الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
محافظ متشدد يتولى منصب رئيس إيران.. ماذا يعني ذلك لسياسة إيران الداخلية والخارجية؟

كيوبوست- ترجمات
د.نادر حبيبي♦
أعلن التليفزيون الإيراني انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً جديداً للبلاد بعد أن حصد 17.8 مليون صوت من أصل 28.6 مليون، في عملية تصويت، شهدت انخفاضاً في معدل المشاركة إلى أقل من 50%، وهو ما يمثل على الأرجح أدنى مستوى تاريخي.
وكان إبراهيم رئيسي؛ رئيس الجهاز القضائي الإيراني والحليف المقرب للمرشد الأعلى، على يقينٍ تام من تحقيق الفوز بعد أن تم استبعاد المرشحين الذين كان بوسعهم أن يشكلوا تحدياً حقيقياً له -بمَن فيهم ثلاثةُ إصلاحيين- ومنعهم من المشاركة في الانتخابات. وقد أثارت عمليات الاستبعاد غير المسبوقة تلك غضب مجموعات كبيرة من الناخبين الليبراليين والمعتدلين، وتعهد كثيرون منهم بمقاطعة الانتخابات.
اقرأ أيضاً: النظام يختار إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران.. وربما مرشداً مقبلاً
ولكن مَن هو إبراهيم رئيسي، وكيف ستغيِّر رئاسته سياسات إيران الداخلية والخارجية؟ وبصفتي خبيراً اقتصادياً ومراقباً عن كثب لإيران، أعتقد أنه يمكننا البدء في الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال استكشاف ماضيه؛ كالتالي:
مخلص من داخل النظام
رئيسي هو أحد المطلعين المخلصين من داخل النظام، له مسيرة طويلة في الجهاز القضائي الإيراني، والتي تعود إلى أكثر من أربعة عقود؛ حيث كان عمره 19 عاماً فقط عندما أطاحت الثورة الإسلامية بالشاه عام 1979. وباعتباره ناشطاً إسلامياً شاباً، فقد لفت انتباه العديد من كبار رجال الدين الثوريين؛ بمَن فيهم علي خامنئي، الذي أصبح المرشد الأعلى لإيران بعد عقد من الزمن.

وقد عُيِّن مدعياً عاماً لمدينة كرج -وهي مدينة صغيرة بالقرب من طهران- في سن العشرين، وسرعان ما ارتقى رئيسي إلى مناصب أكثر بروزاً. وفي عام 1989، عندما حلّ خامنئي محل روح الله الخميني كمرشد أعلى، تمت ترقية رئيسي إلى منصب رئيس الادعاء العام في طهران. وعكست هذه الترقية المستوى العالي من الثقة الذي كان يتمتع به لدى خامنئي. وأثناء خدمته في هذه المناصب، شارك رئيسي أيضاً في الدراسات الدينية تحت قيادة خامنئي وغيره من القادة الدينيين المؤثرين.
إعدام المنشقين ومحاربة الفساد
وخلال العقد الأول من حياته المهنية، أدان رئيسي عدداً كبيراً من المنشقين والمعارضين السياسيين للنظام الإسلامي وحكم على العديد منهم بالإعدام. وقد أدان منتقدو النظام وخصومه السياسيون دوره المباشر في عمليات الإعدام تلك؛ لا سيما العدد الكبير من السجناء السياسيين الذين أُعدموا في عام 1988.
اقرأ أيضاً: سعيد ناشيد: الإسلام السياسي يُكِن للدولة الوطنية عداءً غريزياً
وفي الفترة من عام 1994 إلى عام 2004، شغل رئيسي منصب رئيس مكتب المفتش العام الإيراني، المسؤول عن منع إساءة استخدام السلطة والفساد في المؤسسات الحكومية. وفي هذا المنصب، اشتهر كمحارب ضد الفساد الحكومي. وحتى عندما عُيِّن نائباً أول لرئيس المحكمة العليا عام 2004 وتمت ترقيته أخيراً إلى منصب رئيس المحكمة العليا في مارس 2019، واصل معركته ضد الفساد من خلال مقاضاة العديد من المسؤولين الحكوميين.

إلا أن منتقديه زعموا أن معركته ضد الفساد كانت مسيسة وانتقائية إلى حدٍّ كبير، وادعوا أنه استهدف أفراداً ينتمون إلى خصومه السياسيين. وقد ترشَّح رئيسي للرئاسة لأول مرة عام 2017؛ لكنه هُزم على يد الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، الذي بعد أن قضى ولايتين في الحكم أصبح غير مؤهل للترشح مرة أخرى.
وفي انتخابات هذا العام، يعتبر رئيسي المرشح المفضل للجناح اليميني المحافظ من النخبة الإسلامية الحاكمة، كما أنه يحظى بدعم آية الله خامنئي، الذي يتمتع بسلطةٍ مطلقة على فروع الحكومة كافة. كما أن خامنئي يُعيِّن بشكل مباشر نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور المكون من 12 عضواً، والذي يشرف على جميع الانتخابات السياسية، ولديه سلطة استبعاد المرشحين دون أي تفسير علني. وقد أيَّد خامنئي علناً قرارات الاستبعاد هذه ودافع عنها.
اقرأ أيضاً: 40 سنة على الثورة الإسلامية.. كيف يعيش الشعب الإيراني تحت حكم ولاية الفقيه؟
ولعل إحدى نقاط الضعف المؤسسية في النظام السياسي الإيراني منذ الثورة الإسلامية عام 1979 هي احتمالية حدوث توتر وخلاف بين الرؤساء المنتخبين والمرشد الأعلى. وهذا يعني، على عكس نظام الحكم الأمريكي، أن صلاحيات الرئيس الإيراني محدودة للغاية. فعلى سبيل المثال، قد يرغب الرئيس الإصلاحي في الانخراط بشكل أكبر مع الغرب أو البقاء بعيداً عن أي صراع خارجي؛ لكن يمكن للمرشد الأعلى أن يلغي ذلك أو أن يتجاهله ببساطة.

