الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
مجاعة إثيوبيا 1984 لم تكن كافية!

كيوبوست
لم تكن ثمانية وثلاثون سنة كافية كي تتجنب إثيوبيا مخاطر الوقوع مجدداً في مجاعة لن تكون مأمونة العواقب بكل الأحوال، وذلك بعد المجاعة الإثيوبية الشهيرة عام 1984؛ حيث تتكرر أسباب، وتتشابه ظروف، في ظل إدانات عالمية، وفي ظرف تاريخي يشهد معاناة دولية بسبب نقص الغذاء.
الآن، أكثر من 20 مليون إثيوبي يعانون الجوع والجفاف أيضاً، وسط توقعات بتوقف الدعم الغذائي اعتباراً من الشهر المقبل، حسب تقرير لبرنامج الأغذية العالمي، الذي يستهدف الوصول إلى أكثر من 11 مليون شخص من الفئات الأشد ضعفاً واحتياجاً خلال الأشهر الستة المقبلة؛ لكنه يواجه فجوة تمويلية هائلة تبلغ 470 مليون دولار أمريكي.
اقرأ أيضًا: كيف يتوقع العلماء المجاعة قبل حدوثها؟
مجاعة 1984
في عام 1984، ضربت إثيوبيا موجة شديدة من الجفاف، في الوقت نفسه الذي استمرت فيه موجات مشتعلة من الحرب الأهلية التي ظلت لعام 1991، تحت أعين نظام منغستو هيلا مريام، الذي فكَّر في تجويع المتمردين شمالاً كحل جذري لردعهم، غير أن العواقب كانت وخيمة.
لم تستجب حكومة منغستو للنداءات الدولية بالتدخل والاعتراف بوجود مجاعة، إلى أن جاء أغسطس من عام 1984، حينما كان يموت 50 شخصاً يومياً نتيجة الجوع (ارتفع ليصبح 100 شخص في سبتمبر من العام نفسه)، مع وصول أول دفعة من الصحفيين لتغطية الأوضاع.

في نوفمبر 1984، نفذت القوات الجوية الملكية البريطانية أولى عمليات الإنزال الجوي لتوصيل الطعام إلى الجياع، بمشاركة دول أخرى؛ مثل السويد وألمانيا الغربية وبولندا وكندا والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، بعد تقارير منشورة وصفت الوضع بأنه “جحيم على الأرض”.
أصرت الحكومة، وقتذاك، على تهجير السكان من الشمال إلى الجنوب بشكل قسري، وكان لزاماً نقل الإمدادات الدوائية والغذائية للجنوب بالاتفاق مع المتمردين في الشمال، غير أن المتمردين استحوذوا على المساعدات المالية لشراء المزيد من الأسلحة لإسقاط الحكومة، وحسب أريجاوي بيرهي، القائد السابق لجيش جبهة تحرير شعوب تيغراي المتمردة، حينذاك، استولى المتمردون على نحو 100 مليون دولار خلال أسوأ مرحلة في المجاعة، بينما استُخدمت 5% فقط من هذه الأموال في أعمال الإغاثة، وأكدت تقارير استخباراتية أمريكية رواية بيرهي، حسب “بي بي سي”.
اقرأ أيضًا: إقليم تيغراي.. الطعام سلاح للحرب بينما تلوح المجاعة في الأفق!
تفاقمت الأمور، وتفاقم معها عناد النظام الإثيوبي الذي رفض طلب منظمة “أطباء بلا حدود” بإنشاء مركز للتغذية من أجل 8000 طفل يعانون سوء التغذية ومعرضين لخطر الموت؛ بل إن الاقتراح انتهى بطرد المنظمة في ديسمبر عام 1985، بعد أن راح ما يقرب من مليون شخص جراء المجاعة. الآن، تتكرر المعاناة ولكن بأرقام أكبر؛ إذ يعاني أكثر من 20٪ من الأطفال دون سن الخامسة، ونصف النساء الحوامل والمرضعات، سوءَ التغذية، في إقليم تيغراي فقط.
التاريخ يعيد نفسه
ثمة تشابه لافت في الظروف التي أدت إلى حدوث المجاعتَين رغم انقضاء نحو أربعين عاماً على مجاعة 1984؛ حيث كانت الحرب الأهلية الإثيوبية التي اندلعت عام 1974 واستمرت حتى 1991، سبباً مهماً في المجاعة التي وقعت بعد أقل من عشر سنوات، وهو ما يحدث الآن؛ إذ لعبت النزاعات الداخلية في إثيوبيا وصراعات حكومة آبي أحمد، ضد المتمردين في الشمال، دوراً في الوصول إلى مستويات صعبة للغاية، جعلت منظمة “الفاو” تصنف إثيوبيا كواحدة من أكثر البؤر سخونة التي تنتظرها ظروف كارثية تنذر بمجاعة قادمة. وحسب تقرير لـ”أفريكا ووتش“، فإن العديد من المجاعات التاريخية وقعت كنتيجة مباشرة للحروب الأهلية.
تُعزز هذا التصور إحصاءات لبرنامج الأغذية العالمي، تشير إلى أن الحرب في تيغراي، التي استمرت 19 شهراً، تسببت بدورها في وجود ما يقرب من 13 مليون شخص، في الشمال الإثيوبي، بحاجة إلى المساعدات الغذائية والإنسانية، فضلاً عن سبعة ملايين أخرى في الجنوب تواجه المصير نفسه.

الجفاف أيضاً كان حاضراً في مجاعة 1984، والآن بطبيعة الحال، وهو ما جعل حكومة منغستو تنفذ عمليات التهجير القسري للسكان من الشمال إلى مناطق غير مستقرة في الجنوب؛ لتسهيل مهمته ضد المتمردين، ضمن ما سماه “برنامج إعادة التوطين”، غير أن الأمر تم بوحشية وأقرب ما يكون إلى حملة عسكرية، حسب توصيف صحيفة “الغارديان” البريطانية؛ حيث تحول الجفاف إلى ذريعة يتم توظيفها سياسياً.
كما أصرت حكومة منغستو عام 1984 على التهجير القسري للسكان، وكان ذلك سبباً في استفحال خطر المجاعة. تكرر الأمر أيضاً في الوقت الراهن؛ حيث تسببت موجات نزوح السكان، والقيود المفروضة على الحركة، والوصول المحدود للمساعدات الإنسانية إلى الشمال الإثيوبي المتضرر، في تضرر ملايين الإثيوبيين من الجوع ونقص الغذاء، حسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز“.
اقرأ أيضاً: يجب على العالم إيقاف جرائم الحرب في إثيوبيا
وَفق تصريح لمارك لوكوك، كبير مسؤولي الطوارئ الإنسانية في الأمم المتحدة، تعد المجاعة الحالية في إثيوبيا هي الأسوأ عالمياً، منذ مجاعة الصومال عام 2011.
اليوم، يقف 115 مليون إثيوبي في انتظار ما ستسفر عنه المجاعة الحالية، بعد أن فقدوا نحو مليون شخص جراء مجاعة 1984 عندما كان تعدادهم لا يتجاوز 40 مليون نسمة.