الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية
متلازمة إيران الخليج العربي
تعتبر إيران مياهَ الخليج العربي امتداداً لجغرافيتها القومية.. وتصر على "تفريسه" رغم العديد من الدلائل التاريخية التي تدحض هذا الادعاء

كيوبوست- إبراهيم المقدادي
لا تنفك إيران تؤكد فارسية الخليج العربي في كل حادثة تستدعي مسؤولية الدفاع عن هويتها في الخليج؛ عن طريق تفجير قنبلة إعلامية واحتجاجية وإطلاق تصريحات نارية تسعى من ورائها إلى محاولة تثبيت وتوظيف هذا المصطلح بما يخدم مصلحتها القومية، مؤكدةً في كل مرة أن الخليج فارسي وسيبقى فارسياً، وتطلق التصريحات والشعارات التي بات أبرزها “خليج هميشه فارسي”؛ أي أن الخليج سيبقى دائماً فارسياً، وتدافع عن هذا المسمى في المحافل الدولية؛ مستدعيةً بعض القرائن والأدلة والشواهد التاريخية التي لا تحمل أي إثبات حقيقي على فارسية الخليج.
في المقابل، ترفض الدول العربية كافة؛ خصوصاً الخليجية منها، محاولات إيران المستمرة في “تفريس” الخليج، وتؤكد أنها لا تقبل بأية حال من الأحوال إلا بإطلاق صفة “العربي” على الخليج، وتدافع عن ذلك أيضاً في المحافل الدولية؛ ولكن بأدلة واقعية وشواهد تاريخية تثبت عروبة الخليج.
اقرأ أيضًا: في الذكرى الـ26 لتفجيرات الخبر: باحث سعودي يفتح ملف الدور الإيراني في دول الخليج
ردود أفعال غاضبة
مؤخراً أُثير هذا الموضوع مجدداً، بعد أن استخدم كل من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وأيضاً زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، مصلطح “الخليج العربي” خلال فعاليات كأس الخليج 25 في العراق.. اعتبرت إيران، وعلى لسان عدد من مسؤوليها، ذلكَ تجاهلاً عراقياً لوحدة الأراضي الإيرانية، وأبدت قلقها من عودة العراق إلى الصف العربي، واستدعت السفير العراقي لديها؛ لتقديم احتجاج طهران على استخدام العراق “الخليج العربي”.
وسارعت إيران على الفور إلى الإعلان عن رفع شكوى لدى الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)؛ احتجاجاً على استخدام مصطلح “الخليج العربي” في كأس الخليج، وقالت وسائل إعلام إيرانية إن الاتحاد الإيراني لكرة القدم سيقدم وثائق مثبتة بشأن هذه القضية إلى “فيفا”؛ من أجل دفعه إلى تصحيح الاسم وفرض اسم الخليج الفارسي.

وجاءت ردود الأفعال الإيرانية موحدة ومنسجمة حول هذا الموضوع؛ أي أن الرأي العام وكل التيارات والشخصيات السياسية انتقدت وهاجمت بشدة العراق؛ لاستخدامه مصطلح الخليج العربي، وطالب عدد من السياسيين والنشطاء الحكومةَ الإيرانية باتخاذ إجراءات صارمة ضد ما وصفوه بالتعدي على الأمن القومي الإيراني، ووصفت بعض الصحف هذا السلوك العراقي بـ”الوقاحة” و”الإساءة لإيران”، ونذكر من هذه الردود ما يلي:
ليست هذه المرة الأولى التي تشيط فيها إيران غضباً من استخدام مصطح الخليج العربي، ولن تكون الأخيرة، فقد سبق أن نظمت إيران احتجاجات شعبية سنة 2008، على تسمية متصفح غوغل الخليجَ بالعربي، وفي عام 2010 أُلغيت الدورة الثانية من ألعاب التضامن الإسلامي؛ بسبب اعتراض الدول العربية على تدوين كلمة “الخليج الفارسي” على قلائد البطولة وجميع وثائقها؛ فقد اقترحت الجهات العربية الرسمية قبل ذلك كتابة لفظة الخليج فقط، لكن إيران واجهتها بالرفض.
