرطان “تعكس عدم المساواة في العالم”؛ حيث إن العلاج الشامل للسرطان متاح في أكثر من 90 في المئة من البلدان ذات الدخل المرتفع، في مقابل أقل من 15 في المئة في البلدان ذات الدخل المنخفض. وبالتالي، هناك حاجة عالمية لسد فجوة عدم المساواة تلك.
معاناة مرضى السرطان في اليمن
يعاني مرضى السرطان في اليمن عموماً ضعفَ جودة خدمات الرعاية الصحية، وتناقصَ الأدوية المجانية وغير المجانية. ومع المزيد من التراجع الاقتصادي وتعذر السفر إلى الخارج للعلاج، باتت أعداد المصابين الذين يحتاجون إلى الرعاية الصحية في الداخل تتزايد يوماً بعد آخر.
وفقاً لتقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2020، فإن عدد المصابين بالسرطان في اليمن نحو 35 ألفاً، مع المزيد من الحالات سنوياً. في تصريح حديث لنائب مدير المركز الوطني للأورام بصنعاء، قال علي المنصور لوكالة الأنباء البريطانية “رويترز”: إن المركز يستقبل ما بين 6000 و6500 مريض جديد بالسرطان كل عام منذ عام 2015؛ زيادة بنحو 2000 إلى 2500 مريض مقارنةً بعام 2014. وحسب المنصور، فإن المركز لا يتوفر لديه سوى نحو 50 في المئة من الأدوية المهمة المطلوبة لمرضى السرطان.

وفي حين أن سكان المدن، كصنعاء، لا يزال بإمكانهم الذهاب إلى مراكز الرعاية الصحية على الرغم من ضعفها؛ فإن سكان الأرياف ومجتمعات النزوح لا تتوفر لديهم أية فرصة للقيام بذلك، فضلاً عن عدم وجود إمكانات ملائمة أساساً للرعاية الصحية. في مأرب مثلاً؛ حيث توجد أكبر مجتمعات النزوح في البلاد، يتوقف العديد من مرضى السرطان عن تلقي العلاج بسبب الصعوبات الاقتصادية أو العنف أو تدهور الخدمات الصحية. في مثل تلك المجتمعات يصبح تقديم الرعاية الصحية الأساسية غاية في الصعوبة، فضلاً عن الرعاية الصحية المتقدمة؛ مثل تلك المطلوبة لمرضى السرطان.
قطاع صحي متدهور
يعاني قطاع الخدمات الصحية في اليمن ضعفاً شديداً حتى منذ ما قبل النزاع، إلا أن الأزمة المستمرة في البلاد منذ أكثر من عقد أدت إلى تفاقم الضعف، ومعه معاناة ملايين السكان الذين يُرثى لهم.
تشير التقديرات إلى أن أكثر من 20 مليون يمني يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى الخدمات الصحية الحيوية، وهم بحاجة ماسة إلى المساعدة الصحية. وفقاً للإحصاءات، فإن 40 في المئة من المؤسسات الصحية تعمل بشكل جزئي فقط، و5 في المئة لا تعمل على الإطلاق. وبشكل عام، فإن 18 في المئة فقط من الخدمات المطلوبة متوفرة بشكل كامل، في حين أن 42 في المئة منها غير متوفرة عادةً.
اقرأ أيضاً: اليمن.. الأولى في قائمة أسوأ الدول المتضررة من النزاع بالنسبة إلى الأطفال
خدمات الطوارئ في اليمن ضعيفة جداً. على سبيل المثال، تتسبب الإصابات بـ 60 في المائة من الوفيات بين الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و14 عاماً. يؤدي عدم توافر خدمات طوارئ للتعامل مع الحالات قبل دخول المستشفى دوراً بارزاً في تفاقم هذه النسبة؛ حيث لا يوجد مثلاً رقماً هاتفياً موحداً لطلب خدمات الطوارئ المتاحة طوال اليوم في جميع أنحاء البلاد، باستثناء عدن مؤخراً، وبدعم من الاتحاد الأوروبي.
