
كيوبوست– ترجمات
يرى كثير من الأمريكيين أن أحد أسباب مأساة المتحولين جنسياً هو سلوك حكام الولايات وأعضاء المجالس التشريعية في وصم هؤلاء الأفراد -وهم أكثر أفراد المجتمع تعرضاً للاضطهاد- في حملاتهم الانتخابية؛ طمعاً في الحصول على مزيد من الأصوات. كما أنه ليس من عمل الحكومة أن تخبر البالغين بكيفية العيش واللباس أو الضمائر التي يستخدمونها في الإشارة إليهم، أو ما يجب عليهم فعله في أجسادهم. ومع ذلك، يبدو أن الكارثة الأولى تنتج من الثانية.
قام الأطباء على جانبَي الأطلسي بدراسة وتقييم الأدلة على علاج الأطفال والمراهقين الذين يعانون اضطراباً جندرياً، أو الذين يشعرون بعدم الارتياح مع جنسهم البيولوجي. ووجدوا أن هذا العلاج يغير حياة الطفل وربما يؤدي إلى العقم الدائم. وبشكل عام هنالك إجماع في أمريكا على أن التدخل الطبي وتغيير الانتماء الجندري مفيدان ويجب أن يكونا متاحَين بشكل أوسع. بينما الرأي السائد في العديد من الدول الأوروبية هو أن هذه الأدلة ليست كافية، وأنه يجب إجراء هذه التدخلات بشكل مقنن، وأنه لا بد من إجراء المزيد من الدراسات بهذا الشأن.
والأوروبيون على حق. ارتفع عدد الأطفال والمراهقين في الولايات المتحدة الذين تم تشخيصهم بخلل في الهوية الجندرية. وتشير التقديرات إلى أنه يوجد أكثر من 42000 حالة تم تشخيصها في عام 2021، وهذا يمثل ثلاثة أضعاف العدد الذي تم تشخيصه في عام 2017. وتنص العناية بتعزيز الانتماء الجندري، كما تفهمها أمريكا، على تقديم المشورة وإعطاء عقاقير تمنع البلوغ وهرمونات عكسية (أي إعطاء التستوستيرون للفتيات، والأستروجين للأولاد). وفي بعض الأحيان قد تكون هنالك عمليات استئصال للثدي وبناء أعضاء تناسلية اصطناعية من أجزاء من جلد الشخص وأمعائه لغرض مواءمة جسم المريض مع الطريقة التي ينظر بها إلى نفسه. ويقول المؤيدون إن هذه الرعاية ضرورية بالنسبة إلى الأطفال المصابين بالاضطراب الجندري. ويرون أن عدم تقديمها قد يؤدي بهؤلاء إلى الرهاب الجنسي وربما الانتحار.
اقرأ أيضاً: المثليون ينشئون مجتمعات إلكترونية لمواجهة القمع الخارجي
ولكن المؤسسات الطبية في بريطانيا وفنلندا وفرنسا والنرويج والسويد تعارض هذه الرؤية، وتصف هذه العلاجات بأنها “تجريبية”، وتحث الأطباء على توخي المزيد من الحذر الطبي عند اتخاذ القرار بشأنها. وتعتبر أن التساهل في توفير هذه العناية سيؤدي إلى وضع تفوق فيه الأضرار الفوائد. وأكثر ما يثير مخاوف هذه المؤسسات هو أن الأطباء قد غيروا الضوابط المعتمدة في تصميم العلاج الأصلي الذي تم ابتكاره في الثمانينيات في هولندا. فقبل عشرين عاماً كان المرضى من الذكور من ذوي التاريخ الطويل في اضطراب الهوية الجندرية، وكان يتم استبعاد الأطفال والمراهقين قبل سن الرشد. أما في هذه الأيام فمعظم المرضى هم من الفتيات المراهقات اللاتي يمكن أن يكون اضطراب الهوية لديهن أمراً عرضياً. وبعضهن يعانين الاكتئاب أو القلق المرضي أو التوحد، ولكن هذه المشكلات لم تعد عصية على العلاج؛ فهل ستكون الاستجابة للأدوية أفضل من التدخل الجراحي لتغيير الجنس؟
لا يزال ذلك غير واضح؛ وذلك لأن الآلة السريرية للتدخل الجراحي في فئات أوسع من المراهقين لا تزال غامضة. وقد وجدت مراجعة بريطانية رسمية للأدلة السريرية أن جميع الدراسات في هذا المجال كانت ذات جودة متدنية، وتوصلت مراجعة أخرى في السويد إلى النتائج نفسها. كما أن دراسات سابقة تشير إلى أن معظم الأطفال سيتخلصون من مشاعرهم المزعجة بمرور الوقت إذا ما تركوا وشأنهم. كما أن التأثيرات بعيدة المدى لعمليات التحول لا تزال غير معروفة على الرغم من وجود مخاوف من تأثيرات سلبية لها على نمو وكثافة العظام.