وقبل يومَين، أفادت وسائل إعلام إيرانية مصادرة 21 ألف كتاب واعتقال خمسة أشخاص؛ بسبب استخدام مصطلح “الخليج العربي”. وأعلن “بيام كاوباني”، رئيس استخبارات شرطة طهران، اكتشاف 21 ألف مجلد من الكتب التي تحمل نصوصاً فيها اسم “الخليج العربي”.

دحض الحجج الإيرانية
رغم محاولات إيران المستميتة في إضفاء صبغة الفارسية على الخليج العربي، وإصرارها على تقديم حجج واهية لتثبيت هذا المسمى في الأوساط الغربية القديمة وحتى الغربية المعاصرة، والمحافل الدولية؛ فإن مساعيها تخالف الحقيقة والواقع، لذلك فهي في طريقها إلى الفشل؛ لا سيما أنها أصبحت دولة منبوذة إقليمياً وعالمياً، ومن السهل دحض مزاعمها في هذا الخصوص، ويمكن سرد بعض الأدلة على بطلان هذه المزاعم الإيرانية؛ بالتالي:
أولاً: أن بداية الكتابات (الأكدية- الآشورية) التي سمَّت الخليج بأسماء متعددة؛ لها جميعها جذور ودلالات عربية، وتطابق في اللفظ مع الاسم العربي، فلو كان الخليج فارسياً كما تدَّعي إيران لسُمِّي باسم يرتبط بجذور أو بمعنى متداول في اللغة الفارسية.
ثانياً: ما يخص تسمية بعض اليونانيين والرومانيين الخليج بالفارسي في مؤلفاتهم الجغرافية؛ فهي نابعة من كونهم لم يروا هذا الخليج إلا من جهة بلاد فارس، وذلك أن الفرس احتلوا مناطق عدّة في غرب آسيا لقرون عديدة إبان وجود اليونانيين على مسرح الأحداث التاريخية.
ثالثاً: أن المناطق المطلة على الخليج العربي وقعت تحت الاحتلال الفارسي خلال الفترات الأخمينية (539- 332 ق.م)، والفرثية (147ق.م- 224 للميلاد)، والساسانية (224- 635 للميلاد)، ولو كان اليونانيون قد عبروا إلى الجانب الغربي من الخليج وأقاموا في بره؛ لسمُّوا الخليجَ بـ”العربي” أو بالبحر العربي.
اقرأ أيضاً: بصمات إيران تقف خلف استهداف منشآت النفط في السعودية
رابعاً: لو كان الاسم “الخليج الفارسي”، لكان في بلاد فارس على الأقل إقليم أو قطر مسمى ببلاد الخليج الفارسي، مثلما كان ولا يزال في بلاد العرب بلد البحرين؛ والذي يمثل اليوم “مملكة البحرين”.
خامساً: أن السريانيين ترجموا مؤلفات الجغرافيين اليونان إلى العربية؛ فأصبحت مرجعاً جغرافياً في العالمَين العربي والإسلامي، وبقيت التسمية اليونانية “الخليج الفارسي”، في الترجمة العربية؛ لأن المترجم لا يغير شيئاً من النص التزاماً منه بالأمانة.
