الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

مراسل “التايم” يروي مشاهداته عن مظاهرات إيران: دور خفي لعبه الإيرانيون العاديون في الاحتجاجات

يبدو أن شوارع المدن الكبرى قد تم ترويضها إلى حد ما. ومع ذلك، حتى مع انخفاض عدد المتظاهرين، تستمر الطبقة الرمادية في الظهور لتوفر الغطاء للمتظاهرين الشباب.

كيوبوست- ترجمات

كاي أرمين سيرجوي

في هذا التقرير؛ يروي كاي أرمين سيرجوي، مراسل “التايم” في إيران، والذي غطى أخبار وطنه لعقدَين من الزمان، ما رآه خلال الانتفاضة التي استمرت من أكتوبر حتى الأيام الباردة في ديسمبر 2022؛ حيث لم يتمكن النظام من استعادة السيطرة على الشوارع إلا في يناير 2023. كان سيرجوي قد مُنع من العمل كمراسل أثناء الانتفاضة، وكتب مشاهداته عقب عودته إلى أوروبا في العام الجديد.

“الطبقة الرمادية” تساعد النشطاء على طريقتها

يروي سيرجوي أنه في إحدى ليالي أكتوبر، حُشد ما لا يقل عن 600 من قوات الأمن على امتداد ميلين في شارع طهرانبارس الذي كان محور الاحتجاجات لأسابيع، في مواجهة النشطاء؛ وكلهم من الشباب. وبصرف النظر عن الجانبَين، تنتشر مجموعة أكبر تتكون من “بحر” لا ينتهي تقريباً من العائلات الشابة والأزواج المسنين والمارة؛ بعضهم يسير في الشارع، والبعض يجلس في سياراته دون ترديد أي شعارات، ولا يحتجون على أي شيء، لكنهم يتحدون الغاز المسيل للدموع، ويتصرفون بعفوية وكأنهم في نزهة في الشوارع، لكنهم في واقع الأمر يوفرون غطاء للمتظاهرين ليختفوا بينهم أو يقفزوا في السيارات، أو في المتاجر؛ للهروب من قوات الأمن.

متظاهرون يتجمعون في شوارع طهران ضد مقتل مهسا أميني في 21 سبتمبر 2022- (AP)

بعد ذلك، يملأ هذا “البحر اليقظ” المتشكل من الغالبية الصامتة المعروفة في إيران باسم “الطبقة الرمادية”، المساحة التي أخلاها المحتجون الفارون، كما لو لم يكن هناك أي شيء على الإطلاق؛ بل إنهم حال وجدوا قوات الأمن تحكم القبضة على بعض المتظاهرين، يبدؤون في الصياح “دعهم يذهبون”، وتتوقف سياراتهم ويبدؤون في إطلاق أبواقها دون توقف، لإعطاء المتظاهرين الوقت الكافي للهروب.

 عندما يحدث ذلك، تبدأ حركة المرور في التحرك، ويستأنف المارة الحركة. استمر هذا الأمر لساعات، حتى انحسرت قوات الباسيج.

حركات مقاومة ذات فاعلية.. ولو محدودة

في الماضي، ساعدت الانقسامات في المجتمع الإيراني؛ سواء الطبقية والعرقية، النظامَ على إحكام قبضته على الدولة؛ فقد لعب على وتر القومية وإذكاء المخاوف من أن طموح أكراد الغرب، أو البلوش في الجنوب الشرقي، يمكن أن يقود إلى نزعة انفصالية. لكن، يبدو أن النظام فشل في استخدام هذه “الفزاعة” خلال هذه الاحتجاجات. ففي زاهدان، عاصمة إقليم بلوشستان، هتف المتظاهرون: “من زاهدان إلى كردستان، سأضحي بحياتي من أجل إيران”.

من جانب آخر، تظهر بهدوء دعوات لمقاطعة المنتجات المرتبطة بالحكومة؛ منها على سبيل المثال منتجات الألبان من مصنع ميهان، ففي محل بقالة بالعاصمة، يتحدث مالك البقالية وابنه دوما، مع الزبائن حول حركة المرور والرياضة وهواء طهران الملوث، دون التطرق إلى السياسة. ومع ذلك، فجأة، لم يعد هؤلاء يبيعون منتجات مصنع ميهان، فلماذا؟ أجاب الابن: “لقد أعدناها بعد انقضاء تاريخ الصلاحية.. عملاؤنا لا يشترون منتجات من هذا المصنع.”

كل ليلة في الساعة التاسعة مساءً، بعد وفاة مهسا أميني، تبدأ الصيحات والهتافات من أسطح المنازل والشرفات ونوافذ الغرف المظلمة، يتجمع رجال ونساء وأطفال في بعض الأحيان ويهتفون: “امرأة، حياة، حرية.. الموت للجمهورية الإسلامية.. سيقود الفقر والفساد والأسعار المرتفعة إلى الانقلاب”.. وأحياناً يستمر الهتاف لمدة ساعة.

