الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون خليجية
مجموعة الأزمات الدولية: اتفاق السويد مرهون بـ5 إجراءات حاسمة
كيف يمكن إنقاذ اتفاق ستوكهولم بشأن اليمن؟ 5 خطوات ضرورية لتحقيق ذلك

ترجمة كيو بوست عن منظمة “مجموعة الأزمات الدولية” في بروكسل، بقلم بيتر ساليسبري
برغم عدم دقة اتفاق ستوكهولم كما ينبغي، إلا أنه يمثل نقطة بداية لبناء سلام في اليمن. لكن الاتفاق قد يتعثر في أي مرحلة من المراحل وسط تجاوزات تحصل بشكل متكرر أو بشكل متقطع، ما يحتم على الأمم المتحدة والمجتمع الدولي التصرف بشكل فوري للتأكد من أن المقاتلين ملتزمون بتنفيذ نصوص الاتفاق.
أبرم اتفاق ستوكهولم بين ممثلي الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليًا وممثلي الحركة الحوثية المتمردة برعاية الأمم المتحدة، من أجل تبادل سجناء وانسحاب المتمردين من مناطق مثل ميناء الحديدة، وغيرها من المسائل. لكن بعد مرور شهر واحد فقط، باتت الأمم المتحدة تكافح من أجل إقناع العناصر الحوثية بالانسحاب من الحديدة، أو ما يسمى “إعادة الانتشار” بعيدًا عن الموانئ الرئيسة. ولسوء الحظ، انقضى الموعد النهائي لعمليات إعادة الانتشار المقررة في 8 يناير/كانون الثاني، ما عزز الشك في أن الاتفاق على وشك الانهيار.
اقرأ أيضًا: حواجز أمام قطار السلام في اليمن: اتفاق السويد مهدد
وبرغم عدم الالتزام الحوثي باتفاقية ستوكهولم المنقوصة وغير الدقيقة، إلا أن إبرامها كان صعبًا للغاية. ومع ذلك، من شأن انهيارها أن يجعل فرصة عقد اتفاقية مماثلة شبه مستحيلة في المستقبل المنظور. وبالتالي، هنالك 5 خطوات ينبغي على الأمم المتحدة أن تتخذها على وجه السرعة لحماية الاتفاق ودفع بنوده إلى الأمام.
أولًا: منع انهيار الاتفاق
انتهك الحوثيون وقف إطلاق النار المعلن في 18 ديسمبر/كانون الأول مئات المرات. وبالنظر إلى طبيعة القوى على الأرض، وحقيقة عدم تضمن اتفاق ستوكهولم لأي تعريف لوقف إطلاق النار، لا يمكن توقع الشيء الكثير في الوقت الراهن. لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الاستفزازات الحوثية المتواصلة وحرب الكلمات التي يقودها عناصر الحوثي عبر وكالات إعلامية متعددة، ما قد يدفع الاتفاق نحو الهاوية بشكل أسرع.
في 29 ديسمبر/كانون الأول، أعلن الحوثيون إعادة انتشارهم من موانئ البحر الأحمر من جانب واحد، ورفضوا السماح لقافلة الأمم المتحدة بالمغادرة عبر طريق صنعاء. لكن الإعلان كان مخادعًا وماكرًا؛ إذ عملت المجموعة على توزيع زيّ رسمي موحد لمقاتليها، وادّعت أنهم قوات أمن محلية مستقلة. هذا المثال يوضح تمامًا الكيفية التي يحاول المتمردون التلاعب بها لخداع الأمم المتحدة، للادعاء بأنهم ملتزمون ببنود الاتفاق.
اقرأ أيضًا: الصحافة الدولية تبدي تشاؤمًا حول محادثات ستوكهولم بشأن اليمن.. للأسباب التالية
وبعد ذلك، قاطع الحوثيون اجتماع لجنة تنسيق إعادة الانتشار في 8 يناير/كانون الثاني، وهي الهيئة التي يرأسها كبير مراقبي الأمم المتحدة، باتريك كاميرت، المكلفة بالموافقة على كيفية إعادة انتشار القوات من داخل الحديدة وحولها. وقد عزى المتمردون تهربهم لـ”أسباب أمنية” تحت ذريعة “عقد الاجتماع في أراض تحت سيطرة خصومهم”. وبالطبع، هذا الادعاء زائف تمامًا، لا سيما أن ممثلي الحكومة الشرعية كانوا قد عبروا الخطوط لمقابلة الحوثيين في مناطق واقعة تحت سيطرتهم في مناسبتين سابقتين. هذا التهرب الحوثي دفع كاميرت إلى مقابلة كل طرف بشكل منفصل، ما يزيد من هشاشة الاتفاق بشكل أكبر.