عادة ما تضع الهيئات الطبية ضوابط وضمانات في بروتوكولات العلاج؛ لكن هذه الضوابط تختلف من بلد لآخر، وكثيراً ما يتجاهلها الأطباء الممارسون. ويحذر بعض المنتقدين من أنه كثيراً ما يتم إعطاء المراهقين عقاقير لتأخير البلوغ بعد إجراء تقييم سريع فقط. ويقول عدد كبير ممن خضعوا لعمليات تغيير الجنس وندموا بعد ذلك، إن هذه العمليات قد تركت لديهم ندوباً وعقماً وتشوهات لا رجعة فيها، وعبروا عن عدم رضاهم عن طريقة علاج اختلال هويتهم الجندرية. وتقر الهيئات الطبية في الولايات المتحدة بأن العلم المتعلق بهذا النوع من العلاج لا يرتقي إلى المستوى الطلوب من حيث الجودة؛ ولكنهم يصرون على أنه من واجبهم تخفيف معاناة المرضى النفسية، ويجادلون بأن كثيراً من المرضى يشعرون بالندم بعد إجراء عمليات تتنوع من جراحة الركبة إلى شفط الدهون. ولكن المشككين يخشون من أن بعض الفتيات المراهقات قد يقعن في براثن عدوى اجتماعية على سبيل المثال.
اقرأ أيضاً: صمت إخواني على مسيرات المثليين في تركيا: هل تدعم الجماعة ما يخالف الدين؟
لا يفترض أن تعمل العلوم الطبية بهذه الطريقة؛ بل يجب أن تكون العلاجات مدعومة بمجموعة كبيرة من الأدلة المدروسة جيداً والتي تقيم مخاطر التدخل وفوائده بشكل علمي صحيح. وتزداد المسؤولية عندما تكون العلاجات لا رجعة فيها، وعندما يتخذها مراهقون أو أولياء أمورهم القلقون.
ويرى البعض أن عدم اليقين المحيط بالتدخل الطبي في هذه الحالات هو مبرر كاف للحظر التام لهذا التدخل. وفي الواقع فإن نقص الأدلة يشوب كلا الطرفين، وربما عند اكتمال الدراسات المناسبة سيتم إثبات صحة وجهة نظر أحدهما. وبالتالي فإن السياسة الصحيحة على ما يبدو هي التي تتخذها هيئة الخدمات الصحية البريطانية ومعهد كارولينسكا السويدي، والتي تقول بتعزيز العلاج النفسي والامتناع عن إعطاء مؤخرات البلوغ والهرمونات المعاكسة للجنس إلا من خلال نظام شديد ومراقبة سريرية طويلة وجيدة الإدارة.
ومن الناحية المثالية، على الهيئات الناظمة الأمريكية أن تصر على إجراء المزيد من الدراسات، وإذا كانت الضغوط الثقافية تجعل هذا الحل الوسط بعيد المنال، فينبغي على الهيئات المهنية أن تعزز بروتوكولاتها الخاصة؛ من خلال الاستماع إلى المحذرين، وتطوير العلم من خلال دعوة المرضى إلى إجراء التجارب. وربما عليهم في بعض الأحيان الاحتجاج على القوانين غير الليبرالية. وقبل كل شيء، لا ينبغي لهم أن يضيفوا فصلاً جديداً على المأساة.
المصدر: الإيكونوميست