بسبب عدم توافر ما يكفي من سيارات الإسعاف، أو إمكانية طلبها؛ فإنه غالباً ما يتم نقل مَن يتعرض إلى حالة طارئة -كالإصابة- بوسائل النقل العادية بواسطة مَن هم حوله. ولأن أغلب سكان اليمن يعيشون في الريف؛ فإن المسافات المتباعدة والطرق السيئة يمكن أن تفاقم من معاناة المُصاب وخطر الإصابة. في كثير من الأحيان، يموت المصابون أثناء نقلهم.
علاوة على كل ذلك، تشير التقديرات أيضاً إلى أن نحو 9 في المئة من المؤسسات الصحية و12 في المئة من المعدات؛ دُمرت بشكل جزئي. أسهمت كل تلك العوامل في تدهور الوضع الصحي والإنساني في البلاد عموماً؛ مما أدى إلى تفشي أمراض مثل “كوفيد 19” والكوليرا والدفتيريا وحمى الضنك والملاريا.
دعوة للمساواة
في فبراير 2022، اتخذت الأمم المتحدة عبارة “سد فجوة الرعاية” شعاراً لها في اليوم العالمي للسرطان؛ وذلك ضمن جهود المنظمة لاستهداف الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، والتي تعاني أكثر من غيرها عدمَ القدرة على رعاية مرضى السرطان. وفقاً لمارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، فإن رعاية المرضى بالسرطان تعكس عدم المساواة في العالم.

غالباً ما تكون الدول الفقيرة غير قادرة على توفير حتى أبسط مستوى من رعاية مرضى السرطان لمواطنيها. تشمل أسباب الافتقار ارتفاعَ تكاليف علاج السرطان، كما أن علاجات السرطان غالباً ما تحتاج إلى معدات متخصصة وموظفين مدربين؛ وهو أمر يصعب الحصول عليه في البلدان الفقيرة. بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد لدى العديد من البلدان الفقيرة، أو التي تواجه نزاعاً، بنية تحتية كافية للرعاية الصحية؛ حيث تعاني هذه البلدان عموماً نقصَ المستشفيات والعيادات والموظفين المدربين والموارد.
نتيجة لكل ذلك، من المتوقع أن تتحمل الدول، منخفضة ومتوسطة الدخل، 70 في المئة من الوفيات الناجمة عن الإصابة بمرض السرطان بحلول عام 2040. وفي حين أن منظمات مثل الاتحاد الدولي لمكافحة السرطان تستهدف دعم تيسير وصول الجميع -بشكل عادل- إلى تشخيص السرطان وعلاجه ورعايته، إلا أنه لم يتمكن من الوصول بعد إلى العديد من الدول الفقيرة؛ ومنها اليمن.
اقرأ أيضاً: زواج الأطفال في اليمن… معضلة الدِين والقانون والحرب
عندما تكون دولة ما في حالة نزاع، مثل اليمن، فإن الأولوية غالباً ما تُعطى للرعاية الصحية الأولية التي يمكن تقديمها لأغلب السكان. غالباً، في الدول المتأثرة بنزاع مسلح، تعمل المنظمات؛ مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، على المساعدة في توفير الرعاية التلطيفية في المستشفيات، مثل توفير المسكنات القوية التي تجنِّب المرضى معاناة لا تُطاق. لكن، سيبقى اتخاذ معالجات أكثر جوهرية مثل العلاج أو الوقاية مسألة خارج القدرات، وليس في قائمة الأولويات بشكل غير مؤسف وغير عادل؛ لذلك هناك حاجة ماسة إلى مزيد من التضافر الدولي لتجنيب ملايين البشر الضعفاء حول العالم ويلات مرض يمكن الشفاء منه في كثير من الأحيان.