لقد تراجعت الثقة بشكل أكبر في أعقاب سلسلة الهجمات الحوثية على أهداف رفيعة المستوى بعيدة عن الحديدة، بما فيها القاعدة الإماراتية في مدينة “المخا”، وهي منشأة عسكرية تديرها الحكومة اليمنية الشرعية. هذه الانتهاكات دفعت الائتلاف بقيادة السعودية إلى تصعيد خطابه ردًا على ما يمارسه متمردو المجموعة المدعومة من إيران، ما يعني أن الاتفاق أصبح أكثر هشاشة من ذي قبل. وبرغم أن الحوثيين نفذوا هجمات في مناطق جغرافية غير مشمولة في بنود اتفاق ستوكهولم، إلا أنها استفزازية للغاية، وهذا ما يجعل الاتفاق منقوصًا بالفعل.
ولهذا، ينبغي على المجتمع الدولي أن يضغط من أجل وقف التحركات التي من شأنها أن تستثير الطرف الآخر بعيدًا عن الاتفاق. كما يتعين على الأطراف تنفيذ بنود الاتفاق، لكن هذا يتطلب تعاونًا حقيقيًا من قبل الحوثيين أولًا وقبل كل شيء.
ثانيًا: تفسير بنود وقف إطلاق النار، وتفعيلها على الأرض
لم يتضمن اتفاق ستوكهولم تفاصيل فنية حول نطاق أو طبيعة أو مدة وقف الأعمال العدائية، أو تعريف الانتهاكات، أو حتى آليات وقف القتال الفوري في حال انفجار الأوضاع من جديد. هذا الأمر سيؤدي إلى عواقب وخيمة جدًا، خصوصًا في ظل الانتهاكات المذكورة أعلاه. وما يجعل المشكلة أكثر تعقيدًا هو أن الأمم المتحدة لم تنشر بعد فريق مراقبة واسع النطاق، ما ترك مصير وقف إطلاق النار عرضة لحرب الروايات الحوثية، التي خرّبت محاولات بناء السلام في المقام الأول.
وبرغم اعتقاد الأمم المتحدة أن الهجمات الحوثية التي حصلت بعد سريان الاتفاق تشكل خروقًا طفيفة نسبيًا، إلا أنها تشكل مخالفات جسيمة في الميدان. والأمر بالطبع لم يقتصر على إطلاق الصواريخ باتجاه قواعد الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها؛ فقد أقام الحوثيون حواجز متعددة عبر الحديدة، ما يشكل انتهاكًا لروح نص اتفاق ستوكهولم.
اقرأ أيضًا: صحف دولية تشكك بنية الحوثي وقف إطلاق النار في اليمن
ومن أجل أن تتمكن الأمم المتحدة من قياس مدى التزام الأطراف بالاتفاق، ينبغي تحديد مجموعة واضحة من القواعد التي تحكم وقف إطلاق النار. يمكن للجنة تنسيق إعادة الانتشار أن تضع القواعد الأساسية لذلك، وهذا بالطبع يتطلب منح الفريق الأممي حرية الحركة حول الحديدة، وهو ما لم يتحقق حتى اليوم بسبب اعتراضات الحوثي تحت ذرائع أمنية واهية.
هذه العملية تتطلب إنشاء بعثة مراقبة كاملة، من أجل إجراء التقييمات بشكل مكتمل. كما ستحتاج الأمم المتحدة إلى الاستعانة بمراقبين ونشرهم في الميدان من أجل تقييم أفضل لمدى الالتزام بوقف إطلاق النار. وبمجرد إنجاز ما سبق، ستحتاج الأمم المتحدة إلى إقرار كيفية المساءلة والمحاسبة بحق من يخترق بنود الاتفاق المبرم في السويد.
ثالثًا: إنجاز اتفاق تفصيلي حول إعادة الانتشار
زعم الحوثيون أنهم أزالوا قواتهم المقاتلة من موانئ الحديدة، ورأس عيسى، والصليف، واستند زعمهم إلى تفسيرهم الخاص لاتفاق ستوكهولم، بما يتناقض تمامًا مع أغراض البنود الواردة في الاتفاق. ويعود السبب في ذلك جزئيًا إلى حقيقة أن الاتفاق ترك السؤال غامضًا حول “القوات المحلية” التي ينبغي أن تسيطر على الموانئ بعد إعادة الانتشار، وحول من ينبغي أن يؤمن التسهيلات وكيفية حدوث التسليم. في الواقع، هذه الثغرات جعلت الحوثيين أحرارًا في تسليم الموانئ لأنفسهم، على عكس أغراض الاتفاق الفعلية. وبالتالي، فإن الوصول إلى فهم دقيق حول هذه المسائل حاجة ملحة للغاية.
