الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
محاكمة القرن تبدأ في فرنسا.. وأهالي الضحايا ينتظرون العدالة
محاكمة مرتكبي الهجمات التي خلفت 130 قتيلاً وعدة مئات من الجرحى ستستمر تسعة أشهر

كيوبوست
بعد ما يقرب من ست سنوات على الهجمات التي أودت بحياة 130 شخصاً وجرح مئات آخرين في العاصمة باريس وضاحيتها القريبة سانت دوني، بدأت محاكمة مرتكبي هجمات 13 نوفمبر 2015، في محكمة إيل دو لا سيتي (جزيرة صغيرة في نهر السين تتوسط العاصمة باريس)؛ حيث من المقرر أن تستمر المحاكمة لمدة تسعة أشهر، بعد ظُهر كل يوم من الثلاثاء إلى الجمعة.
تم بناء قاعة خصيصاً لهذه المحاكمة التاريخية، وتم الانتهاء من البناء بالكامل في غضون ثمانية عشر شهراً، ليشمل قاعة محكمة بسعة 550 مقعداً مجهزة بأحدث التقنيات السمعية والبصرية، فضلاً عن تجهيز الأماكن المخصصة للفريق القضائي، والمتهمين، وفرق الدفاع، وأهالي الضحايا.
اقرأ أيضا : حول هجوم داعش الإرهابي في نيوزيلاندا
بدء المحاكمة
وكما يحدث في المحاكمات التاريخية عادة، بدأت المحاكمة في جلستها الافتتاحية يوم الأربعاء 8 سبتمبر متأخرة بأكثر من ساعة؛ حيث تحولت قاعة المحكمة إلى ما هو أشبه بالمخيم، مع توافد العديد من أهالي الضحايا والصحفيين والخبراء القانونيين المهتمين بمتابعة الجلسات التي ستأخذ بدورها عدة ساعات خلال النهار، وسيتخللها الاستماع إلى عائلات 140 من أهالي الضحايا، فضلاً عن الاستماع إلى الشهود، وبطبيعة الحال المتورطين في تلك الهجمات.
خلال الجلسة الافتتاحية، أُدخل المتهمون الأربعة عشر إلى قفص الاتهام، كان من الصعب التعرف على ملامح بعضهم بسبب المسافة وانعكاس الزجاج، فضلاً عن الأقنعة الملزمين بوضعها في وقت انتشار جائحة كورونا؛ لكن يغيب عن هذا المحفل القضائي ستة متهمين؛ خمسة على الأرجح بمن فيهم الراعي الملهم لتلك الهجمات لقوا حتفهم في سوريا، وواحد منهم ما زال محتجزاً في تركيا.
أخيراً، تم قرع جرس البداية، ودخل رئيس المحكمة جان لوي بيرييه، وبدأ بفحص الحالة المدنية لكل متهم، حسب الترتيب الأبجدي. أول مَن وقف كان صلاح عبدالسلام، العضو الوحيد في الكوماندوز الإسلامي المكلف بالعملية، والذي لا يزال على قيد الحياة.

توجه الرئيس إلى عبدالسلام بسؤاله عن اسمه الكامل وعمره ومهنته، إلا أن هذا الأخير الذي كان يرتدي زياً أسود بالكامل، رفض الوقوف بداية، وقال: بادئ ذي بدء، أريد أن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
عاد الرئيس إلى سؤاله عن اسمه واسم والده ووالدته ومهنته، فرد عبدالسلام بالقول: “لا علاقة لاسمهم بهذا الموضوع. مستطرداً (بهدوء): لقد تركت مهنتي لأصبح مقاتلاً في (داعش)”. عبدالسلام هو الوحيد بين المتهمين الأربعة عشر مَن اعترف بعضويته في تنظيم الدولة الإسلامية منذ البداية، على عكس باقي المتهمين الذين تحدثوا بهدوء دون محاولة استفزاز الحاضرين.
اقرأ أيضاً: “لا توجد كابول إفريقية”.. فهل ستُنقل الحرب على الإرهاب إلى إفريقيا؟
ولد صلاح عبدالسلام، في 15 سبتمبر 1989، في بروكسل لأب احتفظ بجنسيته الفرنسية بعد استقلال الجزائر، ويعمل سائق ترام في العاصمة البلجيكية، وأم مغربية حاصلة على الجنسية فرنسية، وهو الرابع بين أشقائه الخمسة.
مثل الكثير من الشباب في حيِّه، كان عبدالسلام يذهب إلى المغرب في عطلته الصيفية؛ حيث تعيش عائلته في بلدة صغيرة بالقرب من جيب مليلية الإسباني. وبقية العام يقضيه في مولينبيك ضاحية بروكسل الشهيرة بوجود العديد من أبناء الجالية المسلمة.
لم يكن صلاح شاباً مواظباً على الدراسة؛ بل كان يفضل الشارع، وتم القبض عليه أكثر من مرة في عمليات سرقة وسطو قضى على إثرها عدة أشهر في السجن. وعلى الرغم من مزاجه العصبي، تمكن من الحصول على وظيفة في شركة النقل العام كوالده؛ لكنه اختار أن يصبح ميكانيكياً وليس سائقاً. ذكريات زملائه السابقين عنه إلى حد ما إيجابية؛ خصوصاً تلك الفتاة ياسمينة، والتي تصغره بسنتين، ووعدها بالزواج.

افتتح عبدالسلام قبل عامين من الهجمات حانة تسمى “Les Béguines”، بصحبة شقيقه إبراهيم، الذي توفي أثناء قيامه بتفجير سترته الناسفة بعد أن حاول التسلل فاشلاً إلى مدرجات ملعب فرنسا؛ حيث كانت هناك مباراة كرة قدم يحضرها الرئيس فرانسوا هولاند. كان الشابان يدمنان شرب البيرة؛ لكنهما أدمنا أموراً أخرى جعلت من تلك الحانة محل شك بالنسبة إلى سكان الحي؛ ما دفع رئيس البلدية لإغلاقها، قبل عشرة أيامٍ فقط من هجمات 13 نوفمبر.
خلال الجلسة حاول عبدالسلام التشويش على القاضي أكثر من مرة؛ خصوصاً عندما وجه إليه الكلام بالقول: عوملتُ مثل الكلب لأكثر من ست سنوات. لم أشتكِ قط لأنني أعلم أنه بعد الموت سنبعث في حياة أخرى، وستتم محاسبتكم. بدا الرئيس هادئاً جداً، وأجاب: “نحن لسنا في محكمة كنسية؛ ولكن في محكمة ديمقراطية، اجلس من فضلك”.
اقرأ أيضاً: إخواني سابق: الإسلاموية تطفلت على حياة الفرنسيين عبر خطاب الضحية
منذ اعتقاله في 18 مارس 2016، لم يتحدث صلاح عبدالسلام إلا بصعوبة. بناء على نصيحة مهدي نموش، جهادي آخر من بروكسل، تجاور معه في مركز الحبس الاحتياطي في بروج، كان عبدالسلام يخضع لنظام مراقبة استثنائي؛ حيث كان هناك ثمانية ضباط يتناوبون ليلاً ونهاراً على مراقبته. التكلفة الإجمالية لسجنه جعلته حديث الناس، فقد بلغت نحو 433 ألف يورو سنوياً، أو نحو 36 ألف يورو شهرياً؛ مما يجعله أغلى إرهابي محتجز في فرنسا.