سادساً: ذُكر اسم الخليج العربي في العديد من مؤلفات وكتابات المؤرخين والرحالة الغربيين؛ وأولهم المستشرق الدنماركي “كارستن نيبور”، إذ يسلط الضوء على عروبة الخليج العربي بعد طوافه بمناطق متعددة من رحلته التي زار خلالها “اليمن” والخليج العربي، كما زار أطلال بلاد “فارس” ومدينة “آشور” عام 1763 للميلاد، فألَّف مؤلفاً يصف فيه بلاد العرب يذكر فيه من جملة المعلومات ما يخص الخليج العربي بالقول: “من المضحك أن يصور جغرافيون جزءاً من بلاد العرب كأنه خاضع لحكم ملوك الفرس، في حين أن هؤلاء الملوك لم يتمكنوا قط من أن يكونوا أسياد البحر في بلادهم الخاصة؛ لكنهم تحملوا صابرين على مضض أن يبقى هـذا الساحل ملكاً للـعرب”، كما أشار المؤرخ الإنجليزي “رودريك أوين” إلى عروبة الخليج بشكل واضح في مؤلفاته، وقال: “لقد كانت هذه المساحات من الرمال والمياه دائماً جزءاً من الخليج العربي”.

سابعاً: الوجود العربي القديم على الساحل الغربي للخليج، والذي أُثبت وذُكر في العديد من الأبحاث التاريخية من خلال التعامل التجاري بين ممالك بلاد الرافدين وسكان الممالك الخليجية منذ أواخر الألف الرابع قبل الميلاد، ولا يزال حتى يومنا هذا، مع تزايد الهجرات المتكررة للقبائل العربية من شبه الجزيرة العربية واستيطانها على الساحل منذ آلاف السنين، وهذا الأمر يؤكد مرة أخرى انتساب الخليج العربي إلى تلك الأقوام التي قطنت على شواطئه الغربية وحمل الخليج اسمها.
ثامناً: معظم الدراسات والأبحاث والمراجع التاريخية والأثرية المتخصصة بدراسة تاريخ وحضارة الشرق الأدنى والخليج، استخدمت وبشكل واضح خلال العقود الأخيرة في كتاباتها اسم الخليج العربي، وأخذ اسم الخليج الفارسي ينحسر استخدامه في الكتابات الحديثة وفي المحافل الدولية الرسمية وغير الرسمية[1].
تاسعاً: وجود أكثر من وثيقة وخارطة في المكتبة الوطنية في باريس تثبت بصورة قاطعة تسمية “الخليج العربي”، وأن تسمية “الخليج الفارسي” المتداولة حديثاً بين بعض الجغرافيين الأوروبيين جاءت نتيجة توجهات سياسية لدى بعض القوى الاستعمارية في القرن التاسع عشر.
شاهد: فيديوغراف.. إيران والحراك التركي باتجاه الخليج
عاشراً: اسم الخليج العربي قديم وموثق تاريخياً، وثلثا سواحل الخليج تقعان في دول عربية، بينما تطل إيران على نحو الثُّلث، حتى السواحل الإيرانية تقطنها قبائل عربية؛ سواء في الشمال (إقليم الأحواز) أو في الشمال الشرقي في عديد من مدن إقليم بوشهر، مثل بوشهر وعسلوية وبندر كنغان أو في الشرق في بندر لنجة وبندر عباس، والعرب يشكلون سكان أهم جزيرتَين مسكونتَين في الخليج العربي؛ وهما جزيرة البحرين وجزيرة قشم، إضافة إلى أن العرب يشكلون السكان الأصليين لجميع الجزر المأهولة في الخليج العربي قبل ظهور النفط، بالتالي فمن الأولى تسمية الخليج وَفق الشعب الذي يسكن جزره وسواحله، وتوضح خريطة القوميات الإيرانية أن جميع سواحل الخليج العربي الجنوبية والغربية تخلو من الفرس[2].
ومع كل ما ذكر، تعتبر إيران مياه الخليج العربي امتداداً لجغرافيتها القومية، وتصر على “تفريسه” و”أيرنته”؛ باعتباره حلقة حافظة وجدار ضم للقوميات غير الفارسية تحت مظلة القومية الإيرانية، والتخلي عن ذلك يعني فتح الأبواب أمام الرغبة الانفصالية للعرب وغيرهم من القوميات غير الفارسية.
المراجع:
[1] https://cutt.us/xTLnr
[2] https://cutt.us/i5jUv