الواجهة الرئيسيةترجمات

متى يدرك ترامب أن استقرار الخليج يعني استقرار الداخل الأمريكي؟

ترجمات – كيوبوست

في مساء الأحد الماضي، أي اليوم الذي أعقب الهجمات على المنشآت النفطية لشركة “أرامكو” في المملكة العربية السعودية، نشر ترامب تغريدة تقول: “هناك سبب للاعتقاد بأننا نعرف الجاني؛ لكن هذا السبب قيد التحقُّق”. وفي يوم الإثنين، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن مسؤولين أمريكيين أبلغوا الحكومة السعودية أنه وَفقًا لتقارير الاستخبارات الأمريكية “أطلقت إيران أكثر من 20 طائرة وما لا يقل عن عشرة صواريخ على منشآت النفط السعودية يوم السبت”.

وفي حديثه إلى الصحفيين في المكتب البيضاوي، كرر ترامب التأكيد أن الأدلة تشير إلى مسؤولية إيران عما حدث، ثم تغيَّرت لهجته، ليضيف: “لا أريد الحرب مع أية جهة، ورغم كل ما يُقال، نود بالتأكيد تجنُّب ذلك”. بينما سعى مسؤولو الإدارة الأمريكية بعد ذلك إلى التراجع عن تغريدات مساء الأحد، أو هذا ما بدا عليه الأمر.

سقوط الأسطورة

فما الذي تغيَّر بين “الأحد” و”الإثنين”؟ شيء واحد هو أن الأسواق المالية توتَّرت، وارتفع سعر برميل النفط الخام نحو تسعة دولارات، أو ما يقرب من 15%؛ وهي أكبر قفزة له في أكثر من عقد من الزمن. وقد دفعت الهجمات المملكة العربية السعودية إلى خفض إنتاجها اليومي من الخام بنحو 5.7 مليون برميل، أو ما يقرب من 50%. وعندما ينخفض العرض، ترتفع الأسعار. ويعكس ارتفاع الأسعار الذي حدث، على الرغم من أن ترامب قال خلال عطلة نهاية الأسبوع إنه سيتيح استهلاك كميات نفط من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط الأمريكي؛ “للحفاظ على إمدادات جيدة للأسواق”، عنصرَين مهمَّين.

شاهد: فيديوغراف.. أعلى 10 دول من ناحية احتياطي النفط

أولهما: سقوط الأسطورة التي يروجها ترامب وشورت وآخرون في معسكره، بأن الولايات المتحدة هي الآن أكبر مُصدِّر للنفط الخام في العالم، وأن ذلك يعني حماية للاقتصاد من الاضطرابات في الخارج. وقد أدى خطاب ترامب حول الاستقلال النفطي إلى تصور خاطئ بأن الولايات المتحدة لديها اكتفاء ذاتي من الطاقة ومعزولة عن الاضطراب العالمي في أسواق النفط العالمية، بينما صرَّح جاسون بوردوف، مسؤول سابق في إدارة أوباما وأستاذ بمركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، قائلًا: “إن ما حدث يُذَكِّر  الجميع بأن أسعار النفط تحددها الأسواق العالمية والمنتجون لا المستهلكون”.

اقرأ أيضًا: مصدر لـ”كيوبوست”: إيران ربما تسلَّلت داخل الأراضي العراقية لتنفيذ هجماتها

ثانيهما: يشير الاضطراب السريع في أسواق النفط إلى أن أية ضربة عسكرية واسعة النطاق في الشرق الأوسط يمكن أن تسبب قفزة أكبر في الأسعار؛ ففي عام 1973 دفع اندلاع حرب أكتوبر منظمة “أوبك” إلى إعلان حظر نفطي، وتضاعفت أسعار النفط أربعة أضعاف. ثم في عام 1990، بعد غزو العراق للكويت وتشكيل الولايات المتحدة تحالفًا عسكريًّا لمواجهة صدام حسين، تضاعف سعر النفط. وبالتالي من الصعب التنبؤ بكيفية رد فعل تجار النفط على أحداث مثل توجيه ضربة أمريكية إلى مصافي النفط الإيرانية أو أحد بدائلها الإقليمية؛ حيث كان هناك حديث عن وصول سعر برميل النفط الخام إلى مئة دولار أو أكثر في حال نشوب صراع شامل.

الهجمات على أرامكو انعكست على أسواق النفط العالمي

وإذ يحرص ترامب على مراقبة الأسواق المالية عن كثب، إن لم يكن بقلق شديد، دفعه انخفاض أسعار الأسهم إلى تعديل موقفه في الحرب التجارية مع الصين على الأقل مرتَين هذا العام. ومن الواضح أيضًا أنه شديد الحساسية لخطر الركود، أو أي نوع من التباطؤ الاقتصادي، وتأثيره على إعادة انتخابه؛ حيث أشار  إلى أن الحكومات الأجنبية كانت تدفع أسعار فائدة أقل على سنداتها، ثم أضاف: “والآن، علاوة على ذلك، يواصل سعر النفط الارتفاع بينما سعر الفائدة في انخفاض كبير!”.