ومن المتوقع أن يدعم رئيسي، بصفته تلميذاً وحليفاً مقرباً للمرشد الأعلى، سياسات خامنئي في الداخل والخارج على حد سواء؛ وهو ما يعني المزيدَ من التنسيق بين مختلف أفرع الحكومة. ومع هيمنة مؤيدي خامنئي على البرلمان، فإن هذا يعني أيضاً أن المحافظين سوف يسيطرون على الأفرع الثلاثة للحكومة مرة أخرى بعد ثماني سنوات.
الاتفاق النووي والعقوبات
وهذا التوافق يعني أن رئيسي سوف يكون أكثر فعالية كرئيس؛ لأنه أياً كانت السياسات التي سوف ينتهجها فمن المرجح أنها ستحظى بدعم المرشد الأعلى. ولعل من المفارقات أن فوزه قد يمهد الطريق لموقف أكثر تنازلاً من جانب إيران في المفاوضات الجارية حالياً في فيينا لاستعادة الاتفاق النووي لعام 2015، والذي أخرجه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عن مساره في عام 2018.
اقرأ أيضاً: من تاريخي إلى “كارثي”.. قصة الاتفاق النووي مع إيران
والسبب وراء هذا التكهن غير التقليدي هو أن كلاً من الفصائل الإصلاحية والمحافظة في إيران تدرك تماماً أن الاتفاق النووي الجديد، والذي يمكن أن ينهي العقوبات الاقتصادية الشديدة المفروضة على البلاد، يحظى بشعبية كبيرة. وسيحصل الفريق الذي يوقع على الاتفاق على الفضل في إنهاء الضائقة الاقتصادية التي تعانيها البلاد حالياً.

فعلى سبيل المثال، تجاوز معدل التضخم 50%، وانخفضت الصادرات بسبب العقوبات، وأصبح أكثر من 60% من السكان الآن في حالة فقر، بعد أن كانت النسبة 48% قبل عامين فقط. وبتولي رئيسي قيادة البلاد، فإن المحافظين والمرشد الأعلى لديهم حوافز أكبر للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لرفع العقوبات؛ حيث لن يعود بإمكانهم إلقاء اللوم على الرئيس الإصلاحي في ما يتعلق بالمصاعب الاقتصادية. بيد أن نجاح هذه الاستراتيجية ليس مضموناً على أية حال.
اقرأ أيضاً: الثورة الإيرانية التالية: لماذا يجب على واشنطن أن تسعى لتغيير النظام في طهران؟
فأولاً، إذا أصر خامنئي ورئيسي وأنصارهما المتشددون على الإبقاء على سياسة إيران الخارجية الصدامية، فيبدو لي أنه من غير المرجح أن تُخفف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. وليست جميعها مرتبطة بشكلٍ مباشر بالاتفاق النووي؛ بما في ذلك العقوبات المفروضة على رئيسي ذاته. وثانياً، قد يؤدي تزايد النفور والإحباط لدى قطاعاتٍ كبيرة من سكان إيران -خصوصاً بعد منع الإصلاحيين من الترشح للرئاسة- إلى اضطراباتٍ واسعة النطاق، وعدم استقرار سياسي.
المرشد الأعلى القادم
وقد يخلِّف فوز رئيسي تأثيراً أعظم أهمية على السياسة الإيرانية على المدى الطويل؛ لأنه قد يمهد الطريق أمامه ليصبح المرشد الأعلى المقبل لإيران. فالآن أصبح آية الله خامنئي في الثمانينيات من عمره، ومن المرجح أن يخلفه مرشد أعلى جديد في الأعوام الأربعة المقبلة. ووفقاً للعديد من المطلعين على النظام، فإن رئيسي يُعَد المرشح الأكثر ترجيحاً ليحل محل خامنئي؛ خصوصاً بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية.

وإذا أصبح رئيسي في نهايةِ المطاف المرشد الأعلى لإيران، فسوف يحظى بقدرٍ أعظم من الصلاحيات لصياغة كل أنواع السياسات. واستناداً إلى خلفيته وقيمه، فمن المرجح أن يقاوم الإصلاحات السياسية والاجتماعية وأن يحاول اكتساب الشرعية للنظام الإسلامي، من خلال التركيز على التنمية الاقتصادية بطريقةٍ مماثلة للأنظمة الاستبدادية في آسيا؛ مثل الصين، من خلال التركيز على النمو الاقتصادي مع الحدِّ من الحريات السياسية والاجتماعية.
اقرأ أيضاً: إجراءات يعتمدها نظام الملالي لعزل الشعب الإيراني عن العالم
ومن غير المرجح أن يتخلى رئيسي بصفته رئيساً للبلاد -وفي نهاية المطاف بصفته المرشد الأعلى- عن السياسة الخارجية الإيرانية المعادية للغرب؛ لكنه قادر على تخفيف التوترات إلى مستوى يمكِّن إدارته من أجل تحسين الاقتصاد الإيراني. وفي رأيي، يبدو أنه قد أدرك أن استمرار المصاعب الاقتصادية الحالية يشكل أكبر تهديد للنظام الإسلامي على المدى الطويل.
♦أستاذ علوم اقتصاد الشرق الأوسط في جامعة برانديز.
المصدر: ذا كونفرزيشن