هذا يحتم على الأمم المتحدة إدخال تفصيلات وإعادة رسم حدود زمنية لعمليات إعادة الانتشار المتفق عليها في السويد، علمًا بأن الموعد النهائي المقرر كان في 8 يناير/كانون الثاني، إلا أن الحوثيين لم يلتزموا به. واليوم، على الأمم المتحدة أن تحدد جدولًا زمنيًا واقعيًا من الناحية اللوجستية، من أجل ضمان إعادة انتشار حقيقي من قبل الحوثيين من الموانئ، وجعل ذلك موضع تنفيذ.
رابعًا: مواجهة التعنت الحوثي
يشكل الحوثيون حاليًا عقبة رئيسة أمام التقدم المأمول، ما قد يفسد اتفاقية ستوكهولم على الأرض. يتعين على الحوثيين القيام بالخطوة الأولى عبر إعادة انتشار قواتهم من موانئ البحر الأحمر الرئيسة الثلاثة. وبعد ذلك، يتعين على الجانبين القيام بسلسلة عمليات إعادة انتشار متبادلة من مناطق البنية التحتية الإنسانية الحرجة، وفي نهاية المطاف من المدينة بأكملها، إلى مواقع لم يجر تحديدها بعد، وهذا ما سيؤدي إلى نزع سلاح الممر التجاري في البحر الأحمر بشكل كامل.
اقرأ أيضًا: كاتبة فرنسية: من أجل تحقيق السلام في اليمن، ينبغي إدراك ملامح العدو الحقيقي
يمكن لليمنيين المتشككين الرجوع إلى أصداء أحداث أيلول/سبتمبر 2014 من أجل فهم الكيفية التي يتعامل بها الحوثيون مع اتفاق ستوكهولم الحالي. في ذلك الوقت، اجتاح الحوثيون العاصمة وصنعاء ومحافظات أخرى، ووقّعوا بعد ذلك على اتفاق سلام وشراكة وطنية تدعو القوات الحوثية إلى الانسحاب على مراحل إلى معاقلها الجبلية. لكن بعد توقيع الاتفاق، تجاهل الحوثيون شرط الانسحاب، وادّعوا أن رجالهم في نقاط التفتيش في الشوارع ليسوا مقاتلين بل مواطنين مساندين من “اللجان الشعبية” المستقلة. وبحلول يناير/كانون الثاني 2014، وضع المتمردون الرئيس الانتقالي اليمني عبد ربه منصور هادي رهن الإقامة الجبرية في ظل تنفيذ انقلاب بطيء، ما دفع البلاد المنقسمة أصلًا نحو حرب أهلية مدمرة.
يجب تجنب أي نتيجة مماثلة مهما كلف الأمر، ما يثير تساؤلات حول الأدوات الدبلوماسية التي يمكنها انتزاع تنازلات من الحوثيين. ويمكن القول إن الحوثيين لم يأتوا إلى طاولة المحادثات في السويد إلا بفعل الضغط العسكري الممارس عليهم من قبل التحالف بقيادة السعودية. وهذا لا يعني ضرورة مواصلة القتال العسكري؛ فهنالك العديد من وسائل الضغط البديلة لإجبار الحوثيين على التوقف عن ممارساتهم. من شأن مراقبة الأمم المتحدة للحديدة أن تمثل نقطة بداية جيدة، يتبعها محاسبة حقيقية لأي خرق لبنود الاتفاق، ما قد يجبر الحوثيين على الالتزام بتعهداتهم مقابل عدم المخاطرة بسمعتهم أمام الرأي العام الدولي، الذي استغلوه طوال فترة الحرب. من شأن المراقبة الأممية الحقيقية للحوثيين أن تقلب الرأي العام الدولي ضدهم، إن لم يلتزموا فعليًا ببنود الاتفاق الموقع.
علاوة على ذلك، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يمارس ضغوطًا على إيران من أجل إقناع الحوثيين بالمشاركة بشكل بناء في الحديدة، أولًا وقبل كل شيء: السماح بحرية الحركة في الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم، وإعادة الانتشار السريع من الموانئ الرئيسة. ويمكن كذلك لبروكسل ومسقط الضغط على الحوثيين لإقناعهم بإعادة الانتشار حسب الاتفاق الموقع.
خامسًا: الحفاظ على التركيز الدولي والإجماع
يمكن للأمم المتحدة اليوم مواصلة بناء زخم دولي بغرض تحقيق عملية سلام دائمة قبل انزلاق اتفاق ستوكهولم إلى الهاوية، أخذًا بعين الاعتبار ما ذكر أعلاه. وهذا يتطلب إجماعًا دوليًا وراء ما تبذله الأمم المتحدة في سبيل تحقيق النجاح في اليمن، من أجل منع حمام الدم غير المتوقف.
المصدر: منظمة “مجموعة الأزمات الدولية” في بروكسل