إيرانيون يحتجون على وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً بعد أن احتجزتها شرطة الآداب في طهران 1 أكتوبر 2022 – AP

جيل فاقد للأمل

في أحد أحياء الطبقة الوسطى بطهران، يسأل رجل مخضرم جاره الشاب البالغ من العمر 19 عاماً، عن سبب تعريض حياته للخطر كل ليلة من خلال ترديد الهتافات في الشارع وكتابة الشعارات على الجدران.. يُجيب الشاب: “منذ أن ولدنا، رأينا النظام يمتص فرصنا في الحياة؛ مع التضخم والفساد والقيود على الحريات الاجتماعية والشخصية.. إذا كانت حياتي على المحك لصعوبة الحياة ذاتها؛ فالأفضل أن تنتهي سريعا.”ً

لم يعرف جيله الأمل قط.. لقد وُجِهوا بنظام استبدادي قاس، ومصاعب العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب بسبب الطموحات النووية لذلك النظام. ولكي يوفر الشباب من الأجر الذي يتقاضونه مع الحد الأدنى للأجور، سيحتاج الشاب إلى ما يقرب من أربع سنوات لشراء أرخص سيارة في إيران، و44 عاماً للحصول على شقة.

يواسي الجار في منتصف العمر الشابَّ، سبق وشارك الرجل في الاحتجاجات على مر السنين. لكن على الرغم من أن الانتفاضة الحالية قد وصلت إلى كل ركن من أركان إيران، كما يقول؛ فإنها انتفاضات دون قادة وخطة، ومن ثمَّ هي “تمرد بلا هدف سينتهي بإراقة دماء”.

يضيف الرجل: “يقولون إنني جزء من الطبقة الرمادية، ولست داعماً للتمرد؛ لكن الأمر ليس بهذه البساطة.. المنزل الذي أعيش فيه ليس ملكي، وأحتاج إلى استبدال سيارتي منذ سنوات، وأعمل منذ أكثر من 20 عاماً.. ومع ذلك لا يمكنني سوى توفير احتياجاتي الأساسية، وأنا قلق، إذا حدث لي شيء ما لو شاركت في أي احتجاجات؛ فمَن سيطعم أُسرتي؟.. لقد رأيت الكثير من القسوة من هذا النظام، وشيء واحد أعرفه: نظام الجمهورية الإسلامية لن يحزم أمتعته ويغادر مثلما فعل الشاه عام 1979. ليس لديهم مكان يذهبون إليه.. سوف تغرق الشوارع بالدم قبل أن نتخلص منه.. لا أريد المخاطرة بمعيشة عائلتي دون جدوى، ولا أريد أن يبيع هؤلاء الشباب حياتهم بسعر رخيص”.

بعد عدة ليال، خرج الشاب ليكتب شعارات على الجدران ولم يعد للمنزل.. بحثت أُسرته في السجون ومراكز الشرطة والمستشفيات والمشارح من دون جدوى.. انضم الجار إلى جموع الليل وهم يهتفون بالشعارات. وقال بحزن: “عندما يحين الوقت.. سأنتقم للشاب”.

النظام قاس جداً؛ حصيلة القتلى التي جمعتها منظمات حقوق الإنسان حتى منتصف ديسمبر وصلت إلى 506، مع عدد لا يحصى من الشبان الذين أُصيبوا بجروح خطيرة، وأُصيب عدد لا يحصى من الشباب بالرصاص في الوجه أو الأعضاء التناسلية. ومع ذلك تنشر الشابات اللاتي فقدن عيناً من رصاص الخرطوش مظهرهن الجديد بفخر على “إنستغرام”. وعلى الرغم من أنه سيتم إطلاق سراح أكثر من 30000 شخص تم اعتقالهم في نهاية المطاف؛ فإنهم سيعودون إلى منازلهم محملين للأسف بقصص التعذيب والضرب والمعاملة القاسية، لدرجة أن العديد منهم ينتحرون بعد إطلاق سراحهم.

يبدو أن شوارع المدن الكبرى قد تم ترويضها إلى حد ما، ومع ذلك، حتى مع انخفاض عدد المتظاهرين؛ تستمر الطبقة الرمادية في الظهور لتوفر لهم الغطاء. ولا يزال أصحاب المتاجر الذين قاموا في السنوات السابقة بإغلاق محلاتهم وقت الاضطرابات، يبقونها هذه المرة لمساعدة الشباب.

يقول متظاهر: “كان لدينا آمال كبيرة من النشطاء وجماعات المعارضة في المنفى.. اعتقدنا مثل أوكرانيا أنهم سيكونون قادرين على الدعم والمساعدة وتشكيل لجنة للتنسيق لتنظيم الاحتجاجات، والتوصل إلى خطة حول كيفية المضي قدماً.. لكنَّ المنفيين يقضون وقتهم في الجدال حول اسم ومعايير الثورة التي لم يفعلوا شيئاً من أجلها.. ومع ذلك، كل ليلة في التاسعة، النوافذ لا تزال مفتوحة. وتبدأ الهتافات”.

زوجان يجلسان في وجهة ذات مناظر خلابة مطلة على طهران- AP

قالت متظاهرة أخرى، وهي طالبة آداب في أوائل العشرينيات من عمرها: “لم ينتهِ الأمر.. النار تحت الرماد”. وتضيف: “في البداية كنا نجتمع في الحرم الجامعي ونبدأ من هناك؛ ولكن تدريجياً مع كل الضغوط والعنف والاعتقالات، وحظر الإنترنت بشكل لم يسبق له مثيل، وإغلاق الحرم الجامعي؛ لم نعد قادرين على التنسيق.. سوف نستمر، ربما يتعين علينا تغيير التكتيكات والتكيف مع الموقف الذي نحن فيه؛ لكننا لن نتوقف. سنستمر في تأجيج جمر هذه النار حتى يوم ما، وبطريقة ما، يمكننا إعادة الجماهير إلى الشوارع، ودفع الطبقة الرمادية إلى المشاركة الكاملة؛ بما يقود إلى إسقاط النظام”.

مراسل “التايم” في إيران

المصدر: التايم

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة