الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
مبادرة “لم الشمل”.. هل تعيد المتشددين إلى المشهد في الجزائر؟
مجموعة كبيرة من كوادر "الجبهة الإسلامية" أيدوا المبادرة.. وآخرون يرونها غامضة وغير محددة المعالم

كيوبوست
تفتح دعوة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، إلى مبادرة “لم الشمل” باب التكهنات حول الهدف منها، في ظل غموض التفاصيل، وترويج الإسلاميين ورموز “جبهة الإنقاذ” للمبادرة، وسط ترقب من الشارع لأي معطيات مفسرة لها، فضلاً عن أنها تكرار للعبة “الإسلاميين والسلطة” التي لا تنتهي، رغم أنها ستكون مقبولة إذا كان المستهدف منها الأحزاب والجمعيات والشخصيات التي جرى تهميشها في العصر السابق، حسب مراقبين جزائريين تحدثوا إلى “كيوبوست”.
وقال تبون إن الهدف من مبادرة “لم الشمل” التي أطلقها، هو تكوين جبهة داخلية متماسكة؛ دون الخوض في أية تفاصيل.
اقرأ أيضاً: هكذا يُجهض “إخوان تونس والجزائر” وحدة الشعوب المغاربية
وتطرق تبون إلى مبادرة “لم الشمل” التي أطلقها والتي اعتبرها ضرورية؛ من أجل “تكوين جبهة داخلية متماسكة”، خلال زيارته إلى تركيا قبل أسابيع.
واستقبل تبون، خلال الأسابيع الماضية، شخصيات عامة وزعماء الأحزاب الجزائرية؛ خصوصاً الممثلة في البرلمان، لمناقشة تصورات المبادرة والملفات التي تحتاج إلى تركيز خلال الفترة المقبلة.

وعاشت الجزائر سنوات من الدماء والجرائم ارتبكتها الجماعات الإسلامية المتشددة ضد المدنيين والجيش والشرطة، في ما يُعرف بـ”العشرية السوداء”، قبل امتصاص السلطات هذه الجماعات في عهد الرئيسَين اليمين زروال وعبدالعزيز بوتفليقة، وفتح باب التوبة أمام العناصر المسلحة.

ويرى أستاذ الفلسفة الغربية في جامعة قسنطينة إسماعيل مهنانة، أن هذه ليست المرة الأولى التي تمد فيها السلطة يدها لخصومها الإسلاميين؛ فقد حدث ذلك سنة 1997 بموجب ما سُمي، آنذاك، بقانون الرحمة. ثم تكرر الأمر مع قانون المصالحة الوطنية الذي سنَّه الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة. ويبدو أن الأمر سيبقى يتكرر إلى ما لا نهاية.
وقال مهنانة، في تصريحات أدلى بها إلى “كيوبوست”، إن هذا يعني أن التطرف الإسلاموي أصبح عنصراً بنيوياً في تشكيل السلطة والمجتمع في الجزائر، كما يعني أن المقاربة الأمنية التي ظل النظام الجزائري يلجأ إليها كل مرة هي مقاربة فاشلة.
وأضاف أستاذ الفلسفة الغربية: كما يعني أيضاً أن النزاع بين الإسلاميين والنظام من أجل السلطة هو ثابت تاريخي ربما تعود جذوره إلى الاستقلال وما قبله. فالسلطة التي تحارب الإسلاميين بقوة السلاح تشجع أيضاً فكرهم المتطرف داخل المجتمع بوسائل التعليم والمدرسة والإعلام والجمعيات والمجتمع المدني؛ لذلك نظل ندور في حلقة مفرغة.

وأشار مهنانة إلى أن الدولة انتصرت على الجماعات المسلحة في الجبال والغابات؛ لكن فكرها لا يزال مهيمناً على قطاع واسع من المجتمع، لافتاً إلى أن مبادرة لم الشمل سوف تشمل حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المنحل) وخليفته الممثلة في حركة “رشاد”، أو نصف هذه الوجوه على أقل تقدير.
وأوضح أستاذ الفلسفة الغربية أن هناك هدفَين من إشراك المتطرفين في المبادرة؛ الأول هو تقسيم هذه الحركات وإحداث تصدع داخلي فيها، بين مَن سيقبل ومَن سيعارض اليد الممدودة من السلطة، والثاني هو الاستعانة بمَن يقبل الانضمام في تسيير المرحلة.
اقرأ أيضاً: هل يقود تيار الإخوان في الجزائر معركة تركيا ضد فرنسا بالوكالة؟
واستطرد مهنانة: لست متأكداً من نجاح هذه السياسة؛ خصوصاً أنه تم تجريبها مع مشروع المصالحة الوطنية السالف ذكره. وإذا نجحت فسيكون نجاحاً للسلطة وليس للمجتمع، لافتاً إلى أن السلطة والشارع منقسمان في الموقف تجاه الإسلاميين. وفي النهاية ستقرر السلطة ما يخدمها مرحلياً فقط، أما الحلول الجذرية والدائمة فلا وجود لها في الجزائر.
مشروع غامض
وقال عضو الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان لخضر بن سعيد، إنه وحسب المطلعين والمتابعين للشؤون السياسية في البلاد، فمشروع لم الشمل “غامض” بإجماع السياسيين والحكماء، لافتاً إلى أن السلطات تعيش تحديات أمنية على الحدود الجزائرية ومناطق التوتر الحدودية، فضلاً عن الجبهة الاجتماعية التي تعاني ضعف القدرة الشرائية بعد عامَين من جائحة كورونا التي أرهقت الجميع.

وأضاف لخضر بن سعيد، في تصريحات أدلى بها إلى “كيوبوست”، أن النظام لم يتمكن من إرضاء المواطن وتحسين أحواله المعيشية، ويريد تنظيم وتكوين جبهة داخلية متماسكة، ولا يملك خياراً آخر إلا هذه المبادرة التي حظيت بمشاورات بين الرئيس تبون والفاعلين في المشهد السياسي وقادة الأحزاب؛ خصوصاً الأحزاب الممثلة في البرلمان.
وتابع عضو الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان: كل الذين شاركوا في المشاورات أجمعوا أن هناك غموضاً يكتنف الأمر، وأنهم لا يملكون معطيات دقيقة حول هذا المشروع، وبعض الخبراء يقول إنه لا يوجد إطار معين للمشروع الذي جاء للتغطية على السنوات الثلاث التي قضاها رئيس الجمهورية في الحكم ولم يقدم الشيء المنتظر منه.
اقرأ أيضاً: الجزائر تصطاد عناصر “رشاد” الإرهابية وتلاحق الفارين في الخارج
وأشار لخضر بن سعيد إلى وجود حالة انقسام في الرأي العام بين المرحبين من الأحزاب الموالية للسلطة، والمترقبين للوضع؛ خصوصاً الجماعات الإسلامية المتشددة، مرجحاً أن يكون المستهدف من المبادرة الأحزاب والجمعيات والشخصيات والإطارات والكوادر الوطنية التي جرى إقصاؤها وظلمها، بسبب ممارسة مهامها.
واستطرد عضو الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان: الجماعات المتشددة استفادت من قانون الوئام الوطني وميثاق السلم والمصالحة الوطنية أيام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وقانون الرحمة في عهد الرئيس الأسبق اليمين زروال، حين أعطتهم الدولة فرصة النزول من الجبال والعودة إلى حياتهم الطبيعية ووظائفهم.

وقال لخضر بن سعيد، إن هناك مطالب يتزعمها القيادي في حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ (المنحل) مصطفى غزال، بإطلاق سراح 160 سجيناً يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد، وبعضهم ينتظر عقوبة الإعدام؛ بسبب انتمائهم إلى الجماعات الإرهابية، لكن وزارة العدل قالت إن العدد 90 سجيناً فقط، مرجحاً أن يستفيد هؤلاء من المبادرة.
اقرأ أيضاً: مع اقتراب الانتخابات البلدية.. انتكاسة إسلاميي المغرب تخيِّم على إخوان الجزائر
وواصل عضو الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان: مجموعة كبيرة من كوادر “الجبهة الإسلامية” أيدوا المبادرة، ويروجون لها، على أمل الإفراج عن هؤلاء المساجين الصادر بحقهم أحكام قضائية.

ونوه لخضر بن سعيد بأن الشعب الجزائري قال كلمته في هذا الشأن أثناء استفتاء ميثاق السلم والمصالحة، ووافق على طيّ الصفحة؛ لكن أحداً لم ينسَ الماضي، والسلطة منحت الفرصة لمَن نزلوا من الجبال ودمجتهم في المجتمع، دون تضييق؛ من أجل المصلحة الوطنية.