اقرأ أيضًا: كيف يعجل نهج ترامب الجديد للحروب بنشوب المواجهة المباشرة مع إيران؟

ويدرك ترامب جيدًا أنه قام بحملة لإنهاء حروب أمريكا الطويلة، وليس بدء حرب جديدة. وهو يعلم أن أكثر مؤيديه حماسًا لا يرغبون في دفع أسعار أعلى للغاز خلال عام الانتخابات. كما أنه من المتوقع في ظل الهجمات الأخيرة على السعودية أن يجد المواطن الأمريكي نفسه في مواجهة زيادة في أسعار البنزين بنسبة تصل إلى 25 سنتًا خلال هذا الشهر.

كما أنه من ناحية أخرى، يريد ترامب أن يبدو مسيطرًا على الموقف. وهو ألغى بالفعل ضربة عسكرية لإيران هذا العام في يونيو الماضي، بعد أن أسقط الجيش الإيراني طائرة استطلاع أمريكية من دون طيار.

 إجراءات رادعة

إذن خلاصة القول أن ترامب في مأزق، وهو المسؤول عن ذلك بالتخلي عن ورقة الصفقة النووية الأمريكية- الإيرانية دون داعٍ وإطلاق حملة عقوبات تصل إلى حد الحرب الاقتصادية ضد طهران، وهو بذلك أعطى فرصة للمتشددين الإيرانيين وزعزع استقرار المنطقة التي تعاني بالفعل الاضطرابات. إنه مسؤول بصفة شخصية عن تبعات سياساته الحمقاء، التي وصل بعض من تداعياتها الآن إلى الداخل الأمريكي. 

وإذا تمت استعادة الهدوء إلى منطقة الخليج وعادت المنشآت النفطية السعودية إلى العمل بسرعة، فإن النتائج الاقتصادية لهجوم نهاية الأسبوع الماضي قد تكون بسيطة نسبيًّا. وقد كانت هناك تقارير تفيد أن الإنتاج الكامل لـ”أرامكو” يمكن استعادته خلال أسبوعين أو ثلاثة أسابيع فقط. وفي الوقت نفسه، أشار اقتصاديون في مجموعة “غولدمان ساكس” إلى أن ارتفاع سعر النفط قد ينتهي به المطاف إلى تعزيز النمو قليلًا في حال تحفيز المزيد من الإنفاق في صناعة الطاقة.

الحرائق الناجمة عن الهجمات الأخيرة على منشآت “أرامكو”

وفي تعليقه على الهجوم على منشآت النفط السعودية، قال السناتور ليندسي غراهام: “حان الوقت للولايات المتحدة لشن هجوم على مصافي النفط الإيرانية؛ لأن هناك الآن تهديد للمملكة العربية السعودية وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة في الخليج”. بينما قال كارين يونغ، وهو باحث مقيم في معهد “أميريكان إنتربرايز”، حول عواقب الهجمات على العلاقات الأمريكية- السعودية وتصريحات ترامب على “تويتر”: “أعتقد أن الرئيس ترامب قد خانه التعبير، وأنه أراد على الأرجح إثبات أننا نأخذ هذا الهجوم والتهديد على محمل الجد. ويجب أن تأخذ الولايات المتحدة زمام المبادرة، ولا تنتظر المملكة العربية السعودية كي تعطيها الضوء الأخضر”.

وأضاف يونج أن ما يحدث ربما يكون أمرًا مربكًا لكثير من الأمريكيين في الوقت الحالي، وربما يقولون: “نحن نريد الانفصال عن مشكلات الشرق الأوسط وأزماتها”، غير أن ذلك ليس في مصلحتهم بأية حال من الأحوال؛ بل يجب على الولايات المتحدة أن تلعب دورًا في استقرار أسواق الطاقة العالمية، وهو مطلب أساسي يصب في مصلحتها الوطنية.

وإذا أرادت الولايات المتحدة أن تقول إنها قائد فعلي للاقتصاد العالمي؛ فإنه يتعين عليها اتخاذ بعض الإجراءات الرادعة لإيران، والتي ينبغي أن تصل من خلالها رسالة مفادها أن “هذا النوع من الهجمات غير مقبول”؛ لأن من شأنه زعزعة استقرار الاقتصاد العالمي في أسواق الطاقة بأكملها.

المصدر: نيويوركر وبابليك راديو إنترناشيونال

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة